كورونا يوقف ربيع قطاع الترجمة عند العرب

الترجمة ليست فقط فعلا ثقافيا منعزلا عن محيطه، فإضافة إلى بعدها الثقافي لها أبعاد اقتصادية هامة.
الخميس 2020/12/10
الترجمة تشهد ازدهارا (لوحة للفنان نجا المهداوي)

الرباط – لا أحد ينكر التطور الذي شهده قطاع الترجمة في العالم العربي، حيث أصبح قبلة للكثير من المواهب، كما صار فعلا اقتصاديا وساهم في تحسين صناعة الكتب، كما لا ننسى الترجمة الفورية التي تظل ضرورية في المعاملات الاقتصادية والسياسية والندوات الثقافية والفكرية وغيرها.

ربيع الترجمة بدأ يتراجع في ظل جائحة كورونا التي أفرزت عبر العالم تداعيات وخيمة على جملة من القطاعات والأنشطة التي تعطلت عجلتها فجأة جراء توقف قسري ما زالت تكافح من أجل تجاوز تبعاته.

ولم يسلم قطاع الترجمة، التحريرية والفورية على حد سواء، من هذه التداعيات الوخيمة لارتباطه الوثيق بالتظاهرات والملتقيات الوطنية والدولية التي ألغي الكثير منها وتأجلت أخرى بسبب إغلاق الحدود لمدة ليست باليسيرة، إضافة إلى تعطل صناعة الكتب التي كانت المعارض الدولية والمحلية نافذة هامة لها.

في تشخيصه لحال القطاع في ظل الجائحة، يرسم المترجم التحريري والفوري، المغربي خالد ليف، صورة قاتمة في شكل “نكسة حقيقية”، لاسيما خلال الأسابيع والأشهر الأولى التي تلت تفعيل إجراءات الحجر الصحي وقرار إغلاق الحدود، باعتبار أن قطاع الترجمة، لاسيما الفورية، ينشط في ظل المنتديات واللقاءات والاجتماعات التي تعقد إما بصفة دورية سنوية أو بصفة مناسباتية بحضور متحدثين بلغات متعددة يمثلون مختلف القطاعات والتخصصات.

وسجل ليف، في حديث مع وكالة المغرب العربي للأنباء، أن نشاط الترجمة الفورية توقف تماما عن الاشتغال خلال فترة الحجر الصحي، قبل أن يبدأ القطاع في استعادة نشاطه تدريجيا بالتزامن مع مختلف مراحل رفع إجراءات الحجر أو التخفيف منها، بيد أنه مازال يئن تحت وطأة تداعيات الجائحة، حيث تناهز نسب تضرر المشتغلين في القطاع في الوقت الراهن ما بين 80 و90 في المئة.

وكان من تبعات الأزمة أن أصبح المترجم يتقاضى أتعابه حسب عدد الساعات التي اشتغلها، بأجور تقل عما هو معمول به في الظروف العادية، خلافا لنمط العمل عن اليوم في السابق.

ويرى ليف أنها “أزمة خانقة” لا تزال تداعياتها تلقي بظلالها على قطاع الترجمة التحريرية أيضا جراء الجائحة، ويعزو أسبابها أساسا إلى إغلاق الحدود وتوقف السفر من المغرب وإليه، وتوقف تدفق المهاجرين، لاسيما المغاربة المقيمين بالخارج.

قطاع الترجمة ساهم في تحسين صناعة الكتب
قطاع الترجمة ساهم في تحسين صناعة الكتب

وقد تفاقم الوضع، حسب المترجم، من جراء صعوبة الترجمة عن بعد بحكم تعذر التثبت من حجية الوثائق المصورة أحيانا، وما يستتبع ذلك من مساءلة للمترجم، وضرورة أن تكون الترجمة على ورق معنون يحمل ختم الترجمان المحلف وتوقيعه، وهو ما شكل عائقا تقنيا حال دون الاستجابة لطلبات الزبائن، وفوّت على المترجم موارد مالية في عز الأزمة.

وكان لزاما، في ظل هذا الوضع الذي أخذ الجميع على حين غرة، استكشاف بدائل كفيلة بتجاوز مرحلة الفراغ والقيود التي فرضها الواقع الجديد، تتمثل بالأساس في توفير إطار مناسب للاشتغال وبديلٍ عن مقصورة الترجمة ووسائل عزل الصوت، وتوفير كمبيوترات عالية الأداء، وصبيب إنترنت عال، وهي قيود فاقمت العبء وفرضت على المشتغلين في القطاع تكاليف جديدة تنضاف إلى الخسائر المتكبدة من جراء التوقف عن العمل لمدة معتبرة من الزمن.

كما فرض الواقع الجديد على المترجمين، حسب ليف، توفير ما يلزم من معدات العمل في البيت، والتمرس على تقنيات التواصل عن بعد، واستخدام منصات خاصة ببعض المنظمات أو منصات تواصل متاحة على الإنترنت، فكان بديهيا أن تضيع فرص على من تعوزهم المعدات اللازمة أو الذين لا يحسنون استخدام وسائل التواصل الحديثة.

وفي استشرافه لآفاق القطاع، يتوقع المترجم المحلف أن يستأنف القطاع نشاطه وحيويته، وإن بوتيرة بطيئة، بعد تعميم عملية التلقيح ضد الوباء، معتبرا أن العديد من المنظمات والهيئات قد استساغت بالفعل فكرة العمل عن بعد، بل واستثمرت فيها خلال هذه الفترة لما توفره عليها من التكاليف المرتبطة بالتنظيم وما يستتبعه ذلك من ترتيبات وتنسيق مع العديد من المتدخلين، وهو ما يفرض على المترجم التأقلم مع هذا الوضع الجديد والتزود بما يلزم من معدات الاشتغال وإتقان استخدامها لضمان الاستمرارية ومسايرة المستجدات.

ومن المتوقع أيضا اعتماد خيار العمل وفق ما يصطلح عليه بالندوات الهجينة أو الفيجيتال (Phygital)، التي تمزج بين الشق الحضوري الكلاسيكي والعمل عن بعد.

كما أن هذه الأزمة تفرض، حسب المترجم المحلف، ضرورة تجاوز العمل الفرداني والحرص على الاشتغال في إطار هيئات أو مجامع تمثيلية تعمل بالأساس على التأطير المحكم للمهنة، والانفتاح على مجامع وهيئات دولية تعنى بالترجمة من أجل التعريف بالمترجم المغربي وفتح آفاق أخرى في وجهه.

ويعاني مترجمون آخرون في المغرب وخارجه من تراجع صناعة الكتب، حيث تقلص عدد المعارض التي كانت الواجهة الأولى للكتاب، ما تسبب في تأجيل طبع العديد من الكتب الأدبية والفكرية وحتى العلمية والتعليمية وغيرها.

إن الترجمة ليست فقط فعلا ثقافيا منعزلا عن محيطه، بل علاوة على بعدها الثقافي لها أبعاد اقتصادية هامة، حيث ساهم هذا القطاع في خلق مواطن شغل مبتكرة للشباب المتقنين للغات أخرى، إذ لم تعد الترجمة حكرا على الكتّاب والأدباء.

15