لاجئ هندي يشتري منزلا احتضنه في النمسا ويخصصه لمساعدة المهاجرين

بادن (النمسا) - لم يجف الطلاء بعد، لكن سوكديب سينغ صاحب المنزل بدأ يتخيل عائلات اللاجئين تعيش في هذا النزل السابق في مدينة بادن النمساوية، حيث أمضى هو نفسه سنوات حياته الأولى في أوروبا.
وهذا هو المكان الذي عاش فيه بعدما غادر إقليم البنجاب في الهند، عندما كان مراهقا لبدء حياة جديدة في أوروبا.
وعندما أعلنت المنظمة غير الحكومية التي كانت تدير المكان في السابق كملجأ للأولاد المهاجرين غير المصحوبين بذويهم، أنها لن تتمكن من الاستمرار في إدارته، تدخل سينغ لإنقاذه من أيدي المطورين العقاريين. ويقول سينغ وهو لأب لثلاثة أطفال صغار “لم أرغب في أن يشتري العقار أي شخص لا علاقة له به أو بتاريخه”.
وبدأت قصة سينغ برحلته الشاقة عبر روسيا وأوروبا الشرقية قبل وصوله إلى النمسا وإلى منزل لورا غاتنر، وهو ملجأ يضم حوالي 50 شابا غير مصحوبين بذويهم. ويروي سينغ “بصراحة، كان انطباعي الأول مروعا”.
وفي الطابق العلوي من المنزل المكون من ثلاثة طوابق، يشير إلى زاوية في غرفة مساحتها 12 مترا مربعا ويقول “هنا كان سريري، وهنا كان السرير الثاني”، الذي كان ينام عليه شريكه في الغرفة وهو مراهق أفغاني. وخلال السنوات الست التي أمضاها هناك، تعلم اللغة المحلية وكوّن صداقات ولعب معهم كرة القدم.
وقد تحوّل المنزل الرهيب الواقع في منطقة صناعية، إلى رمز للمثابرة والإحسان بالنسبة إلى سينغ. وفي هذا المكان أيضا التقى سينغ الممثل والكاتب اليهودي أوتو تاوزيغ، الذي هرب من النازيين إلى لندن.
وكرّس تاوزيغ النصف الأخير من حياته للأعمال الخيرية. ساعد المئات من الأطفال الذين يعملون في المناجم في الهند، كما ساعد اللاجئين في النمسا.
وبعد جمع الأموال لشراء المنزل، أهداه الكاتب لجمعية دياكوني الخيرية البروتستانتية لاستخدامه كمأوى للشباب الذين مثله، تركوا أوطانهم.
سوكديب سينغ وهو أب لثلاثة أطفال يقول إنه لم يرغب في أن يشتري العقار أي شخص لا علاقة له به أو بتاريخه
وتمت تسمية المنزل على اسم جدة تاوزيغ لورا غاتنر، التي توفيت في معسكر اعتقال نازي.
وفي هذا المكان، ساعد المتخصصون الاجتماعيون والأساتذة وعلماء النفس سينغ على فهم الثقافة المحلية وإتقان لغة البلاد. ويقول إنه عومل باحترام وتخرج من أحد المعاهد التقنية.
وأصبح تاوزيغ كمرشد بالنسبة إليه، وقدم له الأموال اللازمة للحصول على شهادته الجامعية.
وعلم سينغ وهو مدير مشروع في شركة سيمنز متعددة الجنسية، من صديق قديم أن المبنى الذي كان يطلق عليه منزله، معروض للبيع.
وتقول دياكوني إن القرار اتخذ بسبب “الإحالات غير الكافية” من السلطات الإقليمية للسكان القادمين من النمسا السفلى. ومع قيام الاتحاد الأوروبي بتعزيز الضوابط على حدوده في السنوات الأخيرة، انخفض معدل الوافدين الجدد.
وانخفض عدد طالبي اللجوء القصر غير المصحوبين بذويهم من 8300 في العام 2015 إلى 390 بعد ثلاث سنوات فقط.
وفي الوقت نفسه، جاهر المستشار سيباستيان كورتس بمواقفه المتشددة المناهضة للهجرة، ما أكسبه أصوات العديد من الناخبين من حزب الحرية اليميني المتطرف. ويقول سينغ “لم يعد الترحيب الذي تلقيته كما كان”.
ورغم أنه سيتعين عليه تأجير معظم الشقق البالغ عددها 16 مقابل مبلغ مالي لتسديد الرهن العقاري، سيترك أربع شقق على الأقل لتكون في خدمة عائلات طالبي اللجوء بشكل مجاني.
وستكون أم شابة وابنتها تعيشان حاليا في مركز لجوء تديره الحكومة، من بين السكان الأوائل في المنزل.
ومن المتوقع أن تنتقل ثلاث عائلات لاجئة إلى المكان عند الانتهاء من عمليات تجديد المبنى في مارس، وهو الشهر نفسه الذي وصل فيه سينغ إلى هنا عام 2003.
ويشعر سينغ بالفخر بالإنجازات التي حققها واستمراره في حمل إرث تاوزيغ.
ويقول “إذا كنت تبحث عن مثال يحتذى، فلا تنظر إلى الأغنياء الذين لديهم الكثير من المال. انظر إلى الذين يملكون قلبا كبيرا”.