لوبي اقتصادي في واشنطن لحماية المصالح المصرية

المصالح الاقتصادية للدول تحتاج إلى تكتلات وجماعات ضغط للدفاع عنها في مختلف الأسواق الكبيرة، خاصة في ظل منافسات شرسة وبلا نهاية، يكون فيها البقاء للأقوى اقتصاديا.
من هذا المنطلق دشنت غرفة التجارة الأميركية بالقاهرة مؤخرا ما يمكن وصفه بـ”لوبي اقتصادي” في واشنطن، للحفاظ على المصالح المصرية في الولايات المتحدة، في ظل التحولات التي تشهدها نتيجة سياسات الرئيس دونالد ترامب.
يستند تصعيد ترامب للمواجهات التجارية، التي بدأت قبل عامين بفرض رسوم جمركية على واردات السوق الأميركية من الصلب والألومنيوم، إلى قناعته بأنها تهدد اقتصاد بلاده.
وقد قرأت غرفة التجارة الأميركية في القاهرة جيدا المتغيرات المتلاحقة، وقامت بافتتاح مقر لها في واشنطن، بهدف تسهيل المهام وتقديم أشكال مختلفة من الدعم لرجال الأعمال المصريين.
لقد تم إنشاء مقر لغرفة التجارة الأميركية بالقاهرة في واشنطن منذ 3 سنوات، ويرأسها هشام فهمي وهو الأب الروحي لغرفة التجارة الأميركية في القاهرة، وظل لفترة طويلة مديرا تنفيذيا لها، ما سهل مهام تشكيل المجلس الاستشاري.
وروعيت في التشكيل التوازنات بين قوى السياسة والاقتصاد، ومنظمات المجتمع المدني ومعاهد الأبحاث. وهي جميعها تمثل مراكز ثقل لدى صناع القرار الأميركي.
يضم المجلس في عضويته كلا من ديفيد وولش سفير واشنطن الأسبق في القاهرة ومهندس السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وقد خدم في دول عدة بالمنطقة أهمها السعودية والأردن وسوريا وإيران والعراق وليبيا، إلى جانب تقلده منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى.
وتمنح عضوية وولش وزنا سياسيا مهما للمجلس الجديد، لأنه درس تضاريس المنطقة العربية، ويمتلك قدرات خاصة في التواصل وفن التفاوض.
يتصدر قائمة المجلس محمود محيي الدين النائب الأول لرئيس البنك الدولي بصفته الشخصية، إلا أن منصبه في البنك يزيد من بريق المجلس ويبعث رسائل تعزز من توجية الأضواء للكيان الجديد، وتمنحة وزنا نسبيا على الساحة الدولية.
ويضم التشكيل جريج ليبدوف رئيس مجلس إدارة المركز الدولي للمشروعات الخاصة، وهو من أهم مراكز الأبحاث الداعمة للاقتصاد عالميا، ويقدم أشكالا متنوعة من الدعم للمشروعات وهو ذراع مهمة في توفير المنح التمويلية خاصة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
53 ترتيب مصر في قائمة شركاء الولايات المتحدة التجاريين بتبادلات تبلغ نحو 7.5 مليارات دولار سنويا
وجاء ضمن القائمة غولد فيلد نائب رئيس مجموعة أولبرايت، وريك جونستون نائب رئيس الشؤون الخارجية في سيتي غروب، وبريان كيتوبفلز كبير مستشاري المركز الأميركي للتقدم، والسفيرة مارسيل وهبة الرئيس المؤسس لمعهد دراسات الخليج العربي، علاوة على إيريك مولبي الشريك بمجموعة إسكو كرافت، وجرام بانرمان مؤسس مؤسسة بانرمان، وريبما ويكسلر رئيس مركز دانيال أبراهام للسلام في الشرق الأوسط.
ورغم الزخم الذي يقدمة المجلس الاستشاري الجديد للعلاقات الاقتصادية بين مصر وأميركا، إلا أن هناك دورا مهما أمام المنتجين المصريين لتلبية رغبات المستهلك الأميركي، وهو تحد يتزامن مع الأوقات العصيبة التي شهدتها عمليات الحظر المتكررة للفاكهة المصرية.
ويأتي تشكيل المجلس الحالي بعد ظهور ملامح تقارب مصري أميركي وتفاهم في وجهات النظر في بعض الملفات الإقليمية بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره الأميركي دونالد ترامب، وأكد ذلك توماس غولدبرغر القائم بأعمال السفير الأميركي في القاهرة، حيث وصف علاقة الرئيسين بـ”القوية”.
يبدو أن القاهرة لا تجيد توظيف فرص التعاون مع الولايات المتحدة بشكل قوي، فاتفاق المناطق الصناعية المؤهلة والذي يفتح آفاقا تصديرية للمنتجات المصرية في السوق الأميركية لم يحدث صفرة في حركة الصادرات المصرية بشكل يعزز من تدفق الموارد الدولارية للقاهرة رغم حاجتها الماسة للعملة الأجنبية.
ويقضي اتفاق المناطق الصناعية المؤهلة والمعروف بـ”كويز” وتم توقيعة عام 2004 بين وزراء التجارة في كل من مصر وأميركا وإسرائيل بتصدير المنتجات التي تصل نسبة المكون الإسرائيلي بها إلى نحو 10.5 بالمئة للسوق الأميركية دون تعريفة جمركية.
ورغم هذا الحافز إلا أن صادرات مصر من خلال هذه الاتفاقية لم تتجاوز حاجز 900 مليون دولار في العام، فضلا عن أن ترتيب الولايات المتحدة لم يشهد تحسنا، وظل على المرتبة الخامسة من حيث الأهمية بالنسبة للصادرات المصرية.
وتؤكد تلك المؤشرات أن الهدف من “اللوبي” الجديد يكمن في سعي القاهرة دائما لإيجاد موطئ قدم على ساحة السياسة الأميركية في المقام الأول.
وتعد مصر قبلة مهمة للاستثمارات الأميركية في أفريقيا، فهي أكبر متلق لاستثمارات واشنطن في القارة بحجم 22 مليار دولار من خلال 1190 شركة، والثانية في الشرق الأوسط، ويعادل هذا الرقم نحو 32 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الأميركية في القارة.
وتحتل مصر المركز الـ53 في قائمة الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، بمبادلات تبلغ نحو 7.5 مليارات دولار، منها صادرات مصرية بنحو 1.5 مليارات دولار، وتعادل هذه المستويات نحو 4 بالمئة من حجم تجارة أميركا مع دول الشرق الأوسط.
وتشير هذه الأرقام إلى أن القاهرة ليس لديها ما تقدمه بشكل قوي للسوق الأميركية، بينما يفتح المجلس الجديد بتوازناته القوية آفاقا أمام المنتجات المصرية حال وصولها إلى مستوى يرقى للمنافسة في سوق استهلاكي قوي تتجه إليه جميع أنظار دول العالم.
وإذا أراد القائمون على المجلس تحقيق طفرات كبيرة للتعاون مع الولايات المتحدة عليهم تصويب بعض المسارات الاقتصادية الخاطئة، لأن إنشاء مجلس متخصص خطوة مهمة، لكن الأهم أن تكون هناك رؤية استثمارية واضحة يمكن تطبيقها على الأرض، وحصد قدر وافر من المكاسب.