لا مصلحة للسعودية في زعزعة استقرار المملكة الأردنية

الرياض – فيما كانت قضيّة ولي العهد الأردني السابق الأمير حمزة بن الحسين تتفاعل بسرعة خلال الأيام السابقة متّخذة منعطفات غير متوقّعة، سارعت جهات سياسية وإعلامية إلى الزجّ باسم المملكة العربية السعودية في القضية مستندة إلى تفصيل فيها يتمثّل في كون رئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق باسم عوض الله أحد المتهمّين الرئيسيين فيها، سبق له العمل في المملكة وربما يكون قد ربط علاقات مع شخصيات مهمّة هناك.
وبقدر ما بدا هذا المعطى ضعيفا ولا يمكن اعتماده دليلا على وجود دور للسعودية في قضيّة الأمير حمزة، فإنّ ضلوع المملكة في عملية تهدّد استقرار الأردن وتماسك قيادته بدا لمتابعين لتطورات القضيّة أمرا مجافيا للمنطق ومتناضقا جذريا مع مصالح السعودية.
ويذكّر هؤلاء بأنّ الأردن كان يُنظر إليه دائما كعضو قارّ في محور الاعتدال العربي الذي تقوده السعودية في مواجهة محور مضاد يطلق عليه أعضاؤه تسمية محور الممانعة وتنخرط فيه إيران الغريمة الكبرى للسعودية في المنطقة بقوّة.
وبالنظر إلى التغلغل الكبير لإيران في كل من العراق وسوريا ولبنان، فقد تحوّل الأردن إلى جدار صدّ بالمعنى الجغرافي والسياسي ضدّ استكمال تشكّل الهلال الشيعي الذي كان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أول من حذّر منه بل إنّه أول من استخدم هذه التسمية المعبّرة عن جهود إيران لتطويق المنطقة بخلق منظومة من الأحزاب والميليشيات الشيعية المرتبطة بها.
ونفت السعودية بشدة أي علاقة لها بالخلافات غير المسبوقة التي تفجّرت أخيرا داخل العائلة المالكة في الأردن وذلك بعد أن روجت وسائل إعلام ذات صلة بجماعة الإخوان المسلمين لوجود حالة من “القلق” لدى الرياض من اعتقال السلطات الأردنية لعوض الله قائلة إنّ السلطات السعودية بذلت مساعي لإطلاق سراحه دون ذكر مصادر موثوقة أو دلائل عملية على تلك المساعي المزعومة.
واتهمت الحكومة الأردنية في الرابع من أفريل الجاري ولي العهد السابق الأمير حمزة وأشخاصا آخرين بالضلوع في “مخططات آثمة” هدفها “زعزعة أمن الأردن واستقراره”، وقامت السلطات تبعا لذلك باعتقال نحو 20 شخصا بينهم رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله.
ورود اسم باسم عوض الله ضمن القضية صرف الانتباه عن التنافس داخل العائلة المالكة وأوحى بتورط أجنبي
وسبق لعوض الله أن شغل أيضا منصب وزير تخطيط في الأردن وقد لعب دورا رئيسا في إدارة الوضع الاقتصادي في المملكة.
وعبّرت الرياض علنا عن دعمها للعاهل الأردني بعد التطورات الأخيرة. ويرفض مسؤولون سعوديون التكهنات التي أثيرت في بعض وسائل الإعلام حول وقوف المملكة وراء الخلاف العلني بين الملك عبدالله الثاني وأخيه غير الشقيق الأمير حمزة، مؤكدين أن مثل هذه الخلافات الداخلية قد تكون لها آثار خطيرة على الأنظمة الملكية الأخرى في المنطقة.
وأثارت بعض الجهات سيناريو دخول السعودية كمنافس للأردن على الوصاية على الأماكن المقدسة في مدينة القدس وعلى رأسها المسجد الأقصى.
لكنّ هذا السيناريو بدا مستغربا، أولا لأنّ السعودية تشرف على المقدّسات الإسلامية الأكثر أهمية لدى المسلمين في مكّة والمدينة حيث الكعبة والمسجد النبوي. وثانيا لأنّ الوصاية على المقدّسات في الأراضي الفلسطينية مسألة اعتبارية إلى أبعد حدّ وهي مثار تجاذبات وتضييقات من قبل إسرائيل التي عرقلت مؤخّرا زيارة كان ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبدالله يريد القيام بها إلى المسجد الأقصى في ذكرى الإسراء والمعراج حيث اشترطت السلطات الإسرائيلية أن تتحكّم بأجندة الزيارة وهو ما رفضه الجانب الأردني.
وفي توجه معاكس تماما لمحاولة الزجّ بأطراف خارجية في قضية الأمير حمزة، تعاملت السلطات الأردنية مع القضية كشأن داخلي، بينما سارعت الأسرة الحاكمة لتطويق الخلاف مع ولي العهد السابق وحلّه في نطاق أسري ضيّق.

والأحد الماضي شوهد الملك عبدالله الثاني والأمير حمزة معا في احتفالات الذكرى المئوية لتأسيس المملكة، وذلك في أول ظهور علني لهما منذ الأزمة. ويؤكد مصدر مقرب من قيادة السعودية لوكالة فرانس برس أن الرياض “ليست لديها أي مصلحة في زعزعة استقرار الأردن” حليفها الإقليمي منذ فترة طويلة.
وتوجه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان على رأس وفد سعودي إلى عمّان الأسبوع الماضي للتأكيد على وقوف بلاده إلى جانب الأردن في “مواجهة جميع التحديات”.
وبحسب المصدر فإن الزيارة جاءت مع شعور المسؤولين السعوديين بأنّ الجانب الأردني “كان يستمع لشائعات من أطراف أخرى وكان يتوجّب دحضها”.
وظهر باسم عوض الله في الماضي بجانب ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان في منتدى مستقبل الاستثمار في السعودية. وتم تصويره وهو يقوم بأداء الصلاة إلى جانبه. ويعد عوض الله شخصية مثيرة للجدل في الأردن، وشغل في السابق منصب مبعوث أردني خاص إلى السعودية.
ويؤكد مسؤول غربي في الخليج أنّ “عوض الله لديه علاقة شخصية مع ولي العهد السعودي”، لكنّ الأستاذة في جامعة واترلو الكندية بسمة الموني تسوق سببا آخر لأهمية شخصية عوض الله لدى الرياض وتقول إنّ لديه “معرفة عملية بالعديد من الخطط الاقتصادية السعودية والسياسات والإستراتيجيات التي يرغبون في ضمان عدم مشاركتها خارج المملكة”.
ولم يوضح المسؤولون الأردنيون الاتهامات الموجهة إلى عوض الله وإن كان سيحال إلى المحاكمة. فيما تشير الوقائع الى أن الأزمة في الأردن مرتبطة خصوصا بأن العاهل الأردني أزاح قبل سنوات الأمير حمزة من ولاية العهد ليعين ابنه الأمير الحسين مكانه.
وبحسب المسؤول الغربي في الخليج فإن “اعتقال عوض الله يصرف الانتباه عن التنافس داخل العائلة المالكة الأردنية ويلمح إلى تورط أجنبي محتمل”.
وكتب الكاتب والمحلل السعودي علي الشهابي على تويتر قائلا “يبقى أن نرى إن كان الملك عبدالله الثاني لديه الإرادة أو القوة والسلطة لإسكات شقيقه، ولكن الفشل في القيام بذلك سيضعف النظام الملكي وربما يقوضه”.