كوميديا مصرية تطرح مشكلات الجدّات مع الأحفاد

يسلّط الفيلم المصري “أعز الولد” الضوء على علاقة اجتماعية قد جرى تجاهلها كثيرا في السينما المصرية أو لم يتم تسليط الأضواء عليها بصورة كافية، وهي العلاقة بين الجدات والأحفاد، ليتناولها الفيلم من زاوية إنسانية مختلفة بعيدا عن الكوميديا الخالصة، كما أتت في فيلم “تيتة رهيبة” بطولة محمد هنيدي وسميحة أيوب.
القاهرة – استطاع فيلم “أعزّ الولد” أن يحقّق نجاحا لافتا على مستوى الجمهور والنقاد عقب طرحه للمرة الأولى قبل أيام على منصة شاهد الرقمية، بطولة ميرفت أمين ودلال عبدالعزيز وشيرين وإنعام سالوسة وسامي مغاوري، وبعض النجوم الذين ظهروا كضيوف شرف أبرزهم: الراحلة رجاء الجداوي ومنى زكي وعمرو يوسف وأمينة خليل وأروى جودة وريهام عبدالغفور والمخرج عمرو سلامة.
وتدور أحداث الفيلم الذي كتب له السيناريو شريف نجيب وجورج عزمي، وأخرجته سارة نوح في أولى تجاربها الإخراجية، حول عصابة تختطف أحفاد بطلات العمل وتطلب فدية من الجدات اللواتي تواجههنّ العديد من المشكلات مع أحفادهنّ المخطوفين، ويتطرّق إلى علاقة الجدات بالأحفاد التي تتّسم بالعاطفة على حساب المنطق أحيانا.
بعيدا عن النجوم
جاء تميّز الفيلم من كونه عملا عائليا من الدرجة الأولى، يمكن مشاهدته بصحبة الأبناء والجدّات، ضمن قصة جديدة مميزة، تشهد تحوّلات تدريجية عبر الأحداث اعتمادا على كوميديا الموقف وليس الإسفاف وتكرار النكت المبتذلة وثقيلة الظل.
تبدو فكرة الفيلم والاستعانة بأطفال وفنانين من كبار السن ليكونوا أبطال العمل مغامرة غير معلومة العواقب، وهو ما أكّدته مخرجة الفيلم سارة نوح لـ”العرب” بقولها “مغامرة كبيرة بها قدر من التحدّي وتحسب للجهات الإنتاجية للعمل، وهي أيضا مثلت تحديا لي عبر عدم الاعتماد على نجوم الشباك في بطولة هذا الفيلم”.
وأضافت “أدركت أنه لو قدّر له النجاح سيعود لأنه صُنع بشكل جيد، ومن ثم حاولنا أن تكون الأحداث والشخصيات مرتبطة، فظهرت شخصية الأبناء ضمن الأحداث متوافقة مع الطريقة التي أنتهجتها الأمهات في التربية، من حيث الشدة واللين، ما انعكس بدوره على تربية الأحفاد وشخصياتهم”.
وأشارت إلى أن ما أسهم في نجاح الفيلم هو العمل عليه بجدية، والبحث عمّا يسعد الجمهور، بغض النظر عن وجود نجوم شباك من عدمه، والمفارقة أنه ضم نخبة من النجوم ظهروا كضيوف شرف في مشاهد قليلة.

سارة نوح: العديد من نجوم الصف الأول شاركوا في العمل دون مقابل لمجرد إعجابهم بفكرة الفيلم المختلفة والهادفة
وحرص هؤلاء النجوم والنجمات على المشاركة دعما للمخرجة في تجربتها الإخراجية الأولى، وهو ما أوضحته نوح بقولها “قرّر عدد كبير من نجوم الصف الأول مساعدتنا عبر المشاركة من دون مقابل لمجرّد إعجابهم بفكرة الفيلم المختلفة، ولأنهم لمسوا جدية واضحة في إنتاجه”.
وأضافت “كان الأمر سهلا للغاية بشكل فاجأني شخصيا، وهو إنجاز حقيقي، فلا يوجد واحد من النجوم طلبت منه المشاركة واعتذر، بل كلهم بادروا بالموافقة بحماس دون قيد أو شرط، في مقدّمتهم منى زكي التي كانت أول من عرضت عليها المشاركة ورحّبت للغاية، وشكّلت موافقتها أهمية لفريق العمل، وإن ظهرت في مشهد واحد، لكن تواجدها منحنا قدرا كبيرا من الثقة والطمأنينة”.
