لا تدمر طفلك بطلب الكمال

القاهرة – ينشد غالبية الآباء والأمهات الكمال لأبنائهم، ويرغبون في أن يصل مستوى طفلهم إلى أعلى المستويات ليكون أفضل من أقرانه أو جيرانه، مما يدفعهم إلى الوقوع في خطأ كبير يتمثل في مقارنة مستواه الدراسي بمستوى زميل له أو ابن أحد الجيران أو يطالبه والداه بالمذاكرة، ويكرران دائماً على مسمعه كلمة “ذاكر”، اعتقاداً منهما أن تصرّفهما هذا يضعه على طريق النجاح والتفوق، بينما في حقيقة الأمر هما يدمران رغبته في حب الدراسة بل وفي النجاح بتفوق.
يؤكد خبراء أن طموح الآباء والأمهات وحده لا يكفي، ولا بد من تعزيز الإمكانيات الحقيقية للأبناء، استنادا على ما يستطيعون تحقيقه فعلاً، لا على ما يحلمون به من آمال عريضة.
وأوضحت الدكتورة إيمان شريف أستاذة علم النفس بالمعهد القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة قائلة “قد لا تسعد الأم بنتيجة ابنها، عندما ترى من هو أكثر تميزاً عنه، وأفضل منه في تحصيله العلمي، فالعبرة ليست بإرضاء الطموح الزائد لدى الأم، لأن لكل فرد قدرته وإمكانياته، فالمهم هو عدم تثبيط العزائم بحيث نصل بالطفل إلى أن يفقد الثقة في نفسه، كل ذلك بسبب الطموح المبالغ فيه والذي قد يطمس فرحة نجاحه فيجد منهما التقريع واللوم والتوبيخ، لأنه لم يحصل على مستوى متقدم ما يدفعه إلى حالة من اليأس وفقدان الأمل في تحقيق ما يحلم به وما يطالبه أبواه به أيضا”. وقد يكون طموح الأمهات تجاه أبنائهن سبباً في فشلهم بدلاً من نجاحهم، خصوصاً إذا تكرر لوم الأم لأبنها على أخطائه، فقد يحمله هذا على التسليم بفشله، ولا يستحثه على بذل أي جهد في ما بعد، في حين نجد أن الأم تعيش في خوف مستمر بسبب تدهور حالة ابنها دراسياً والتي هي السبب الرئيسي فيه، لأنها لو منحته قدرا أكبر من الحب والتشجيع بدلاً من اللوم والتقريع لتحقق لها وله ما يتمناه.
وتحذر شريف من التوبيخ العلني لأنه ضار جداً بالابن، فهو يولد الكراهية والشعور بالنقص، وفقدان الثقة بالنفس، خاصة إذا كان الطالب محدود الذكاء، فقد يصاب بإحباط يؤدي إلى الاكتئاب أو العدوانية، لذلك يجب مطالبة الابن بأداء يتناسب مع قدراته، ونضجه، وعقله، وتشجيعه على التفكير، ومساعدته على تنمية المهارات الموجودة لديه، وتكوين اتجاه مقبول ومفهوم نحو طريقة مذاكرته مع عدم الإفراط في المدح حتى لا تبعث فيه الغرور.
ومن جانبها، ذكرت الدكتورة عزة كريم خبيرة علم الاجتماع، أن بعض أولياء الأمور يشتكون من أن أطفالهم يبدأون العام الدراسي بحماس شديد للمذاكرة والتفوق ولكن سرعان ما يتحول هذا الحماس إلى فتور، ويبدأ الآباء في إطلاق الأوامر للطفل بالمذاكرة وهو الأمر الذي يشعره بالإحباط واليأس.
وتابعت موضحة “لا نستطيع أن ننكر دور الأسرة في تنمية الدافع لدى الطفل وحثه على التعلم وذلك يرفع قيمة العلم، إذن هذا يجعل الطفل يشب على حب العلم والرغبة في الوصول إلى أعلى الدرجات العلمية، كما أن تنمية الطموح لدى الطفل ومنحه الثقة بالنفس، بالإضافة إلى تقويته على بذل الجهد من الصغر توصله إلى هدفه”.
وأضافت “من الضروري أن يعمل الآباء على حث الطفل المتفوق على استخدام قدراته الخاصة في تحليل ومواجهة مشكلاته الاجتماعية والانفعالية، ولا ننسى أنه كلما كانت المعلومة مفهومة ومصنفة ومرتبة سهل تخزينها في الذاكرة واستدعاؤها بسهولة حين الحاجة إليها، إذن المذاكرة الجيدة تشمل فهم المعلومة فهماً جيداً وفهم أساسياتها وتكرار مراجعة المعلومة على فترات ليست متباعدة، والأهم ربط المعلومة بقصة أو صورة أو تجربة علمية فهذه الطريقة تؤكد على تثبيت المعلومة في ذاكرة الطفل”.
وحذرت الدكتورة ليلى كرم أستاذة علم النفس والطفولة من اتخاذ العقاب المادي كوسيلة للضغط على الطفل لمراجعة دروسه، لأن الضرب من شأنه أن يخلق إنساناً جباناً فضلاً على أنه يصبح على يقين أنها الوسيلة المثلى للتعامل مع الآخرين، وبالتالي يصبح إنساناً عدوانياً تجاه الآخرين. فضروري أن نكون القدوة لأبنائنا، وإلا أصبح مطلبنا غير عادل ولا يتحلى بأي منطق ولن يأتي بفائدة تُرجى.
وشددت على ضرورة تحلي الآباء بالعقلانية في معالجة الخطأ بتوجيه الطفل لخطورة تصرفه الخاطئ أو غير اللائق ومحاولة مساعدته في تصحيح معتقداته الخاطئة.