لطفي بوشناق يُسائل واقع تونس المسلوب بأغنية "يا الخضرا"

الفنان لطفي بوشناق ظل محافظا بأداء الأغنية الطربية التي مكنته من الانتشار الواسع في الوطن العربي إضافة إلى الأغاني الوطنية الحاملة لقضايا الشعوب والأمم.
الجمعة 2020/12/18
لطفي بوشناق يستأنس بموسيقى التراث لتشريح أزمات تونس

الفنان مثله مثل الكاتب والروائي والرسام البارع، له أهمية بالغة وقد تبلغ مراتب عليا إذا نذر جهده للاهتمام بواقع بلده وعايش همومه من الداخل. وهو ما نجح فيه الفنان التونسي والعربي لطفي بوشناق مؤخرا عبر تحفة فنية تحمل عنوان “يا الخضرا” اجتمع فيها سحر الكلمة بالأداء واللحن ليمتزجا بتراث موسيقي فريد ويكون المنتوج ملهما وجاذبا لجمهور واسع محليا وعربيا.    

تونس- تميّزت الأغنية الوطنية التونسية، الطربية أساسا، على مدى عقود عديدة مضت بنمطها الراسخ والقائم على الأداء الهادئ والموزون بما يعكس شدّة اهتمام مؤدّيها بالوضع العام في البلاد الذي كان يسوده الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية حاول العديد من الفنانين التونسيين، أغلبهم من الجيل الجديد، تسليط الضوء على مشاكل البلاد وهموم الناس في إبداعاتهم، فيما توارى الجيل القديم عن الأنظار، إما خوفا من السقوط في الرتابة أو تجنبا للمرور بجانب الحدث، وبالتالي عدم تحقيق الهدف.

لكن وحده الفنان التونسي لطفي بوشناق ظل على عهده في كل مرة إلاّ ويفاجئ جمهوره محليا وعربيا بالجديد، حيث صدرت له مؤخرا أغنية وطنية بعنوان “يا الخضرا” من تلحينه وكلمات الشاعر التونسي آدم فتحي.

وبالرغم من أن الأغنية الجديدة ما زالت في بداية طريقها حيث لم يتعرّف عليها الجمهور الواسع للفنان الممتد عربيا، لكنّ متابعين يتوقّعون أن تحقّق نسب مشاهدة عالية، ويؤكّدون أن الرهان عليها يبدو صائبا نظرا للدلالات السياسية التي تحملها وتشريحها للوضع الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه تونس.

آدم فتحي: المهم في كلمات الأغنية هو الصدق، لذلك ربما شدّت الانتباه
آدم فتحي: المهم في كلمات الأغنية هو الصدق، لذلك ربما شدّت الانتباه

ولا شك أن الحديث عن بوشناق الفنان ذي الإشعاع العربي الواسع، يوقع الباحث في العديد من المطبات وقد يصيبه بالحرج أيضا. حرج في التصنيف والتبويب وحرج في التقييم والتأليف أيضا. فتجربة هذا الفنان ومهاراته في أداء الأغنية الطربية وتلحينها تخطّت مراتب الكثرة والتنوّع، فعانقت حيزا يصعب معه حصرها وفق ضوابط محدّدة.

لكن الفنان التونسي ظل محافظا على ارتباطه بجيل ذهبي من فناني الأغنية الوطنية سواء من حيث اختيار الكلمات أو الألحان التي يُبدع في وضع نوتاتها بنفسه موازنا بين قوة الكلمة وعذوبة اللحن، ليكون المنتج شادا للجمهور.

ولفت بوشناق الأنظار إليه خلال الموسمين الأخيرين بالعودة إلى تأدية النمط الشعبي الذي يصل إلى مسامع الناس ويبلغ دواخلهم، وذلك من خلال أدائه لأغنية تتر مسلسل “النوبة 1” و”النوبة 2” وحضوره في إحدى حلقات العمل الرمضاني الذي شدّ الجمهور التونسي على مدى موسمين.