أما بالنسبة إلى مشاركة عمرو يوسف، فقالت “بادر بتشجيعي ومتابعة تطوّرات العمل وأثنى على فكرته وشجعني على إخراجه، وقال إنه يريد دعم الفيلم بأي شكل، فطلبت منه المشاركة كضيف شرف وأبدى ترحيبا بالغا”.
وأوضحت نوح لـ”العرب” أنها لم تكن محظوظة فقط بموافقة النجوم على المشاركة في الفيلم، لكن أيضا بالجدية التي تعاملوا بها في أثناء أداء الشخصيات وفق إطارها، لأن أحداث الفيلم تطلبت الحفاظ على حالة معينة تتناسب مع طبيعة كل دور في العمل، وجميعهم التزموا بذلك.
وبدا أداء المخرج سلامة لافتا ومفاجئا لشخصية الابن الذي ينقاد خلف والدته (دلال عبدالعزيز) التي تتحكّم في حياته حتى أدّت به للطلاق من زوجته التي يحبها، فهو لا يستطيع مواجهتها ومقاومة طغيانها وتحكّمها في حياته.
وعن ذلك قالت المخرجة “منذ الوهلة الأولى لكتابة هذه الشخصية، رأيت أن سلامة هو الشخص المناسب لأدائها خصوصا أنني أعرفه جيدا، وأدرك قدراته التمثيلية، وقد أدّى الدور بمنتهى الحب”.
واعتمد فيلم “أعز الولد” على كوميديا الموقف غير المتكلفة، وابتعد عن النكت المبتذلة أو المتكرّرة والمستنسخة التي اعتاد الجمهور مشاهدتها ضمن الأفلام الكوميدية خلال السنوات الأخيرة.
وكشفت نوح أن الهدف منذ البداية كان بالتعاون مع مؤلفي الفيلم عدم انتزاع الضحك كهدف في حد ذاته، و”الرهان هو الاعتماد على شخصيات تتصرّف تلقائيا، حتى ينساب الضحك، واعتمدنا على بناء الفيلم والقصة وليس النكات والضحكات”.
ولا تزال السمة الغالبة في السينما المصرية الاعتماد على نجوم الشباك، فالأفلام التي تعتمد على بطولة الممثلين الكبار أو الأطفال غائبة تقريبا، وجاء “أعز الولد” ليسند البطولة لمجموعة من الجدّات والأطفال، كتعبير عن اتجاه مغاير في سينما لا تولي هذه الفئات الاهتمام الكافي، فدائما ما تكون قضاياها غير مطروحة، وإن وجدت تظل على الهامش، ويأتي نجاح الفيلم ليفتح باب الاهتمام بهذه الفئات ويشجّع المنتجين الذين يبحثون عن النجاح والربح بدلا من الإقدام على إنتاج نوعية لا يقدمون عليها خشية فشلها.
ويمثل فيلم “أعز الولد” إعادة اكتشاف لنجوم كبار، بعيدا عن الثيمات التقليدية في السينما العربية ويسلّط الضوء على نماذج وأبطال آخرين في الحياة، هم الأجداد وحياتهنّ المختلفة وطبيعة علاقتهنّ بالأبناء والأحفاد.
وعبّرت نوح عن أمنيتها في أن يفتح الفيلم الباب لأهمية العمل الجيد، بغض النظر عن أبطاله، وعدم اللهاث وراء النجوم لتكون القصة هي البطل وليس الأشخاص، وهذا ما فعلته في فيلمها، ما دفع الجمهور للإعجاب والإشادة بالعمل، لتكون النتيجة لصالح الفيلم وليس الأبطال.
كما أن نجوم الصف الأول أنفسهم يطمحون لذلك، وهو ما لمسته المخرجة الشابة فعليا من رد فعل النجوم الذين تحمّسوا وشاركوا وقدّموا يد العون بإخلاص، لمجرد أنهم وجدوا فكرة جديدة ولمسوا المشقة التي تحملتها في سبيل خروج العمل للنور.
