لينا ديب تعيد تشكيل التراث والحضارات الشرقية

لوحات تلامس الحكايات الراسخة في الوجدان الشعبي.
الاثنين 2024/04/01
مهارة في تشكيل المعمار بألوان كلاسيكية

تنظر الفنانة التشكيلية السورية لينا ديب إلى التاريخ والتراث نظرة تثمن كل التفاصيل والحكايا والأساطير، التي تعيد جمعها وتشكيلها في لوحاتها بألوان متأثرة بالزمان والمكان وبشخوص مفعمة بالمشاعر، تستفز الحكايا الراسخة في الذاكرة الجمعية.

تسعى الفنانة السورية لينا ديب في لوحاتها إلى ملامسة الحضارات الشرقية والحكايا الراسخة في الوجدان الشعبي ضمن طقس تشكيلي مبسط، وبالتالي تعمل على الحوار بين تلك الرموز والموتيفات التراثية والنقوش الموجودة ضمن الزخارف الإسلامية وعلى الرقم الطينية الأثرية والأختام الأسطوانية الأوغاريتية، لتخلق حالة بصرية تعيد للماضي حضوره بأسلوب معاصر، فتعتمد رموزا متفردة ذات قالب خيالي مأخوذ من الذاكرة، بمعنى إنها تسعى إلى منح الواقع قيمة إبداعية تتجاوز المحاكاة، لتشكيل رؤية جمالية معاصرة فيكون للوحة حضورها الواعي، متكاملا شكلا ومضمونا.

الفنانة حائزة على شهادة الماجستير في الفنون الجميلة من جامعة دمشق وحاصلة على الجائزة الأولى في فن “الغرافيك” على مستوى سورية عام 2005 وعلى العديد من جوائز التقدير للمشاركات الفنية التشكيلية وهي محاضرة في كلية العمارة والفنون في جامعة تشرين.

وفي حوار لها مع صحيفة “العرب”، تطرقت لينا ديب لملامح تجربتها الفنية ومميزاتها، وأهم موتيفاتها وخصوصا التاريخ الذي تنهل منه أغلب عناصر ومكونات لوحاتها، حيث تأتي معظم أعمالها الفنية مستقاة من التاريخ السوري الحافل بالقصص والحكايا بأسلوب معاصر وجميل. وهي تقول عن ذلك إن “الفنان ليس مرآة تعكس الواقع بطريقة سلبية بل على الفنان إعادة تأويل وخلق واقع جديد يعتمد على مخزونه البصري الممتزج بثقافته البيئية والتربوية والتاريخية لكثرة ما نمتلكه من مفردات حضارية، ومن هنا أعيد صياغة اللوحة بقالب فني معاصر، وفق متطلبات العمل الفني لتعكس اللوحة موسيقى الروح التي تتولد من تمازج العزف بالأفكار والألوان، وهذا ما أعمل عليه في تقديم في أعمالي الفنية”.

الفنان يحمّل رؤاه الذاتية المفعمة بالأحاسيس والمشاعر الخاصة ويفرغها في تشكيل مكتنز بذاكرة المكان والزمان

أما في تقييمها لموقع الفنان التشكيلي السوري اليوم، عربيًا وإقليميًا، فتقول ديب للعرب “الفنان السوري لديه مهارات عقلية وبصرية متكاملة.. هو يمتلك نوعا من التحدي في تحقيق ما يصبو إليه ليستمر في الإنتاج والعطاء الفنييْن، هذا يعني أن عليه التفرغ كلياً للبحث والابتكار وهنا يتوجب أن تتبناه مؤسسات لتسويق أعماله بشكل عام أو خاص. لكن للأسف، فإن الدعم المادي والمعنوي للفنان التشكيلي مازال محدودا في بلادنا العربية وهذا ما يؤثر سلباً على العطاء الفني بسبب انشغال الفنان بالأمور الحياتية، وبأعمال أخرى. لذلك لابد من التسويق لدعم الفنان”.

وتوضح أنه “حتى ينجح الفنان التشكيلي وتنتشر أعماله يجب أن يتبع مؤسسات ومنظمي المعارض الذين يلعبون دورا مهما جدا في تقدير الأعمال الفنية. كذلك دور الكتاب والنقاد الذين يسهمون بشكل كبير في بناء وتطور العمل الفني والاتجاهات الفنية، ومن يقتنون الأعمال والمهرجانات الذين يروجون لانتشار الأعمال الفنية”.

وفي توضيح لنظرتها إلى المدارس الفنية، تقول الفنانة السورية إن “المدارس الفنية على مر التاريخ الفني هي نشاط فني يقوم به فرد أو مجموعة من الأفراد يشكلون شريحة من المجتمع الذي يعيشون فيه، ويجسدون أفكارهم الفنية المغايرة للمفاهيم السابقة، نتيجة حالة شعورية يتقاسم في خلقها الذهن والقدرات الذاتية فيكون الإنتاج الفني، نتيجة خبرات بحث فني تكنيكي، ممتزج بالثقافة الفنية والمهارة التكنيكية للفنان، تلك الجدلية جعلت كل مجموعة من الفنانين لهم وجهة نظر موحدة، وسمة أسلوبية في الإنتاج الفني إضافة إلى التأثيرات المحيطة بالفنان”.

