كوميديا الشيء ونقيضه

ممنوع على أوبك+ ضخ المزيد من النفط في الأسواق ومطلوب منها ضخ المزيد من النفط في الأسواق. نحتاج إلى حل هذا التناقض السياسي الذي خلقته واشنطن.
الأربعاء 2022/03/30
الشيطان أوبك+ يتحكم بمصير العالم

الأزمات تكشف التناقضات. هذا الانطباع السائد الآن في العالم. البعد السياسي في حرب أوكرانيا من اختصاص السياسيين، بفرض أنهم يفهمون ما يفعلون. الأبعاد الأخرى، يجب أن تتوزع على أهل الاختصاص والمعرفة. لكنها بالطبع تنتهي بأيدي السياسيين ليعبّروا عنها كما يرغبون.

لا أعرف ما إذا كانت مفردة “الصوابية السياسية” تنطبق على ما يجري. هي مفردة نحتت للتغطية على أشياء كثيرة باستخدام مفردات غير جارحة، أو لإخفاء واقع. لكن يبدو أن كل شيء اليوم يمر عبر مصفاة الصوابية السياسية. حتى التناقضات.

معلّقة صينية غردت على حسابها تسخر من هذه التناقضات المصاحبة للحرب. يودع الرئيس الأميركي جو بايدن أمن الخليج، ليلتفت إلى الشر القادم من الشرق: الصين. نسي كل شيء وصار همه الصين وصعودها الطاغي في العالم. ثم تدب الحياة في روسيا، بإرثها القيصري والسوفياتي، لندخل الحرب في أوكرانيا. على الصين أن تقف إلى جانب الولايات المتحدة، عدوتها المسماة من واشنطن وليس من أي طرف آخر، ضد الصديقة روسيا. المعلقة الصينية لخصت الأمر: علينا أن نقف إلى جانب أميركا ضد الصديقة روسيا، لتتفرغ واشنطن لمعاداتنا لاحقا. غطاء الصوابية السياسية يبرر مثل هذه المواقف لبايدن.

أزمة الطاقة في العالم بلغت ذروتها. وهي أزمة سياسية بالطبع لأن العالم لم يصح بين ليلة وضحاها ليستهلك كميات استثنائية من الطاقة. المطلوب من الدول المنتجة ضخ أكبر كمية من النفط (والغاز إن كان متوفرا) في لمح البصر. الشيطان أوبك+ يتحكم بمصير العالم من خلال تحكم دوله المؤثرة بكمية النفط في الأسواق. هي نفسها أوبك+ المتهمة قبل فترة قصيرة بضخ كميات كبيرة من النفط مما أفشل مشروع النفط الصخري الأميركي وجعله يفلس. النفط الصخري يحتاج إلى سعر أكثر من 50 دولارا لكي يصبح إنتاجه مربحا. ممنوع على أوبك+ ضخ المزيد من النفط في الأسواق ومطلوب منها ضخ المزيد من النفط في الأسواق. نحتاج إلى حل هذا التناقض السياسي الذي خلقته واشنطن. تريد الولايات المتحدة أن تعاقب روسيا المنتج النفطي العالمي الكبير من خلال الطلب عمليا من روسيا، العضو البارز في أوبك+، أن تضخ أو أن يضخ حلفاؤها في أوبك+ المزيد من النفط. الصوابية السياسية تفسر ذلك بأنه موقف مسؤول ومنتظر من أوبك+.

لحظة. أليس ضخ المزيد من الوقود الأحفوري من المحرمات لأنه يلوث البيئة؟ أليست مهمة العالم قطع الطريق على أمثال أوبك+ للاستفادة من أرباح بيع النفط على حساب صحة الكرة الأرضية والإنسان والنبات والحيوان؟ لا نعرف أهذا تناقض أم ترديد لأكذوبة. السياسيون يكذبون ويغطون على أكاذيبهم بحرصهم على البيئة. هم، ومعهم دعاة حماية البيئة، يصلون إلى مؤتمرات وتجمعات حماية البيئة بسيارات وطائرات تدار محركاتها بالبنزين. لم نر كثيرا منهم يصلون على دراجات هوائية.

الآن عليك أن تشيطن أوبك+ لأنها تضخ/لا تضخ النفط الذي هو ضروري لإدامة الحياة/تدمير الحياة. استمع إلى القادة في الغرب اليوم وستجد صدى هذا الكلام المتناقض يتردد على نفس الألسن بلا خجل أو حياء. أضف إلى المعادلة أزمة القمح وتوريداته في العالم بسبب نقص أو توقف التوريد الأوكراني أو الروسي، وسيتحول المشهد إلى كوميديا حقيقية من الأكاذيب والتناقضات والسخرية والصوابية السياسية.

20