ويعرف عن الفنان التونسي التزامه بأداء الأغنية الطربية التي مكنته من الانتشار الواسع في الوطن العربي وتركيزه على الأغاني الوطنية الحاملة لقضايا الشعوب والأمم، فغنى للعراق الجريح بعد احتلاله في العام 2003، ونذر اهتماما واسعا للقضية الفلسطينية، فيما الجزء الأوفر هو من نصيب بلده تونس التي لم يبخل عليها بأجمل ألحانه وأجودها.

ويؤكّد متابعون في المجال الفني أنه عندما يلتقي بوشناق والشاعر آدم فتحي في أي عمل فني فإن المنتج يكون في الغالب ذا قيمة ويتجاوز منتهاه من الصوت والأداء إلى مرتبة الإقناع والذوبان حتى.

وممّا جاء في الأغنية الأخيرة التي جمعتهما: “يا الخضرا أنا مجنونك حاير بين عقلك وجنونك/ مدزيلف والريح شهيلي دسيني للاّ في شونك/ وأنا شو مذوقني المرا غير البعض من أماليك/ أنا حر وأنت حرة وهوما يبيعوا فيّ وفيك/ سرقوا الزيت وسرقوا الجرة وسرقوا الورد على خديك/ وسرقوا الخيط إلي في الصرة وضحكوا عليّ وضحكوا عليك/ وأنت إلي موش باين لونك مطول صبرك على اللي يخونك”.

واختزل الشاعر فتحي عبر كلمات هذه الأغنية رحلة عشر سنوات تلت ثورة يناير 2011 عرفت خلالها تونس كل أنواع الظلم والحيف والفساد، وحاد فيها سياسيوها عن طريق الإصلاح الحقيقي الذي يعيد للدولة بوصلتها و”يجعلها حرة بين الدول”.

وقال فتحي في تصريح لـ”العرب” إن “الشيء الوحيد المهمّ في كلمات الأغنية هو الصدق، لذلك ربّما شدت الانتباه”. وأضاف أن “الكثير من الأغاني أحيانا لا تحمل بعدا وطنيا، ولكنها تلقى صدى إيجابيا من جمهور واسع تشدّه الكلمات وتحفر عميقا في وجدانه، فيتجاوب معها إيجابا”.

تجربة لطفي بوشناق في أداء الأغنية الطربية وتلحينها تخطت مراتب الكثرة والتنوّع لتعانق حيزا يصعب معه حصرها

وأشاد بضرورة أن يلعب الشاعر دوره في زمن تكون فيه الدولة في وضعية كالتي تمرّ بها تونس حاليا، لذلك جاءت كلماته موزونة ومرتبة تماشيا مع الظروف الصعبة التي تعاني منها البلاد على جميع الأصعدة والنواحي.

والكلمات تحتاج إلى حنجرة وصوت يخرجانها بهذا النمط الجديد الذي جنح إليه بوشناق هذه المرة عبر مزج فريد للآلات الموسيقية التراثية والقريبة من قلب جمهوره الواسع تونسيا وعربيا، في تحفة فنية لاقت صدى واسعا وباتت تحوز على نسب مشاهدة كبيرة عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وسبق أن التقى بوشناق وفتحي في العديد من الأعمال الفنية الناجحة من بينها: “غالبك”، “خدعني”، “إنت شمسي”، “سينما”، “أم الكل”، اللحظة إليّ شفتك فيها”، “غنّ غنّ يا فنان”، “تونس أنا”، “سراييفو”، “أقول أنا العراق”، “الحلم الفلسطيني”، “ما عليك عزيز يا تونس”.

ودائما ما يردّد بوشناق في أغلب تصريحاته الصحافية أن وحي الألحان والأغنيات لم ينقطع بعد وأنه لا يزال يعمل ويلحّن، قائلا “اليوم الذي لا أعمل فيه أشعر بأنني عالة على المجتمع”.

وعن علاقته بوسائل التواصل الاجتماعي التي باتت المحدد الأساس لصعود هذا النجم أو ذاك أفاد الفنان التونسي بأن هناك من يهتم بصفحاته وقناته على يوتيوب، لكن من جانبه ‘لا علاقة له بهذا العالم، لأنه يرى فيه مضيعة للوقت”.

16