وتوضح أن “بعض الفنانين تأثروا بالفنون الشرقية وآخرون تأثروا برسومات الكهوف والفنون البدائية والفنون الأفريقية، وغيرهم برسومات الأطفال والفنون الفطرية. كل هذه التأثيرات مع الثقافة الشخصية للفنان والبنية التربوية والبيئية، امتزجت لتؤلف نهجا مختلفا لدى كل مجموعة من الفنانين وأصبحت لهم طرق خاصة في الطرح التشكيلي وبالتالي شكلوا مدرسة فنية لها خصائص تتميز بها وأرى أنه يتوجب على كل فنان في أي مدرسة ينتمي إليها أن يسعى إلى ترك بصمة خاصة في نهجه التشكيلي، وهي سمة الفن المعاصر”.

يقال إن المعاناة تولد الإبداع، وفي إجابة عن مدى استفادتها من المعاناة الاقتصادية والنفسية التي يمر بها المواطن العربي حاليا لتحقيق المزيد من الإبداع، تقول لينا ديب إن “المعاناة هي سلاح ذو حدين؛ فمن جهة أولى قد تكون هي حافز الفنان للإنجاز تحفز طاقته الذاتية وتكون الملاذ للهروب من واقعه المأساوي، فالفنان يجب أن يكون عبقريا بحسب رأي الفيلسوف إيمانويل كانط، فيسعى إلى خلق وابتكار عمل فني يكون بالنسبة له عالما جديدا يساهم في عملية الصحو الذاتي، وفي تحريك القيم الإنسانية وأحاسيس للمتلقي، ومن جهة ثانية قد يصاب الفنان بحالة من الإحباط فيتقاعس عن العطاء والإنجاز وذلك يختلف حسب الوعي، والمقدرة الشخصية”.

فنانة تنهل من التاريخ أغلب عناصر لوحاتها، حيث تأتي معظم أعمالها الفنية مستقاة من التاريخ السوري الحافل بالقصص والحكايا
فنانة تنهل من التاريخ أغلب عناصر لوحاتها، حيث تأتي معظم أعمالها الفنية مستقاة من التاريخ السوري الحافل بالقصص والحكايا 

أما عن كيفية استخدامها لغة النظر في تكوين اللوحة، فتقول الفنانة السورية “عند تأليفي للوحة أبدأ بتشكيل عناصر ومفردات التكوين في توليفة تعطي للمتلقي، إحساسا بالجذب البصري للإحاطة بمكوناته.. عبر منظومة لونية تتحول إلى توجهات لونية متأرجحة خافته حيناً ومشعة حيناً آخر، تنسجم في توافق بالغ، وإيقاع تنظيمي يؤلف تشكيلا بنيويا رصينا.. وجو تركيبي شامل في صيغة تشكيلية تعمل على ربط عناصر متفرقة.. وأسعى إلى بث روح الحركة في مفردات اللوحة بعيدا عن الملل والرتابة”.

وفيما يتعلق باستخدامها للألوان وعلاقة تلك الألوان بالزمان والمكان والمزاج، توضح ديب “الفنان يتأثر بجميع هذه العوامل لأن درجة الرهافة الحسية عالية لديه، فهو يحمّل رؤاه الذاتية المفعمة بالأحاسيس والمشاعر الخاصة ويفرغها في تشكيل مكتنز بذاكرة المكان والزمان فإذا هو يضفي على مسطح اللوحة، إيحاءاته المجازية وطاقاته الإبداعية إضافة إلى مزاج الفنان الذي يساهم بشكل واضح في اسقاطاته الذاتية”.

وفي سياق متصل، توضح الفنانة في حوارها مع “العرب” مشروعها الفني، بالقول “أسعى إلى إبقاء وظيفة الفن كمنظم للحياة واستعادة دوره كمعبر أساسي عن الهوية الثقافية، وأعمل على نشر الثقافة الفنية البصرية مع مجموعة من الزميلات والزملاء الفنانين التشكيليين بهدف المساهمة في التغذية البصرية لدى المتلقي سواءً من خلال تدريسي للفن في الجامعات ومن خلال المعارض المتنوعة، وعن طريق الملتقيات الفنية حيث يرى الجمهور آلية إنجاز اللوحة منذ البداية ويشارك بدوره في إضافة أفكار للفنان أو يساعد في بعض خطوات التنفيذ، فيصبح العمل الفني نتيجة جهد مشترك فكري وتكنيكي بين الفنان والمتلقي، وهذه سمة الفن المعاصر وبالتالي يشعر المتلقي بحميمية تربطه بالعمل نتيجة مساهمته مع الفنان. كما أنني أقوم بنشر مقالات تحليلية ونقدية في الفن التشكيلي بهدف التوعية الجمالية للناس العاديين وتسليط الضوء على جوانب فنية وتجارب الفنانين المختلفة”.

وفي حديث صحفي سابق، قالت لينا ديب إنه في السنوات الماضية كان حضور المرأة الفنانة في المشهد التشكيلي السوري خجولاً قياساً بالدول العربية الأخرى، وبالتالي لم يكن لديها متسع من الوقت للتفرغ للعمل الفني وللبحث والتجريب. أما في السنوات اللاحقة فقد ازدادت التجارب المختلفة للفنانات، وأصبح حضور الفنانة السورية قوياً على الساحة التشكيلية، وهي ترى أن كل ذلك سببه “زيادة الوعي الثقافي والمجتمعي، وتحرر المرأة اقتصاديا فأصبحت مساهِمة في بناء الأسرة والمجتمع وتقف إلى جانب الرجل وتدعمه نفسياً واقتصاديا والتي باتت ضرورة ملِحّة في وقتنا الحالي لتأمين معيشة الأسرة إضافة إلى بروز المرأة على الساحة التشكيلية السورية بعد تعدد وجود الأكاديميات التي تدرس الفن”.

14