لعب ورق

نحن مازلنا نحب الورق رغم أننا شعب لا يقرأ ولنا منه وثائق و"كوتشينة" وعقود تجارية نكتبها بالفرنسية، علما وأننا توقفنا عن كتابة رسائل الحب ورسم قلب يخترقه سهم.
الأربعاء 2023/08/02
لعب الورق متنفس من الزوجات والطلبات

بدأت الشعوب التي حبرت كتب العلوم والطب والفلسفة بالتخلص من الورق، واتجهت إلى المحامل الإلكترونية مع الثورة التكنولوجية التي مسكت بزمامها، بل بدأت تتخلص من  البنكنوت الذي تُضحك رائحته حتى الأموات على رأي والدتي، وصار من الصعب أن تجد قابضا في فضاءاتها التجارية الكبرى، وما عليك إلا أن تسحب البطاقة المغناطيسية التي تختزل ثروتك وتدفع ثمن بضاعتك بنفسك وتغادر، ويا ورطة من لا يحسن التعامل مع الماكينات القابضة.

نحن مازلنا نحب الورق رغم أننا شعب لا يقرأ ولنا منه وثائق و"كوتشينة" وعقود تجارية نكتبها بالفرنسية، علما وأننا توقفنا عن كتابة رسائل الحب ورسم قلب يخترقه سهم.

بخلاف قيد النفوس أو مضمون الولادة الذي يحتوي على تفاصيل كافية منها جنسك وجنسيتك وتاريخ ومكان ولادتك، وإن كنت أعزب أو متزوجا أو مطلقا.. بخلاف الهوية وجواز السفر، لنا وثيقة إقامة ووثيقة جنسية.. كله بثمنه من الطوابع الجبائية.

ومن الممكن إذا أردت أن تستخرج وثيقة الجنسية أن تطلب منك الإدارة المعنية بطاقة إقامة، وإن ذهبت لاستخراج وثيقة الإقامة فلا تستغرب أن يطلبوا منك الجنسية.. أمر يشبه لعبة المتاهات، لكن من الممكن أن تثبت مكان إقامتك بفاتورة الكهرباء التي تخيف التونسيين مثل جابي البايات. ولنا أيضا وثيقة عزوبية بل لنا وثيقة فقر، لا بد أن تثبت فقرك وحاجتك.. أي ليس ممن كان يكون فقيرا.

أمر غريب يحصل أثناء حملة الشرطة في التثبت من الهويات، فعلى الرغم من أن المعرف الوحيد هو رقم الهوية إلا أن أعوان الأمن وأثناء اتصالهم بقاعة الاستعلامات للتثبت من حقيقة هويتك وإن كنت محل تتبع أمني، ينادون باسمك على الرابع واسم أمّك وبصوت عالٍ وكأنك مُسكت بفضيحة.. واحذر أن تنبه سيدي الشرطي إلى أن رقم الهوية هو الفاصل بين تشابه الأسماء، فأنت لا تعرف شغله أكثر منه.

نحن نحب الورق، ومازالت عقود البيع بين الشركات والزبائن تُحرر على نماذج مكتوبة بالفرنسية وفيها تفاصيل كثيرة لا تستطيع قراءتها حتى وإن كنت تتقن اللغة، فتوافق مسرعا على شروط لم تقرأها وتُمضي ثم تمضي. وكما يقال القانون لا يحمي المغفلين، ولكنه قد يحمي المتحيّلين.

أنا كنت واحدا من المغفلين حين اشتريت من شركة أثاث صالون ووقعت على عقد يضمن لي التوصيل إلى المنزل.. يوم التسليم وصلني كرسيان موثقان في عقد الشراء المكتوب بلغة غير لغتي.. الحقيقة أنا لست غبيا بل مازلت أؤمن بأن الخليقة يجب أن تتعامل بالثقة.

نحن نحب الورق بدليل أن العائلات التونسية تستعد للعودة المدرسية، إنها موسم جبل من الدفاتر والكتب يثقُل حملها على الأطفال الذين يمتلكون "تابلات" للعب. ونحب أيضا لعب الورق في المقهى كل مساء لأنه المتنفس من الزوجات والطلبات.

18