لا تفاؤل بنتائج مفاوضات الفرصة الأخيرة لإحياء الاتفاق النووي

تعود القوى العالمية وإيران إلى فيينا الاثنين في محاولة أخيرة لإنقاذ الاتفاق النووي، غير أنه ما من أحد تقريبا يتوقع تحقيق انفراجة في الوقت الذي تستمر فيه أنشطة إيران الذرية في ما يبدو أنها محاولة لكسب أوراق في مواجهة الغرب.
واشنطن - تستأنف الولايات المتحدة المفاوضات غير المباشرة مع إيران في فيينا الاثنين، لكنها تبدو أقل تفاؤلا بكثير مما كانت في الربيع حيال احتمال إنقاذ الاتفاق بشأن برنامج طهران النووي، فيما تبدو خياراتها لمنع إيران من تطوير قنبلة نووية محدودة في حال فشلت المحادثات.
ويقول دبلوماسيون إن الوقت بدأ ينفد أمام مساعي إحياء الاتفاق الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 2018، الأمر الذي أغضب إيران وأفزع القوى العالمية الأخرى المعنية وهي بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا.
وقد انعقدت ست جولات من المباحثات غير المباشرة بين أبريل ويونيو. وتبدأ الجولة الجديدة بعد انقطاع كان السبب فيه انتخاب الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي وهو من رجال الدين المتشددين.
ولا أحد تقريبا يتوقع تحقيق انفراجة في الوقت الذي تستمر فيه أنشطة إيران الذرية، فيما يبدو أنها محاولة لكسب أوراق في مواجهة الغرب.
وحدد فريق التفاوض الإيراني الجديد مطالب يرى دبلوماسيون أميركيون وأوروبيون أنها غير واقعية. ويصر الإيرانيون على إسقاط جميع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ 2017، بما فيها العقوبات التي لا ترتبط ببرنامجها النووي.

روب مالي: إذا كان هدف إيران شراء الوقت لن نقف مكتوفي الأيدي
وبالتوازي تزايدت الخلافات بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تراقب البرنامج النووي. فقد واصلت إيران برنامج التخصيب، بينما تقول الوكالة إن مفتشيها عوملوا معاملة خشنة ومُنعوا من إعادة تركيب كاميرات المراقبة في موقع تعتبره الوكالة ضروريا لإحياء الاتفاق مع القوى العالمية.
وقال دبلوماسي غربي مشارك في المحادثات “يبذلون ما يكفي من الناحية التقنية حتى يمكنهم تغيير علاقتهم الأساسية مع الغرب، لكي يصبحوا قادرين على إجراء حوار قائم بدرجة أكبر على المساواة في المستقبل”.
وقال دبلوماسيان أوروبيان إن طهران تحاول ببساطة كسب الوقت لزيادة ما لديها من مواد وخبرات نووية.
ويقول الدبلوماسيون الغربيون إنهم سيُقبلون على محادثات الاثنين مفترضين أنهم يستأنفون المحادثات من حيث توقفت في يونيو. وقد حذروا من أنه إذا استمرت إيران في مغالاتها وأخفقت في إعادة التعاون مع وكالة الطاقة الدولية فسيتعين عليهم إجراء مراجعة سريعة لخياراتهم.
وكرر كبير المفاوضين الإيرانيين ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان الجمعة، أن رفع العقوبات الكاملة هو الأمر الوحيد المطروح على المائدة في فيينا.
وقال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين “إذا كان هذا هو الموقف الذي تستمر إيران في التشبث به الاثنين، فلا أرى حلا عن طريق التفاوض”.
ويؤكد عدد من الدبلوماسيين أن إيران لا يفصلها الآن سوى ما بين أربعة وسبعة أسابيع عن الوقت الذي تحتاجه لتخزين مواد انشطارية كافية لصنع قنبلة نووية واحدة، رغم أنهم أكدوا أنه لا يزال أمامها عامان قبل أن تتمكن من تحويلها إلى سلاح قابل للاستخدام.
وإذا انهارت المحادثات، فالأرجح أن تحدث مواجهة في البداية بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب وإيران من جانب آخر في الوكالة الدولية للطاقة الذرية الشهر المقبل، وذلك بالدعوة إلى عقد اجتماع طارئ.
