مؤثرون وصناع محتوى عنوان الجريمة والابتذال في الجزائر

يتابع الشارع الجزائري قضايا النصب والاحتيال والاتجار غير المشروع لعدد من المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي، الذين باتوا نماذج تسيء إلى المؤثرين عموما وتدفع العائلات للقلق ممن يقتدي بهم أبناؤها.
الجزائر - أثار وضع محكمة جزائرية بوضع صانعة المحتوى وحيدة قروج تحت الرقابة القضائية، في انتظار استكمال التحقيق بشبهة حيازة وتجارة المخدرات ضمن شبكة من المتهمين الآخرين، جدلا جديدا حول المؤثرين وصناع المحتوى الذين تتم متابعتهم في قضايا مماثلة إلى جانب النصب والاحتيال.
وبات العديد من المؤثرين وصناع المحتوى يرسمون صورة قاتمة ويمثلون نماذج سيئة لجمهورهم وللرأي العام في الجزائر، فبدل أداء أدوار بناءة وقيادية باتوا ينحدرون إلى الجريمة والأعمال المسيئة.
وتم توجيه الاتهام لصانعة المحتوى والناشطة في عالم الفن والأزياء وحيدة قروج، في قضية حيازة مادة الكوكايين، وثبت انضمامها إلى شبكة تم الإيقاع بها من قبل المصالح الأمنية، على غرار نوميديا لزول، وفاروق بوجملين (ريفكا)، ومحمد أبركان (ستانلي).. وغيرهم.
تواتر فضائح المؤثرين وصناع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي جعل الشارع الجزائري يحن إلى زمن المعلم
وتمت مراعاة الجانب الإنساني في قضية قروج والإفراج عنها لحين استكمال التحقيقات، كونها أمّا لرضيع يبلغ من العمر سبعة أشهر، وهو ما شكل صدمة جديدة للمتابعين، بسبب استغلال المؤثرين الافتراضيين لنجوميتهم في أعمال تتنافى وأخلاق وضوابط المجتمع.
وظلت المؤثرة قروج تقدم نفسها في الفضاءات العامة والإعلامية على أنها إحدى نجمات المجتمع الجزائري، فهي إلى جانب ملكة جمال شمال أفريقيا، سفيرة للتراث المحلي واللباس التقليدي، إلى جانب مشاركاتها في تظاهرات ومعارض للتراث والتقاليد، ونشاطها على شبكات التواصل الاجتماعي كمؤثرة بحوزتها الملايين من المتابعين.
وتحدثت تقارير محلية عن عثور عناصر الأمن عند مداهمة بيتها الواقع في ضاحية بغرب العاصمة، على سبعة كيلوغرامات من الكوكايين، إلى جانب مبالغ مالية كبيرة يرجح أنها من عائدات البيع، كما توسعت دائرة التحقيق وتوصلت إلى وجود 13 عنصرا ضمن الشبكة من بينهم زوجها الذي ما يزال في حالة فرار.
وجاءت قضية قروج لتطرح مجددا مسألة مفهوم القدوة لدى الأجيال الرقمية، وتفاقم مخاوف الأولياء والعائلات على مصير أبنائهم، مع رقمنة الحياة وتأثير الفاعلين في شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في تلقين الأجيال سلوكات سلبية، بدل مساعدتهم على أداء أدوار إيجابية في المجتمع والتمسك بالقيم الاجتماعية والروحية.
وأبدى الناشطون على مواقع التواصل استياء كبيرا مما يعرضه هؤلاء المؤثرون، وكتب ناشط في تغريدة على تويتر:
واستغرب البعض من رواد مواقع التواصل من الشهرة الضاربة للمؤثرين، وكتبت مغردة:
وحجبت انحرافات المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي الرؤية عن النماذج الإيجابية التي تشتغل في مختلف الشبكات في التضامن والأعمال الخيرية ومساعدة المحتاجين وإطلاق المبادرات البناءة والتبرعات ذات المنفعة العامة، في نظر الكثير من العائلات والأولياء الذين باتوا حائرين وقلقين من تنشئة أبنائهم في هذا الزخم المتدفق من الصور والمعلومات الافتراضية. وجاء في تغريدة:
وكان الشارع الجزائري قد تابع بإسهاب مجريات قضية النصب والاحتيال التي كان أبطالها عدد من المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي مطلع العام الماضي، والتي أفضت إلى محاكمات استقطبت اهتمام الرأي العام، بسبب المفارقة التي انطوت عليها، فالمجرمون تفترض فيهم المكانة المحترمة، والضحايا هم طلبة دفعهم شغفهم بالدراسة إلى بذل ما بين أيديهم وأيدي عائلاتهم للهجرة من أجل الحصول على دبلوم جامعي روج له هؤلاء بشكل واسع.
وتحدثت تقارير محلية عن تعرض نحو 70 طالبا إلى عملية نصب واحتيال من طرف شركة أوهمتهم بتسجيلهم وتسفيرهم إلى أوكرانيا لمتابعة دراستهم الجامعية هناك، مقابل دفع مبلغ مالي يقدر بنحو خمسة آلاف دولار، وهي الحيلة التي انطلت على هؤلاء بسهولة، على اعتبار أن مؤثرين مشهورين ونجوما في الساحة الفنية كانوا يروجون لنشاط الشركة عبر مقاطع إعلانية على شبكات التواصل الاجتماعي. غير أن القضية أخذت أبعادا أخرى بعد انكشاف خيوطها لمصالح الأمن، التي أوقفت عناصر الشبكة، وكان ضمن أعضائها المؤثرون نوميديا لزول، فاروق بوجملين، ايسناس عبدلي، ومحمد أبركان، وهم شخصيات استقطبوا بنشاطهم على شبكات التواصل الاجتماعي أعدادا كبيرة من المتابعين والمعجبين، فتحولوا إلى نجوم في المجتمع يتم تقليدهم في حياتهم وأفكارهم، واستطاع بوجملين (ريفكا) أن يجمع نحو أربعة آلاف معجب حضروا إلى حفل عيد ميلاده الذي نظمه في الهواء الطلق بضاحية في العاصمة عام 2018.
وواجه هؤلاء تهما ثقيلة تتعلق بجناية النصب على الجمهور، وتبييض الأموال، وإنشاء شركة وهمية، والتهرب الضريبي، وثبت من خلال التحقيقات أن هؤلاء كانوا يقدمون عروضا ترويجية لحساب الشركة في حساباتهم الخاصة مقابل تلقي عمولات وتعويضات وصلت إلى الـ30 ألف دولار.
وترك تواتر فضائح المؤثرين وصناع المحتوى انطباعا سيئا لدى الشارع الجزائري، الذي بات يحن إلى زمن المعلم والإمام وشيخ الحي في صناعة القدوة التي تحذو حذوها الأجيال الصاعدة، وفوق ذلك يساهم في تربيتهم، عكس زمن الرقمنة الذي اختطف الأبناء من أسرهم وباتوا أسرى عالم يهدد بتفاقم الجريمة والأخلاق السيئة.
لكن هناك من يرى أن المشكلة لا تكمن في رقمنة الحياة، بقدر ما تكمن في مثل هؤلاء ممن استغلوا عفوية وحتى سذاجة البعض في تشييد عوالم الإجرام ونشر السلوكات السلبية في المجتمع، وأن إفراغ الساحة لصالح هؤلاء بمبررات التعفف والترفع عن العالم الافتراضي سمح لهم بملء الفراغ وتوظيفه لأغراض أخرى.