لا حل ولا اتفاق للتهدئة في درعا

فيما يتهم النظام السوري اللجان المركزية للتفاوض في درعا بعرقلة مفاوضات التهدئة بعد رفض جميع شروطه، تقول الأخيرة إن تلك الشروط تعجيزية الهدف منها فرض كامل سيطرته الأمنية والعسكرية على المنطقة. وبين الموقفين المتناقضين لا تزال المحافظة تئن تحت وطأة القصف والاشتباكات ولا جديد سوى تواصل المفاوضات.
درعا ( سوريا) - رفض النظام السوري عرضا للمعارضة السياسية في محافظة درعا يضمن تسليم كميات من الأسلحة مقابل ضم مجموعات من المقاتلين إلى اللواء الثامن الذي يتبع الفيلق الخامس، لتتواصل بذلك عقدة مفاوضات تسليم السلاح التي تقودها روسيا لحل الأزمة.
وأفادت مصادر سورية مطلعة على المفاوضات التي تتوسط فيها موسكو برفض ممثل قوات النظام مقترحا من لجان التفاوض، يتضمن تأطير السلاح خلال الاجتماع الأخير في مركز غرفة العمليات بمدينة درعا.
وأشارت ذات المصادر إلى أن المعارضة حاولت من خلال مقترحها أن يحتفظ مقاتلوها بسلاحهم من خلال تشكيل لجان تحسب على الفيلق الخامس أو قوات النظام، وهو ما اعتبره ممثل النظام في اللجنة المركزية للتفاوض محاولة للالتفاف على بند تسليم السلاح الذي جاء ضمن خارطة الحل الروسية.
وتتميز محافظة درعا بوضع خاص عن باقي المناطق السورية التي دخلت في اتفاقيات التسوية، من حيث طبيعة القوى العسكرية المسيطرة على قراها وبلداتها، وأيضا طبيعة المقاتلين.
الوساطات الروسية بين المعارضة وقوات النظام في درعا لم تفلح في ضبط الأوضاع الأمنية المضطربة منذ سنتين
وينقسم المقاتلون بين تشكيلات أنشئت حديثا مثل اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس، وأخرى قديمة في المنظومة العسكرية لنظام الأسد كـالفرقة الرابعة والأمن العسكري والمخابرات الجوية.
ولاقت خارطة الحل الروسية التي تم عرضها مؤخرا رفضا شعبيا واسعا في محافظة درعا، وسط دعوات وجهها الأهالي والناشطون للجان التفاوض برفض الموافقة على الشروط التي قالوا إنها استسلام لقوات النظام.
ونصت خارطة الحل الروسية في المرحلة الأولى على وقف إطلاق النار 15 يوما حتى نهاية شهر أغسطس الجاري، على أن تقوم دوريات روسية بمراقبة وقف إطلاق النار بين مقاتلي درعا وقوات النظام السوري من الفرقة الرابعة التي تحاصر مدينة درعا البلد.
وستقوم اللجنة خلال المرحلة الأولى بتسوية أوضاع المقاتلين المطلوبين للنظام السوري داخل درعا البلد، على أن يتم تهجير رافضي هذه التسوية إلى الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة السورية.
وخلال المرحلة الأولى ستشكّل لجنة رباعية تضم 4 شخصيات من الروس وأهالي درعا البلد ومخابرات النظام السوري ومن محافظة درعا، وستكون مهمتها مراقبة تطبيق خطة الحل الروسية التي تنتهي مرحلتها الأولى بدخول عناصر من شرطة النظام السوري لتعزيز قوات مخفر العباسية في درعا البلد.
وتبدأ المرحلة الثانية من خارطة الحل الروسية مطلع سبتمبر المقبل، بتفعيل الخدمات بأحياء درعا البلد، وإقامة نقاط للشرطة الروسية وأخرى لقوات النظام، لمراقبة الأوضاع الأمنية في تلك الأحياء.
واعتبر أهالي درعا أن خارطة الحل الروسي تصب لصالح النظام، وأن النظام سيدخل إلى أحياء درعا البلد بكل مؤسساته، فيما لا تتضمن أي بند يشير إلى انسحاب قوات النظام من محيط أحياء درعا البلد.
وبيّن “تجمع أحرار حوران” في بيان له أنّ خارطة الحل الروسي تعطي قوات النظام الحق في الاعتقال والتهجير والتنكيل بأهالي المحافظة، وهي نسخة مشوّهة من اتفاق التسوية في 2018 الذي رعته روسيا.
