كيف تطوّق تونس أزمة اللاجئين الأفارقة: الوضوح ضروري

لم يقف موضوع اللاجئين الأفارقة عند توضيح الرئيس التونسي قيس سعيد والذي فصل فيه بين اللاجئين الذين يتمتعون بوضع قانوني سليم، واللاجئين الذين لا يمتلكون وثائق. الفئة الأولى طمأنها وحث المسؤولين على حمايتها، أما الفئة الثانية فلم يترك أمامها سوى سبيل واحد هو الترحيل.
صحيح أن الرئيس التونسي رجل قانون، ولذلك كان تدخله مستندا على القانون في تصنيف من يستحق البقاء والحماية، ومن يتوجب عليه الرحيل أو الترحيل. ولكن القضية ليست إجرائية، قد تكون كذلك في نظر رئيس دولة ما يهمه هو مصلحة بلاده، لكن الردود الخارجية تقول إن القضية أخذت أبعادا أكبر وإن موقف تونس الرسمي والشعبي بات يصنف على أنه موقف كراهية ضد المهاجرين، وهو ما جاء في بيان الاتحاد الأفريقي حين حث تونس على تجنب “خطاب الكراهية العنصري”، معبرا عن صدمته وقلقه.
ردت تونس بالتعبير عن أسفها لسوء الفهم الصادر عن أقوى مؤسسة أفريقية، واعتبار أن ما يروّج بشأن موقفها ليس أكثر من “اتهامات لا أساس لها” قالت إنها أساءت فهم موقف الحكومة. لكن هذا الموقف ليس أكثر من خطاب لتبرئة الذمة، وهو لا يسد الثغرات التي يأتي منها الهجوم على تونس.
◙ أولى خطوات التحرك الإيجابي جاءت من وزارة الداخلية التونسية التي أكدت في بيان لها أن أجهزتها "حريصة على التقيّد بالتعامل مع كلّ الأجانب من مختلف الجنسيات"
وعلى وزير الخارجية الجديد نبيل عمار، الذي يمتلك خبرات وشبكة علاقات دبلوماسية في أوروبا على وجه الخصوص، أن يقود حملة عقلانية أولا لإظهار أن موقف تونس لم يكن كما تم تصويره، وأن الهدف لم تكن تحكمه نظرة عنصرية، وليس خطابا للكراهية، وأن قلق تونس من الهجرة مرتبط بالأعباء التي تتحملها لوحدها لاستضافة موجة لاجئين في تزايد بسبب الصراعات في أفريقيا، والأزمات التي تعيشها دول القارة بسبب أزمة الغذاء العالمية وموجة الجفاف والنزاعات والمعارك ضد التنظيمات المتشددة.
ولكسر سردية العنصرية وخطاب الكراهية، يجب أن يخرج الخطاب التونسي الرسمي والشعبي من نظرية المؤامرة والتوطين والمخاوف على النسيج المجتمعي إلى خطاب مباشر عن الأعباء والحاجة إلى المساعدات، كما يجري مع تمويل الدول التي تحتضن اللاجئين السوريين بانتظار حل الأزمة السورية والوصول إلى تسوية سياسية تنهي الحرب وتفتح الباب أمام عودة جماعية من تركيا والأردن ولبنان وغيرها من الدول.
مع الإشارة إلى أن لا أحد طلب من تونس توطين الأفارقة، ولا نية لدى هؤلاء اللاجئين للاستقرار بها، فهي بلد عبور نحو أوروبا، ووضعها الاقتصادي والاجتماعي لا يغري بأن تكون مقصدا للاستقرار.
ومن المهم أن ترد الخارجية التونسية على التسريبات التي تتحدث عن حصولها على أموال مقابل التحفظ الوقتي على هؤلاء اللاجئين، وأن هناك أموالا أخرى في الطريق. السكوت على التسريبات يحوّلها إلى حقيقة خاصة في ظل سيطرة مواقع التواصل على الرأي العام ونجاحها في تحويل الإشاعات إلى حقائق، في غياب خطاب اتصالي منظم سواء من رئاسة الجمهورية أو من حكومة نجلاء بودن. الرئيس سعيد يكتفي بأن يرد بنفسه في خطابات مباشرة، فيما الحكومة تتجنب الدخول في هذه المعارك خوفا من الخطأ أو أنها تعتبر أن المعارك الاتصالية ليست مهمتها، هي فقط تكتفي بالملف الاقتصادي.
لا يمكن التعامل مع موقف الاتحاد الأفريقي باستهانة، أو مواجهته بالخطاب الشعبوي الذي يسيطر على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يتحمل بشكل مباشر مسؤولية استهداف الأفارقة، وبعض ممن يقفون وراءه محسوبون على الرئيس سعيد. لا نريد معركة جديدة مع مؤسسة مثل الاتحاد الأفريقي الذي سبق أن تدخل بشكل حاسم في قضايا أفريقية أخرى.
