لا مكان لفصائل التحالف وحماس في سوريا الجديدة

المقاومة الفلسطينية خسرت الساحة السورية عندما حظر الأسد الأب نشاط منظمة التحرير الفلسطينية في سوريا ومنعها من استخدام الأراضي السورية للقيام بعمليات فدائية ضد إسرائيل قبل خمسين عاما.
الأربعاء 2025/04/30
سوريا ليست في حاجة إلى من يزرع الفوضى على أراضيها

لا يمكن إنكار أن النظام السوري حديث العهد له دور كبير وفاعل في إضعاف إيران إستراتيجيا، حيث قام الرئيس أحمد الشرع ورفاقه، ليس فقط بإخلاء سوريا من التمدد العسكري الإيراني وميليشياته الطائفية مثل زينبيون وفاطميون ومن لفّ لفهم من العرب والأجانب كالعراقيين والإيرانيين والأفغان، ومن يتلقى التمويل والدعم العسكري من الفصائل الرديفة للجيش السوري المنحل والجيش ذاته، بل يعمل الحكم الجديد في سوريا على تحجيم الفصائل الفلسطينية المعروفة باسم فصائل التحالف، التي تتلقى دعمها المالي من طهران علانية، ما قد يشكل خطرا بيّنا على صورة سوريا المعتدلة التي تعمل القيادة الجديدة على تصديرها للعالم بأسره.

تتسم الفصائل الممولة إيرانيا في دمشق بأنها تجمع كل التناقضات في آن واحد، من فصائل اليسار الفلسطيني كالقيادة العامة والجبهة الشعبية وفتح الانشقاق وجبهة النضال الشعبي وفلسطين حرّة وبقية فتات اليسار، إلى الطرف النقيض الآخر من اليمين الفلسطيني المتمثل في حماس والجهاد الإسلامي. وليس فقط معاداتهم لمنظمة التحرير الفلسطينية ما يجمعهم، بل أيضا موقفهم المسبق ضد القيادة السورية الجديدة، وخير من عبّر عن هذا الموقف أسامة حمدان في تصريحه الشهير في منتدى الجزيرة، حين قال إن المقاومة خسرت الساحة السورية.

◄ لم يتبقَ أمام جميع الفصائل الفلسطينية، سواء اليمينية أو اليسارية، في دمشق، سوى العودة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، والالتزام بتعهداتها، والتوقف عن المناكفة الجوفاء

وللتوضيح، خسرت المقاومة الفلسطينية الساحة السورية منذ عدة عقود، عندما حظر الأسد الأب نشاط منظمة التحرير الفلسطينية في سوريا ومنعها من استخدام الأراضي السورية للقيام بعمليات فدائية ضد إسرائيل قبل خمسين عاما. ومنذ ذلك الوقت، لم يقم أي فصيل فلسطيني بإلقاء حجر واحد نحو الأراضي المحتلة من سوريا، حتى حماس والجهاد الإسلامي، في ذروة علاقاتهما الوطيدة مع النظام السوري البائد، وتحديدا في العقد الأول من القرن الحالي، لم يسجل التاريخ نهائيا قيامهما بأيّ عملية عسكرية انطلاقا من سوريا.

لم يكن الرئيس الشرع في حاجة إلى طلب الأميركيين منه حظر الفصائل الفلسطينية العسكرية المرتبطة بإيران في سوريا، فوجود مثل هذه الفصائل لا يزعج الغرب وإسرائيل فقط، بل يدفع الأخيرة إلى القيام بعمليات عسكرية متمثلة في القصف الجوي لمقارها أو للشقق التي يقطنها قياديوها، كما حدث مرارا في العاصمة السورية دمشق بعد سقوط النظام السوري.

ومن المؤكد أن سوريا والدول العربية “الشقيقة” لا ترحّب بنشاط هذه الفصائل على الأراضي السورية بعدما افتضح ارتباط حماس بخلايا في الأردن، وإصدارها بيانا مستفزا للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين الأمنيين.

تعمل سوريا جاهدة على إرسال رسائل طمأنة إلى محيطها، من الأردن ومصر ولبنان ودول الخليج العربي، وحتى إلى إسرائيل، لسد ذرائعها بعدم استهداف الأراضي السورية وانتهاكها.

فحاجة القيادة السورية إلى وقف نشاط هذه الفصائل ليست نزولا عند المطلب الأميركي، بل هي ضرورة ملحّة في هذه المرحلة الانتقالية المهمة في تاريخ سوريا.

ومن هنا، تجد القيادة السورية أنها تتلاقى مع الشرعية الفلسطينية، والتي التقى ممثلها الرئيس الفلسطيني محمد عباس (أبومازن) مع الرئيس السوري أحمد الشرع في دمشق قبل أسبوع، إيذانا ببدء مرحلة جديدة تتجاوز الفصائل الفلسطينية التي كان يستخدمها النظام السوري لضرب الشعبين السوري والفلسطيني في آن واحد.

◄ المقاومة الفلسطينية خسرت الساحة السورية منذ عدة عقود، عندما حظر الأسد الأب نشاط منظمة التحرير الفلسطينية في سوريا ومنعها من استخدام الأراضي السورية للقيام بعمليات فدائية

فالعلاقة المميزة التي تجمع تركيا وقطر مع حركة حماس لن تشفع لها لدى القيادة السورية الحديثة، ولذلك لم ولن يكون هناك أي لقاء رسمي بين الرئيس الشرع وأيّ من قيادات حماس في دمشق.

لا تحتمل سوريا حاليا أي عبثية من الفصائل الفلسطينية، سواء اليمينية أو اليسارية، فهي في مرحلة نهوض وتعافٍ، وليست في حاجة إلى من يزيد المشاكل والفوضى على أراضيها ويجعلها عرضة للتهديدات الإسرائيلية.

كما لا يمكن تجاهل أن حماس شاركت عسكريا ضد النظام السوري السابق، ودعّمت فصائل عسكرية ضده، رغم اعتذار القيادي خليل الحية المعروف، لكن مشكلتها العسيرة تتجلى في قربها الواضح من طهران، فما يفرّق القيادة السورية الجديدة عن حماس أكثر ممّا يجمعهما معا.

في المقابل، نجد أن هناك الكثير مما يجمع القيادة السورية الحالية مع السلطة الوطنية الفلسطينية، من ناحية الشرعية الدولية المعترف بها، والعداء الواضح بين السلطة وإيران، والتصاق كل منهما بالعمق العربي.

لم يتبقَ أمام جميع الفصائل الفلسطينية، سواء اليمينية أو اليسارية، في دمشق، سوى العودة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، والالتزام بتعهداتها، والتوقف عن المناكفة الجوفاء، والشعور بالمسؤولية تجاه القضية الفلسطينية وما يحدق بها من أخطار عظيمة، مثل ضم الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

9