وأضاف أنّ اتفاق 2018 نص على إطلاق سراح المعتقلين ووقف العمليات العسكرية، لكن النتيجة كانت اعتقال 2400، واغتيال 750 شخصا يرفضون التواجد الإيراني في المنطقة.
كما شدد بيان “تجمع أحرار حوران” على عدم السماح بتمرير أي اتفاقات تسليم واستسلام يكون الخاسر فيها أبناء حوران.
ووضع اتفاق تسوية رعته موسكو في 2018 حدا للعمليات العسكرية بين قوات النظام والفصائل المعارضة. ونصّ على أن تسلم الفصائل سلاحها الثقيل، لكن عددا كبيرا من عناصرها بقوا في مناطقهم، فيما لم تنتشر قوات النظام في كافة أنحاء المحافظة.
وهدد مقاتلون محليون في مدينة درعا البلد من يفكر بتسليم سلاحه للنظام السوري بأنه “سيعتبر هدفا مشروعا لمقاتلي المدينة”.
وقال أحد وجهاء درعا ويدعى أبوعلي محاميد إن “خارطة الطريق لا يمكن أن تحظى بقبول أهالي درعا البلد بشكلها الحالي، كما لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع بسبب وجود معوقات كثيرة”.
وأشار إلى طلب الروس تسليم الأسلحة بالتزامن مع وجود الميليشيات التابعة لإيران وقوات النظام في محيط المدينة من كل جانب، معتبرا أن غياب ضمانة عدم محاولة هذه الميليشيات اقتحام المدينة يشكّل عائقا إضافيا أمام تطبيق بنود الاتفاقية.
محافظة درعا تتميز بوضع خاص عن باقي المناطق السورية التي دخلت في اتفاقيات التسوية من حيث طبيعة القوى العسكرية المسيطرة على قراها وبلداتها وأيضا طبيعة المقاتلين
واعتبر محاميد، وهو مطلع على التفاوض بين الجانبين، أن “الروس لا يمكن أن يكونوا ضامنين للاتفاقية لأنهم حلفاء النظام، إذ نكث الروس بوعودهم سابقا خلال اتفاق التسوية عام 2018، فكيف يمكن أن يثق السكان المحليون بهم”.
وأضاف أن عملية تسليم السلاح من الممكن أن تجري بضمانات دولية، مشيرا إلى أن سكان المدينة مستعدون للقبول بمثل هذه الاتفاقية في حال إيجاد قوة لحماية السكان. ولم تفلح الاتفاقات السابقة، سواء اتفاقية التسوية التي رعتها روسيا في 2018 أو ما تلاها من تفاهمات أخيرة بين الفصائل المسلّحة والحكومة السورية، في ضبط الأوضاع الأمنية المضطربة منذ سنتين تقريبا.
ويرى متابعون أن النظام يريد بسط هيمنة مطلقة على جنوب سوريا، والتخلص من كل المعارضين له في محافظة درعا من خلال تجريد الأهالي من السلاح الفردي ودفع المعارضين للتسوية إلى الشمال السوري.
ويشير هؤلاء إلى أن النظام لن يقبل بأي خارطة طريق لا تسمح له ببسط سيطرته على كامل المحافظة التي تعتبر مهد الثورة السورية، وأن انخراطه بضغوط روسية في عمليات تفاوض للتهدئة يهدف بالأساس إلى ربح الوقت والمماطلة لا أكثر.
وتفرض قوات النظام السوري حصارا منذ شهرين على أحياء مدينة درعا البلد، مما دفع ما لا يقل عن 18 ألف مدني إلى الفرار إلى المناطق الآمنة نسبيا، بينما تعيش أكثر من 7 آلاف عائلة في ظروف صعبة، بسبب انقطاع المواد التموينية التي تحتاجها بشكل يومي، من خبز وماء وكهرباء وخدمات طبية.
ويربط محللون ونشطاء استمرار التصعيد في درعا بدور تلعبه إيران، في خطوة لتعزيز نفوذها بشكل أكبر في الجنوب السوري.
وتحذر المعارضة من اتساع رقعة النفوذ الإيراني في جنوب سوريا في حال إصرار الجانب الروسي على دخول قوات النظام السوري إلى أحياء درعا البلد، فيما تنتشر عدة ميليشيات إيرانية في محيط المدينة.
وتتخذ الميليشيات الإيرانية من الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق الرئيس السوري ماهر الأسد غطاء لانتشارها في جنوب سوريا.