مؤسسات إعلامية مصرية تتخلى عن رصانتها لمجاراة الترند

محتوى المواقع الإلكترونية للصحف على يوتيوب مشابه لما يقدمه الهواة.
الجمعة 2021/08/13
الفن والترفية يجذبان جمهور مواقع التواصل

تحقق فيديوهات القنوات الخاصة بالمواقع والصحف الإلكترونية دخلا جيدا ساهم في تجاوزها للأزمات الاقتصادية جراء انكماش سوق الإعلانات التقليدي أو لتراجع معدلات توزيع الصحف الورقية، فبات تركيز السياسات الإعلامية للصحف والمواقع منصبا على الحصول على أكبر قدر من كعكة الإعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

القاهرة - سلط النقاش الدائر في مصر بشأن الطريقة المثلى لتغطية جنازات الفنانين والمشاهير، الضوء على الأزمات المهنية التي وقعت فيها المواقع والصحف الإلكترونية جراء بحثها عن مجاراة “الترند”، وسعيها الدائم لتقديم محتويات تناسب جمهور الإعلام الرقمي.

وتعتبر إعلانات يوتيوب على الفيديوهات المنشورة على القنوات الخاصة بالمواقع الإلكترونية مصدر دخل رئيسيا بالنسبة للعديد من المواقع والصحف، التي تعرضت لأزمات اقتصادية الفترة الماضية جراء انكماش سوق الإعلانات التقليدي أو لتراجع معدلات توزيع الصحف الورقية.

وتغري أرقام الإعلانات على يوتيوب وسائل الإعلام التقليدية، فقد شاركت شركة غوغل المالكة ليوتيوب  تقريرها المالي للربع الثاني من عام 2021 مؤخرا. وقالت إن عائدات يوتيوب خلال الربع الثاني من عام 2021 أعلى بحوالي 84 في المئة مقارنة بعائدات نفس الفترة تماما من عام 2020.

وحصد الموقع الشهير كأكبر منصة فيديو رقمي في العالم حوالي 7 مليارات دولار بين أبريل ويونيو الأخيرين، وساهم نمو عائدات يوتيوب بالنمو الهائل لعائدات غوغل من الإعلانات، حيث قفزت عائدات الشركة بحوالي 69 في المئة مقارنة بنفس الفترة من عام 2020 الماضي.

محمد عبدالرحمن: مواقع التواصل فاجأت صناع المحتوى الاحترافي بمعايير مختلفة
محمد عبدالرحمن: مواقع التواصل فاجأت صناع المحتوى الاحترافي بمعايير مختلفة

وتركزت السياسات الإعلامية للصحف والمواقع على كيفية الحصول على أكبر قدر من كعكة الإعلان عبر جذب زوار مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يعد القارئ المعتاد لها ضمن اهتماماتها، فالمهم أن تبحث عن وسيلة تمكنها من البقاء حتى وإن وقعت في أخطاء مهنية عديدة في ظل انكماش سوق الإعلام، ما أدى إلى غلق عدد من الصحف والمواقع بينها الصحف المسائية الحكومية الثلاث في مصر.

ولم يعد لدى الكثير من القائمين على إدارة هذه المواقع رغبة في تقديم محتويات رصينة تحظى بثقة الجمهور كما كان الوضع في السابق حينما كانت المعادلة تقوم على مدى ثقة الجمهور في ما تقدمه وسائل الإعلام، وأضحى المستهدف نشر كل ما له علاقة بالـ”الترافيك” أو “الترند” دون أن يكون هناك اهتمام بالجودة أو المضمون أو الدقة، وبالتالي فإن الكثير من المواقع التي حظيت بسمعة طيبة تعرضت لأزمات ووجدت نفسها مضطرة إلى الاعتذار عن محتويات غير لائقة قدمتها.

واضطرت صحيفة “المصري اليوم” الخاصة إلى تقديم اعتذار رسمي لأسرة الفنانة الراحلة دلال عبدالعزيز، بعد أن نشرت على صفحتها في فيسبوك خبرا كاذبا عن وفاتها منذ شهر، قبل أن تنفي أسرة الراحلة صحة الخبر في هذا التوقيت.

وواجهت مواقع إلكترونية تابعة لمؤسسات حكومية مصرية انتقادات عديدة بسبب نشرها عناوين خادعة على صفحاتها، وهو أمر لم يكن معتادا من الصحف الحكومية التي احتفظت بقدر من الرصانة والمصداقية خلال السنوات الماضية.

وقال رئيس تحرير موقع “إعلام دوت كوم” محمد عبدالرحمن إن مواقع التواصل الاجتماعي فاجأت صناع المحتوى الاحترافي بمعايير مختلفة عن التي اعتادت عليها لتوسيع قاعدة انتشارها، وأضحى البحث عن الإعلانات وزيادة المتابعات على المنصات الرقمية الأخرى مسيطرا.

