لعبة المصيدة

حين يكون المرء بلا شغل، أو يريد تشتيت الاهتمام عما يقوم به في السر، يلجأ إلى تقصي أخبار الآخرين وتضخيمها وتحويلها إلى مادة لحديث المحيطين به. هذا بالضبط ما يفعله الإسلاميون من خلال تقصي التفاصيل الصغيرة وتحويلها إلى قضية يومية عبر حضورهم الكبير في مواقع التواصل الاجتماعي.
الناس اختبرتهم في الحكم وقيادة الدولة فلم تجد لديهم بدائل فتظاهرت لأجل تغييرهم بمن يقدر على تحمل المسؤولية. وعادوا إلى الملعب الذي يفضلون، وهو تتبع أخبار السياسيين والفنانين والإعلاميين وتضخيمها والاشتغال عليها ضمن الحرب النفسية التقليدية لكسب ثقة الناس: الإسلام في خطر.
عرض التلفزيون الرسمي التونسي فيلما سينمائيا قديما اسمه “عصفور السطح” للمخرج فريد بوغدير في ليلة الإسراء والمعراج، فاعتبروا أن الأمر مؤامرة لضرب هوية الشعب، وأنه استفزاز لمشاعر المسلمين في ليلة كريمة.
قد يكون من حدد البرمجة أخطأ، ولم يحسب حساب تزامن الفيلم مع الذكرى الإسلامية، لكن ما الذي يجعل الناس تذهب إلى الأقصى وتحول تفصيلا صغيرا، شأنه شأن بث أذان المغرب قبل وقته، إلى قضية مؤامرة واستهداف للدين.
بالتأكيد ليست الغيرة على الدين سوى جزء صغير من الحكاية، إنها جزء من مصيدة الإسلاميين في تجميع القصص والنفخ فيها والاشتغال عليها كواجهة لاستثمار الحوادث المعزولة في المعارك السياسية.
لو كان هؤلاء يبحثون عن الحقيقة لاكتشفوا أن التلفزيون الرسمي لم يمرر الفيلم ليلتها ضمن مسعى الاستفزاز، وإنما بشكل روتيني، فهو يعيد بث الأفلام والمسلسلات والبرامج القديمة لملء الفراغ. التلفزيون الرسمي حاله من حال الدولة، فلديه أزمة مالية حادة جعلته يتخلى عن نقطة قوته، وهي بث مقابلات كرة القدم والاستفادة من عائداتها.
ويمكن أن نفهم هنا الأسباب ذاتها التي تحرك هؤلاء الخائفين على الدين في مصر والكويت والسعودية والعراق الذين يتعبون في البحث من أجل اكتشاف حادثة ما يمكن أن يلبسوها جبة المظلومية وينفخوا فيها ويتحلّقوا حولها ويبدأون باللطم.
الدين سيظل كما هو لا أحد سيغيره أو يقدر عليه، ولو كان هشا ما وصل إلى هؤلاء. هل أن عرض فيلم سينمائي على التلفزيون يمكن أن يؤثر على تدين المشاهدين ويحرفهم عن الصلاة، هل أن مشهد صبي يتلصص على أخبار النساء وصورهن يمكن أن يمحو بلقطة واحدة جهد هؤلاء الدعاة الذين سيطروا على المساجد وبرامج التلفزيون والإذاعات ومواقع التواصل ليبثوا فتاوى الوعيد والتخويف.
إنها صورة دقيقة ومعبرة عن هشاشة “الصحوة” و”الجماعة” التي تمتلك كل مقومات القوة والنفوذ. لكنّ فيلمًا، مجرّد فيلم، يهزمها بالضربة القاضية.