كورونا يخطف نجم الكوميديا الليبية "الخال" إسماعيل العجيلي

ودّعت ليبيا زارع البسمة على شفاه أبنائها، الفنان الكوميدي إسماعيل العجيلي، الذي توفي متأثرا بفايروس كورونا، وأكّدت المؤسسة الليبية للإعلام في طرابلس في بيان نعي “أن الراحل كان أحد المبدعين المتميزين في الفن والأدب والتمثيل والكتابة، وظل على مدى نصف قرن أحد صانعي الفن الليبي والمؤثرين في الوجدان الوطني، ومن حاملي هموم الوطن وقضاياه على أجنحة الإبداع إلى شواطئ الوجدان ومتون العقول ومرافئ القلوب”. وأضافت أن “الراحل ترك للإعلام الوطني تراثا لا يغيب، وموروثا لا يزول”.
وُوري العجيلي الثرى، الأربعاء، في ذكرى عيد ميلاده الذي يوافق العاشر من فبراير 1948 بمنطقة باب البحر في طرابلس، حيث نما وترعرع، وقالت الفنانة خدوجة صبري “كنت أنتظر ساعة منتصف الليل لأتصل به مهنئة إياه بعيد ميلاده، لكن خبر رحيله سبقني إلى ذلك”، ودوّن الإعلامي عطية باني “إسماعيل العجيلي لم يردّ على هاتفي فتأكّدت بأنه لن يردّ ليس لأنه زعلان (غاضب) أو لا يريد الردّ، ولكنه رحل إلى جوار ربه”، وأوضح الفنان فتحي كحلول أن رحيل العجيلي يمثل خسارة كبرى للساحة الفنية والثقافية في ليبيا ولكل محبي الفن الراقي وعشاق الكوميديا الساحرة.
عطاء إسماعيل العجيلي الفني تميّز بالعفوية في التعبير عن قضايا المجتمع الليبي عبر المواقف الكاريكاتيرية الساخرة
ودوّن الكاتب الصحافي عبدالرزاق الداهش “مرة أخرى وفي غفلة منّا يتسلّل الموت على أطراف أصابعه ليختطف صديقا أخر. بالأمس الصديق الفنان إسماعيل العجيلي، وقبله الصديق الصحافي سالم الزيادي، وقبلهما الصديق الشاعر عبدالمولى البغدادي”، وأضاف “لم يكمل الخال إسماعيل آخر حكايته، ولا سالم آخر مقالاته، ولا الشاعر البغدادي آخر قصائده. كانوا السابقين، وسنكون اللاحقين، هذه الحياة لا تساوي لحظة اعتذار عن خطأ – أحيانا على غير قصد – ذات رحيل، لنعتذر لكل من غلطنا في حقه، أو حتى غلط في حقنا ربما عن سوء فهم. فالحياة ستنهي بخبر مقتضب لن تقرأه، سيكون مضرجا بحزن البعض. درس مهم يتعلمه كل من مرّ الموت على حواف جسده”.
وبدأ العجيلي رحلته مع الفن في العم 1968، وفي العام 1974 تخرّج ضمن الدفعة الثالثة من معهد التمثيل مع المخرج محمد القمودي والفنان عبدالرزاق المغربي والمخرج الراحل محمد الكامل، لينطلق بعد ذلك في مرحلة النجومية كأحد أبرز نجوم التمثيل والمونولوج في ليبيا.
برز العجيلي في مجال الكوميديا، وخاصة من خلال المنوعات الرمضانية الخفيفة التي كانت تضفي أجواء من المرح والبهجة على نفوس الليبيين، وقدّم عددا من الأعمال التي حقّقت نجاحا واسعا منها “الخال إسماعيل”، وشكّل ثنائيا متميزا مع رفيق دربه الفنان يوسف الغرياني الشهير بـ”قزقيزة” والمؤلف الراحل أحمد الحريري.
واشتهر الفنان الراحل بأسماء مستوحاة من أعماله من بينها “أم قطمبو” و”سمعة” و”البحبوح” و”الخال” و”الخال سميعين”، وكان من أبرز أعماله الدرامية مسلسل “السوس” الذي قدّم في ثمانينات القرن الماضي وهو من إنتاج شركة الفجر الجديد في ليبيا، ومن تأليف أحمد الحريري وإخراج المخرج السوري ممدوح مراد وبطولة الفنانين: يوسف الغرياني الشهير سعد الجازوي، ولطفية إبراهيم، وخدوجة صبري، ومختار الأسود، وشعبان القبلاوي، ومحمد الغزيوي، وعلي القبلاوي وغيرهم.

وتميّز عطاء العجيلي الفني بالعفوية في التعبير عن قضايا المجتمع الليبي عبر المواقف الكاريكاتيرية الساخرة، حيث كان واحدا من أبرز نجوم الجيل الذهبي للكوميديا الليبية خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، الذي كان يجد في مائدة رمضان موعدا سنويا للتنافس على نشر الابتسامة على شفاه الليبيين، ووصلت أعماله إلى دول الجوار.
كما كان العجيلي معروفا بتجسيد شخصية المواطن الليبي البسيط، الذي يحاول أن يفهم كل ما يدور حوله، وهو ما جعله قريبا من نبض الشعب، وبرز في مجال المونولوج سيرا على خطى الجيل الذي سبقه، والذي كان يضم عددا من الناجحين في هذا اللون الفني مثل رجب البكوش وعبدالرزاق بن نعسان ومحمد الكور ومصطفى الأمير ومحمد الفزاني ومحمود الرملي ويوسف الغرياني ومصطفى الغرياني.
كان العجيلي المنحدر من قبيلة العجيلات والعاشق لطرابلس القديمة، متعلقا بتاريخ العاصمة، وجامعا لمروياتها التي استعرضها خلال السنوات الماضية في العديد من الأنشطة والأمسيات والسهرات الثقافية والفنية، خاصة تلك التي تقام بالمدينة القديمة، والتي كان يفتخر بأنه ابنها ومن مواليدها، وتم تكريمه في العديد من المناسبات الرسمية والفنية، تقديرا لمساهمته الكبيرة في إثراء الفن والثقافة الليبيين.
وشارك الراحل في عدد من المهرجانات الثقافية والإعلامية بعدد من الدول العربية كمصر وتونس والمغرب والأردن والإمارات، إلى جانب حضوره الدائم في التظاهرات المحلية، ويقول الإعلامي عطالله المزوغي “كان إسماعيل العجيلي أنموذجا للفنان الذي تشرّفت ليبيا بحضوره في المهرجانات والمنتديات والأنشطة التي شارك فيها، لتمكّنه وإلمامه الواسع وثقافته الشاملة التي أشاد به وبها كل من تعرّفوا عليه عن قرب من فنانين ومثقفين عرب”.
وقبل وفاته بأسابيع، أعلن العجيلي أن أكبر أحلامه هو المشاركة في جمع شتات الفنانين الليبيين من شرق وغرب البلاد في عمل فني واحد، يؤكّد على وحدة ليبيا وعدم قبولها للقسمة إلّا على واحد، لكن الرحيل عاجله، وبقي حلمه معلقا في ذمة الأحياء كي يُحملوا على تحقيقه على أرض الواقع.