وأضاف عبدالرحمن في تصريحات لـ”العرب” أن الأزمة الأكبر أن القائمين على صناعة المحتويات بالمواقع الإلكترونية اختاروا البدء من نفس النقطة التي انطلق منها الأشخاص الذين حققوا شهرة واسعة على موقع يوتيوب، وأولوا اهتماما بتقديم محتويات يغلب عليها طابع الإثارة في رحلتهم نحو البحث عن الجمهور، وهو ما كان دافعا لتكرار الأمر من جانب الكثير من الإعلاميين، وتحديدا في المجال الرياضي لتدشين قنواتهم بحثا عن الربح.

Thumbnail

وأوضح أن حلقة الوصل المفقودة بين القائمين على إدارة المواقع الإلكترونية وبين تطور سوق الإعلانات والنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، تؤدي إلى مشكلات أكبر بالنسبة للمؤسسات الإعلامية التقليدية، كما أن المواقع التي تبحث عن الربح بطريقة سريعة تسير في الاتجاه الذي سار عليه موقع “اليوم السابع” الخاص مثلا من قبل، دون أن يقدم محتويات مبتكرة أو جديدة.

وتواجه الصحف والمواقع الإلكترونية بوجه عام أزمة في التدريب، وهو ما ينعكس بالتبعية على صناعة المحتوى على الإعلام البديل وتغيب الدورات التدريبية التي تؤسس لوضع محتوى إلكتروني احترافي على يوتيوب، ويبدو ما تقوم ببثه شبيها لما يقدمه الهواة على المنصة ذاتها، وهو ما ظهر في انتشار “اللايف” على الكثير من المواقع دون أن تكون هناك معايير للنشر، وتظهر غالبية الفيديوهات مشوهة ومخالفة للطريقة التي اعتاد عليها قراء هذا الموقع أو ذاك.

ويرى خبراء الإعلام أن أي مكاسب قد تحققها المواقع والصحف في الوقت الحالي قد تكون وقتية طالما استمرت في حالة الانفصام بين ما تقدمه في نسختها الورقية أو الإلكترونية وبين ما تقدمه على منصات التواصل، لأنها سوف تفقد ثقة الجمهور الذي يتابعها وقد تجد نفسها في الوقت ذاته غير قادرة على مجاراة المحتويات التي تجذب متابعي مواقع التواصل، وتتحول تدريجيا ضمن وسائل الإعلام البديل، ما ستكون له تأثيراته على مستقبل العمل الإعلامي والصحافي الاحترافي.

محمد حجازي: الصحف تحاول تقديم المختلف والغريب بغض النظر عن قيمته
محمد حجازي: الصحف تحاول تقديم المختلف والغريب بغض النظر عن قيمته

ويذهب هؤلاء إلى التأكيد أن قيمة وسائل الإعلام كأداة مؤثرة في الرأي العام سوف تستمر في التقلص تدريجيا إذا استمرت في بحثها عن كل ما هو مثير فقط، وأن محاولات التطوير والتحديث التي تقوم بها أعداد من الصحف لانتشال نفسها من الأزمات التي تحاصرها، لن تكون ذات مردود لأنها ستكون أسيرة “الترند” الذي سيكون طاغيا على أي محاولة للتطوير.

وأكد محمد حجازي استشاري تشريعات التحول الرقمي، أن المشكلة الحالية سوف تظل قائمة لأن الصحف تحاول تقديم المحتوى الذي يبحث عن الجمهور والذي ينصب دائما على كل ما هو مختلف غريب بغض النظر عن قيمته، وطالما أن مستوى وعي الجمهور منخفض فإن وسائل الإعلام ستكون أسيرة لذلك لأنها تبحث عن الإعلانات.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن المؤسسات الإعلامية الاحترافية تجيد التعامل مع اهتمامات الجمهور على المنصات، لأنها قادرة على تقديم عناوين جذابة تدفع الملايين نحو فتح الفيديو لمشاهدة ما يحتويه، وقد لا يكون العنوان معبرا عما بداخله لكنها تكون نجحت في الحصول على مقابل مادي.

ويعتقد حجازي أن الحل الأمثل للتعامل مع المحتويات الرديئة يكون من خلال مدونة سلوك أو ميثاق شرف تواكب تطورات النشر على المنصات الإلكترونية، ويمكن أن تخضع المؤسسات الإعلامية لتلك المدونات بخلاف الأشخاص العاديين الذين يكون عددهم فوق قدرة أي مؤسسة على تنظيم ما يقدمونه، وإن كان تأثيرها لن يكون قويا أيضا لأن ما يحدث حاليا جزء مما فرضته تكنولوجيا المعلومات على وسائل الإعلام.

وبات المجلس الأعلى للإعلام ونقابة الصحافيين في مصر مطالبين بتشكيل لجان لمتابعة ما تقدمه وسائل الإعلام التقليدية على المنصات، لمتابعة ما تنشره الأجيال الصاعدة من الصحافيين وتوجيههم بالطريقة السليمة مع أهمية عقد مؤتمرات نقاشية بشأن تقييم ما يتم نشره، وتحفيز المواقع التي تقدم محتويات رصينة لتشجيعها على المضي قدما في هذا الاتجاه.

18