لا شكر ولا اعتراف
في الأسبوع الماضي كنت أبحث، كعادتي في شبكة الأنترنت، عن الكتب الصادرة حديثا ببريطانيا وأميركا لكي أشتري المؤلفات التي أحتاج إليها وفجأة رأيت إعلانا عن كتاب جديد صدر عن دار روتليج للطباعة والنشر للبروفيسورة البريطانية كارولين روني التي تدرّس في قسم اللغة الأنكليزية بجامعة “كنت” بكانتبري القريبة من جامعة كمبريدج، ويحمل هذا الكتاب العنوان التالي “نزع الاستعمار عن الجنوسة: الأدب وشعريات الواقعي”. ضغطت على الزر على نسخة من هذا الكتاب وقد وضعت للقراءة المجانية دون السماح بطبعها طبعا، وإذا بها تنفتح لي ورحت أقرأ الصفحات الأولى بنهم فإذا بي أقرأ في الصفحة المخصصة للشكر والاعتراف مقطعا لهذه الناقدة البارزة وخريجة جامعة أكسفورد بدرجة الدكتوراة والتي أشرفت على تعليمي، وسهرت على توجيهي وتكويني، وبذلت جهودا كثيرة بذكاء واحترام نادرين لدفعي إلى تطوير هذه الفكرة.
يقول هذا المقطع: “لقد استفدت من العلاقات المحفزة بالإضافة إلى الدعم المعنوي من طرف عدد من الأصدقاء والزملاء وإليهم أقدم تشكراتي الحارة، وخاصة ماجي أداله، وأزراج عمر، وفانيسه بروسه…” إلى جانب أسماء أخرى تجنبت هنا ذكرها تفاديا للإطالة مع الاعتذار لأصحابها.
في تلك اللحظات شعرت بالسعادة ليس لأن الدكتورة روني التي لها فضل تعليمي ذكرتني في كتابها بل لأن هذا التقليد الثقافي والأكاديمي المعمول به في أوروبا وفي كثير من البلدان المتحضرة هو علامة نضج حضاري، واعتراف عن طيب خاطر بأن الكتاب يوقعه مؤلفه وأنه هو صاحب فكرته الأساسية بطبيعة الحال، ولكن الكثير من الناس الآخرين قد ساهم في ظهوره إلى الوجود سواء بالدعم المعنوي والنفسي، أو باقتراح فكرة من الأفكار، أو بتصويب هفوة.
إن هذا التقليد الجميل يكشف عن نبل وتواضع العلماء والمفكرين المتميزين دون أدنى ريب. وفي المقابل فإن هذه الظاهرة الحضارية لا مكان لها في حياتنا الثقافية والأكاديمية إلا في حالات شاذة، وفي الغالب فإن المؤلف عندنا يعتقد أنه عندما يذكر فضل قارئ مسودة مؤلفه سواء كان بحثا أكاديميا، أو رواية، أو ديوان شعر فإن سمعته تتعرض للهوان والنقص، وأنَ أناه النرجسية المتضخمة يعمّها رماد النميمة.
في هذا السياق أذكر أن الناقد السوري الكبير خلدون الشمعة قد قال لي يوما بأن المثل العربي القائل “اتق شرّ من أحسنت إليه لا يوجد في الثقافات الأخرى”، كما أذكر أن صديقا لي وهو من أبرز كتاب القصة القصيرة في سوريا قد قال لي أيضا: “إن الفرق بيننا وبين الغربيين يتمثل في أنهم يبدؤون كأفراد مستقلين لهم فرادة وينتهون جماعات متماسكة، أما نحن فنبدأ كعصبيات أو كعصابات وننتهي كأفراد متناثرين ومتقاتلين ومتناحرين وجاحدين”. يا له من فرق!
كاتب من الجزائر