لا تتسوق وأنت جائع

ستدرك كم تسرف وأنت تتسوق وبطنك فارغة ليس بالعودة إلى البيت بأكياس كثيرة ومليئة. ستدرك هذا لو قررت يوما أن لا تنزل بفندق عند سفر، بل بشقة فندقية.
الخميس 2024/09/12
عند الإحساس بالجوع، يصبح كل الطعام لذيذا

تقول النصيحة التقليدية أن لا تذهب للتسوق وأنت جائع. الجائع، يعبئ سلة التسوق بما يشتهيه، أو يعتقد أنه يشتهي أكله. وعند الإحساس بالجوع، يصبح كل الطعام لذيذا. وفي كل حارة من حارات السوبرماركت، سيتغير مزاج الجائع ويتقلب. ومع تقلب الرغبة يشطح الخيال.

في حارة اللحوم يصير خيالك وهو يشويها أو يطبخها، وفي حارة البقول هو يسلقها، وفي حارة البيض هو يقليها، وفي حارة الخضراوات هو يقشرها ويأكل نصفها نيئة، وفي حارة الخبز والمعجنات هو يلوكها ويستمتع برائحة العجين المشوي النفاذة. في حارة الجبس تختلط عليه أصوات ما يشبه القرمشة التي تصدر عن أكياسها، مع أصوات القرمشة الحقيقية، في حين تتداخل عليه النكهات، هذا مالح وذاك بطعم الجبنة. في حارة الفواكه يحتار الخيال هل يأخذ بطيخة كاملة أم نصفها. وإذا مر بجانب ماكنة الشوي الزجاجية التي يدور فيها الدجاج وينقط شحوما تبعث روائح تزيد من جوعه، فإن الدجاجة المشوية الساخنة ستكون خاتمة التسوق (هل سألتم أنفسكم لماذا الدجاج المشوي الساخن هو آخر حارة في السوبرماركت؟ تكون قد اشتريت كل شيء، ولكن دفاعاتك تنهار أمام رائحة الشواء).

ستدرك كم تسرف وأنت تتسوق وبطنك فارغة ليس بالعودة إلى البيت بأكياس كثيرة ومليئة. البيت ستار بأصحابه، ويتم تخزين الزائد بين أنواع الثلاجات وخزائن الطعام الحافظة. ستدرك هذا لو قررت يوما أن لا تنزل بفندق عند سفر، بل بشقة فندقية. زيارة واحدة للسوبرماركت تجعلك تملأ ثلاجة الشقة الفندقية وأرففها. فجأة تكتشف أنك صرت مولعا بمختلف أنواع الأجبان. وبدلا من شراء عبوة زيت زيتون تكفي لأسبوع الإقامة، تشتري ما يكفي لموسم. ثم زيت الطهي. ثم المخللات. ثم المكسرات. ثم اللحوم الباردة. القائمة تطول والفاتورة تزيد، وما وفرته من السكن في شقة فندقية، يذهب جزء معتبر منه إلى قائمة التسوق.

ثم تحين لحظة الحقيقة: ساعة المغادرة. من المستحيل طبعا وضع كل ما بقي من تسوق في حقائب السفر. من سيسمح لك بدخول بلد أوروبي وأنت تحمل لحوما باردة من بلد خارج الاتحاد الأوروبي. هل جازفت مرة بوضع قارورة زيت زيتون غير محكمة الإغلاق بعد أن فتحتها واستهلكت قطرات منها، في حقيبة الملابس؟ قد ينجو كيس القهوة بعد لفه وتحصينه، لكن كل بقية التسوق ستكون من حصة موظفي خدمة الاستقبال في مدخل الشقق الفندقية. صحة وعافية.

18