◙ تدخل الرئيس التونسي كان مستندا على القانون في تصنيف من يستحق البقاء والحماية، ومن يتوجب عليه الرحيل أو الترحيل
لأجل ذلك من المهم أن يتدخل الرئيس سعيد مجددا بخطاب رسمي جديد يحث على عدم استهداف الأفارقة دون استثناء لأيّ فئة بما في ذلك الذين يوجدون في تونس دون وثائق. والهدف هو طمأنة اللاجئين على أمنهم وكف أيدي بعض المتنطعين الذين عمدوا إلى استهداف ضيوف تونس بخطاب عنصري تحقيري أو باستهداف أمنهم بالتهديد أو العنف، وأن تتوقف بعض عمليات التوقيف الأمنية والقضائية في حق اللاجئين ومعاقبة من استهدفهم بالتحقير أو الاعتداء.
لا يمكن أن ينوب بيان لوزارة الخارجية عن موقف رسمي على أعلى مستوى لطمأنة الداخل والخارج، خاصة بعد أن تم تأويل خطاب قيس سعيد الأول عن مخاطر موجة اللاجئين وحكاية التوطين على أنه خطاب كراهية، وأن ما يجري من استهداف هو بغطاء رسمي.
يمكن أن يُسكت الرئيس سعيد هذه الحملة بموقف واضح يكون ملزما للجميع. وفي نفس الوقت يمكن أن يتحرك الرئيس لطمأنة الأفارقة بأن ما جرى لا يلزم الدولة، وأنها فعلا تجاوزات محدودة، من خلال استقباله لممثلين عن الجاليات الأفريقية المختلفة ليقول لهم بشكل علني إنه معهم وإنه يحميهم، ويوجه من خلالهم خطابا لدولهم مفاده أن ما يجري تجنّ على تونس التي لا يمكن أن تتخلى عن ميراثها الحقوقي وعن عمقها الأفريقي.
وسيكون مهمّا لو أن الرئيس سعيد يستقبل بصفة خاصة ممثلي الطلبة الأفارقة الذين يدرسون في تونس لطمأنتهم ولبناء الثقة معهم، فأغلبهم كوادر المستقبل في بلادهم، ويمكن أن يتولوا إطفاء الحريق الحالي، وبناء علاقات ثقة وتعاون على المستوى البعيد، تماما مثلما كانوا يفعلون في فترات سابقة.
ولا يمكن لتونس أن تنسى أن لها مصالح اقتصادية في أفريقيا، بما في ذلك دول جنوب الصحراء، فهناك اتفاقيات اقتصادية وشركات تونسية ناشطة هناك، وينتشر خبراء تونسيون في مجالات متعددة في أكثر من دولة، والنجاح في التهدئة سيجنّبهم أيّ تطورات سيئة تؤثر على أعمالهم وعلى سمعتهم.
◙ تونس ردت بالتعبير عن أسفها لسوء الفهم الصادر عن أقوى مؤسسة أفريقية، واعتبار أن ما يروّج بشأن موقفها ليس أكثر من “اتهامات لا أساس لها” قالت إنها أساءت فهم موقف الحكومة
وحتى لا يقف التحرك عند حدود الرئيس سعيد، أو حكومته التي تتحرك ببطء شديد، فإن من المهم أن تتحرك الدبلوماسية التونسية اتصاليا لتقديم صورة إيجابية عن الوضع وتطويق ردود الفعل السلبية.
ومثلما أن المنظمات والجمعيات المساندة للأفارقة، وبينها جمعيات تونسية، تنشر أشرطة فيديو تصور الاستهداف أو تروي قصص المعاناة، فإن تحركا اتصاليا رسميا يمكن أن يقوم بنفس الخطوات ولكن باتجاه عكسي بتقديم أفارقة يتحدثون بإيجابية عن تونس.
طبعا هذا لا يتم إلا بعد الخطوات العملية السابقة ليشعر المستهدفون فعلا أنهم صاروا في أمان وأن الوضع عاد إلى الاستقرار مع تحرك جدي لتطويق كل مظاهر التحقير والاستغلال والعنف. ويمكن أن تقلب الدولة الحملة إلى عكسها تماما بالاستفادة منها للوقوف على الوجه السلبي الذي ظل في الخفاء، وكيف تحمّل هؤلاء اللاجئون العمل الهش والاستغلال والاتجار بمعاناتهم.
وأولى خطوات التحرك الإيجابي جاءت من وزارة الداخلية التونسية التي أكدت في بيان لها مساء السبت أن أجهزتها “حريصة على التقيّد بالتعامل مع كلّ الأجانب من مختلف الجنسيات المتواجدين بالتراب التونسي وفق مقتضيات التشريع الوطني النافذ والمواثيق والمعاهدات الدولية في كنف الاحترام التام لمبادئ حقوق الإنسان”.