وعالج الفيلم مجموعة من القضايا الاجتماعية بشكل جاد وبسيط دون ادعاء أو فلسفة زائدة عن الحد أو الدخول في حوارات للمط والتطويل، وجاء بإيقاع مناسب، وقدّم رسالة غير مباشرة حول معاناة الجدّات وتجاهلهنّ، والنظر إلى الجدّة على أنها “جليسة أطفال” في أوقات انشغال الأبناء، بجانب تجاهل الأحفاد، حتى في حضورهنّ والانصراف إلى الهواتف المحمولة بما تحمله من نقاشات افتراضية.
وأكّدت المخرجة المصرية أنها تلقت إشادات بالغة، والبعض عبّر لها عن شعورهم بتأنيب الضمير تجاه الجدّات بسبب الانشغال وعدم الاهتمام بهنّ، وهي الرسالة التي نجح الفيلم في توصيلها.
ولفتت إلى سعادتها البالغة لتواصل العديد من السيدات والجدّات من كبار السن وعبّرن عن تأثرهنّ لوجود من يهتم بهنّ ويناقش علاقتهنّ مع الأحفاد، لذلك كانت للفيلم نتيجة مؤثرة نفسيا على هذه الفئة وشكل حالة سينمائية مختلفة.
إدارة الأطفال سينمائيا
أجادت نوح في إدارة كل طاقم العمل واستثمرت قدراتهم الإبداعية، فخرج التمثيل تلقائيا، فأحد الصعوبات التي قد تواجه إنتاج هذا النوع من الأعمال الفنية هو التعامل مع الأطفال وإدارتهم، خاصة إذا كانت تلك تجربتهم التمثيلية الأولى، حيث استعانت المخرجة بخمسة أطفال لم يسبق لهم التمثيل.
وأكّدت أنها مكثت ثلاثة شهور لاختيار طاقم التمثيل بغية البحث عن مواصفات الأطفال المنشودين من بين ألفي طفل، واستغرق اختيار الطفلين الأصغر عمرا، حسن وفريدة، وقتا أكبر للوصول إليهما، وكان الجميع يحذّرون المخرجة منهما لأن التصوير في هذا العمر الصغير يكون عسيرا، وأدركت جيدا مدى صعوبة التعامل معهما نظرا لعملها كمساعد مخرج لفترة، ومخرجة “كاستينغ”، أي اختيار الممثلين، من قبل، لكن هذه الصعوبة كان لها مقابل ونتيجة واضحة، فهذا العمر أكثر ما يحب الجمهور مشاهدته ويؤثّر فيه.
وتخرّجت نوح في كلية الآداب قسم إعلام، وعملت مساعد مخرج وكاستينغ منذ عام 2008 في عدد من الإعلانات والبرامج والمسلسلات والأفلام، بينها “أسماء” بطولة هند صبري و”الشيخ جاكسون” بطولة أحمد الفيشاوي ومسلسل “طايع” بطولة عمرو يوسف.
وكان من المقرّر عرض الفيلم عبر دور العرض السينمائي، لكن تعطل العمل فيه لبعض الوقت، ثم جاء انتشار فايروس كورونا ليجبر الشركة المنتجة على عرضه عبر منصة شاهد.
وعبّرت نوح في حوارها مع “العرب” عن سعادتها لعرض الفيلم عبر منصة شاهد، لكونها واحدة من أكبر منصات العرض في العالم العربي، ولا تعتقد أن الفيلم كان سيحقّق هذا الحجم من المشاهدة على منصة أخرى، حيث أتاحت وصوله لعدد كبير من الجمهور، خصوصا بين الجدّات وكبار السن، لأن هذه الفئة يكون ذهابها إلى دور العرض السينمائي صعبا.
وحقّق الفيلم معادلة السهل الممتنع وجمع بين الكوميديا والعاطفة والتواصل الإنساني والمجتمعي، ورغم أنها التجربة الإخراجية الأولى لنوح، غير أنها تعاملت باحترافية مع بطلات العمل وهنّ نجمات مخضرمات وصاحبات خبرة طويلة في العمل الفني، وقامت بتوظيف كل شخصية بما يناسبها، وظهر أن انتقاء أبطال العمل من الأطفال تم ببراعة، وقد يتحوّلون إلى نواة لنجوم في المستقبل.
وجاءت أغنية الفيلم كإحدى السمات المميزة للعمل، حيث جرت الاستعانة بأغنية قديمة تخصّ الجدّات للفنان أحمد عدوية بعنوان “ستو بسبستلو” وتم القيام بإعادة توزيع لحنها وتغيير بعض الكلمات، وقام بغنائها أحمد عدوية بمشاركة أمير عيد.