غير أنهم سيرغبون أيضا، وهم يسعون في البداية لبحث خيارات دبلوماسية بديلة، في محاولة للحفاظ على دعم روسيا التي تملك نفوذا سياسيا لدى إيران، وكذلك الصين التي توفر لطهران دعما اقتصاديا من خلال مشتريات النفط.
ويقول الدبلوماسيون إن أحد التصورات التي طرحتها واشنطن هو التفاوض على اتفاق مؤقت مفتوح مع طهران إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق دائم. ومع ذلك يقول الدبلوماسيون إن ذلك سيستغرق وقتا وليس من المؤكد أن إيران ترغب في ذلك.
وقال هنري روم المحلل لدى أوراسيا “إيران قد تقدّر أن تقدمها النووي غير المقيد وإنتاج أجهزة الطرد المركزي دون رقابة سيزيد الضغط على الغرب لتقديم تنازلات في المحادثات بسرعة”.
وأضاف “غير أن ذلك قد يكون له على الأرجح أثرا عكسيا يوحي بأن الفريق الإيراني الجديد ليس مهتما بتسوية المسألة النووية ويعجل بسياسة أكثر تشددا العام المقبل”.
وإذا ارتأت الولايات المتحدة فور استئناف المحادثات بأن هدف إيران الوحيد هو شراء الوقت لتحقيق تقدّم نووي، قال المبعوث الأميركي المكلّف بالملف النووي الإيراني روب مالي لن نقف “مكتوفي الأيدي”.
وأضاف مالي “سيتعيّن علينا النظر في خطوات أخرى -دبلوماسية أو غير ذلك- لمحاولة التعامل مع طموحات إيران النووية”. وتشمل الخيارات الدبلوماسية المطروحة إبرام اتفاق مؤقت.
وأفادت كيلسي دافنبورت مديرة سياسة عدم انتشار الأسلحة في جمعية الحدّ من الأسلحة “أرمز كونترول أسوسييشن”، “يمكن لإدارة بايدن أن تفكر في اتفاق قصير الأمد ومحدود يجمّد بعض الأنشطة الأكثر حساسية في ما يتعلّق بالانتشار مقابل تخفيف بعض العقوبات بشكل محدود”.
والهدف هو شراء بعض الوقت، فيما تقترب طهران بشكل كبير من حيازة قنبلة نووية مقارنة بما كان عليه الوضع سابقا.
لكن من شأن محاولة كهذه أن تثير حفيظة الكثيرين داخل الولايات المتحدة، سواء الجمهوريين أو حتى في صفوف بعض أعضاء حزب بايدن الديمقراطي، الذين سيرون فيها تنازلا سخيا جدا لإيران.
وتعتبر الباحثة لدى مركز كارنيغي للسلام الدولي سوزان ديماجيو أن “الخيارات الأخرى غير إعادة إحياء الاتفاق ليست رائعة”. وأضافت “لو كانت هناك خطة أفضل، لكنّنا سمعنا بها”.
وقد تشمل الاحتمالات المطروحة زيادة العقوبات الاقتصادية، رغم مواصلة الإدارة الديمقراطية الحديث عن فشل نهج ترامب القائم على ممارسة “أقصى درجات الضغط”.
ويمكن أن تستهدف الإجراءات العقابية الصين، التي تواصل شراء النفط الإيراني رغم الحظر الأميركي. لكن يستبعد بأن تبدّل بكين موقفها.
وتشدد شخصيات سياسية أميركية مناهضة لاتفاق 2015 معظمها محافظة، أن على واشنطن زيادة الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية وحتى العسكرية دون انتظار نتيجة مفاوضات فيينا.
وفيما تنهال اتهامات على بايدن بالضعف، بدأت إدارته تشديد نهجها في أكتوبر، محذرة من أن “خيارات أخرى” غير تلك الدبلوماسية مطروحة على الطاولة لمنع إيران من التحول إلى قوة نووية. ولم يحدد البيت الأبيض ماهية تلك الخيارات، لكنه ألمح بوضوح إلى احتمال القيام بتحرّك عسكري.
لكن الدبلوماسي الأميركي السابق دينيس روس قال إن الإشارة “الروتينية” إلى “خيارات أخرى” لم تعد كافية إذ أن طهران “لم تعد تأخذ واشنطن على محمل الجد”.