كورونا وأسعار النفط وأزمة الحكومة.. العراق إلى أين

كارثة مالية تحدق بالبلد المنهك سياسيا والدولة في حالة "إنكار".
الجمعة 2020/03/20
سلسلة أزمات مترابطة قد تدفع العراقيين إلى الشوارع بزخم أكبر وأخطر

يواجه العراق أزمة اقتصادية في أعقاب حرب أسعار النفط غير المتوقعة بين روسيا والسعودية والتي تلقي بظلالها على الميزانية، فهذه الأزمة ستترجم إلى انخفاض في مستوى الإنفاق الحكومي، في وقت تشهد فيه البلاد أزمة سياسية مستعصية، وغضبا شعبيا مستمرا لم يخفف من حدته انتشار فايروس كورونا والذي يضيف بدوره المزيد من التحديات في وقت يشعر فيه العراقيون بأن بلادهم تعاني من فراغ في القيادة العليا.

بغداد  –  بين انخفاض أسعار الخام والمراوحة السياسية وتقلّص النيات الدولية لإنقاذه ووباء كورونا المستجد، وأزمة الحكومة، التي لم تحلّ حتى بعد تكليف عدنان الزرفي بتشكيلها، يقف العراق على حافة كارثة مالية قد تدفعه إلى تدابير تقشفية وترفع أكثر من حرارة الاحتجاجات الشعبية المناهضة للمنظومة الحاكمة برمتها.

لكن، مقابل حالة القلق الشعبي، وحتى الإقليمي والدولي، يظهر المسؤولون العراقيون تفاؤلا غريبا، يصفه الخبراء بأنه حالة “إنكار” نظرا إلى أن الانهيار المتوقّع لأسعار النفط سيكلف العراق، المنهك، ثلثي دخله الصافي العام الحالي.

وانخفضت أسعار خام برنت، الأسبوع الحالي، إلى 26 دولارا للبرميل الواحد، وهو المستوى الأدنى منذ العام 2003 ، في أعقاب تضرر الطلب العالمي على النفط بسبب تفشي فايروس كورونا المستجد، وحرب الأسعار بين المنتجين الرئيسيين السعودية وروسيا.

ويقول رئيس وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول إن العراق الذي تشكّل عائدات النفط أكثر من 90 في المئة من إيراداته سيواجه “ضغوطا اقتصادية هائلة”؛ وهو ما يؤكّده المحلل السياسي الأميركي بوبي غوش، لافتا إلى أن العراق يعاني من آثار أزمة كورونا والشلل السياسي ولا يستطيع تحمل العبء الاقتصادي الهائل الذي تفرضه أزمة أسعار النفط.

65 في المئة نسبة انخفاض صافي دخل العراق في العام 2020 بسبب تراجع أسعار النفط

واعتمد العراق، وهو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، ويصدر عادة حوالي 3.5 مليون برميل يوميا، في مسودة ميزانيته للعام 2020 على سعر متوقع قدره 56 دولارا للبرميل، وهو أمر كان ممكنا قبل انخفاض الأسعار إلى ما يقرب من 30 دولارا.

ومع هذا التراجع، سينخفض صافي دخل العراق بنسبة 65 في المئة في العام 2020، مقارنة بالعام الماضي، مسببا عجزا شهريا قدره 4 مليارات دولار مخصصة فقط لدفع الرواتب والحفاظ على استمرارية عمل الحكومة.

ويحمّل غوش السياسيين العراقيين جزءا كبيرا من المسؤولية، لافتا إلى أن المأزق السياسي في البلاد أصبح حادا للغاية. ويحذر المسؤولون من أن الحكومة لن تكون قادرة على دفع الرواتب ومواصلة استيراد المواد الغذائية كما الاستمرار في مشاريع التنمية وإعادة أعمال المناطق التي دمرها داعش، والتي ما زال بعضها يعاني من التهميش ويفتقر إلى أدنى مقومات البنية التحتية.

وبدأت الأسعار في السوق المحلية تشهد بالفعل تأثرا، حيث يقول عراقيون إن أسعار بعض المواد تضاعفت في الأيام الماضية. ويرجع صفاء الفياض، المدير العام لموانئ العراق، ذلك إلى الانخفاض المسجل على مستوى شحنات البضائع التي تدخل العراق بسبب الإجراءات المتخذة لمواجهة فايروس كورونا. فيما يقول وزير النقل العراقي عبدالله الليبي إن حركة البضائع تراجعت بنسبة 30 في المئة على الأقل.

فاتح بيرول رئيس وكالة الطاقة الدولية: العراق سيواجه ضغوطا اقتصادية هائلة مع حرب النفط
فاتح بيرول رئيس وكالة الطاقة الدولية: العراق سيواجه ضغوطا اقتصادية هائلة مع حرب النفط

ويحذر فاتح بيرول من أن “العراق سيعاني في الأزمة الحالية”، مناشدا المسؤولين العراقيين إيجاد “حلول عاجلة”. ويردّ مسؤولون عراقيون بأن وزارتي المالية والنفط والبنك المركزي العراقي والمصارف المملوكة للدولة تبحث سبل خفض التكاليف والعثور على تمويل.

ميزانية متضخمة

في خضم هذا القلق، يظهر محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق تفاؤلا بقوله إن “هناك بعض القلق، لكنه ليس شديدا”. ويضيف “أعتقد أن أسعار النفط بهذا المستوى لن تدوم طويلا. لا نتوقع ارتفاعات كبيرة، لكن بالمستوى الذي يؤمن الحجم المطلوب”.

ويلفت العلاق إلى أن المسؤولين ما زالوا يراجعون عن كثب مسودة ميزانية 2020، وهي واحدة من أكبر ميزانيات العراق على الإطلاق بحوالي 164 تريليون دينار عراقي (حوالي 137 مليار دولار). وتم تخصيص أكثر من 75 في المئة منها للرواتب وتكاليف أخرى، مع إنفاق الباقي على الاستثمارات الرأسمالية. وقفز إجمالي الرواتب من 36 مليار دولار في العام 2019 إلى 47 مليار دولار العام الحالي، بعد تعيين 500 ألف موظف جديد لاسترضاء الشارع المنتفض منذ أشهر. وتوظّف الحكومة نحو أربعة ملايين عراقي، وتدفع رواتب ثلاثة ملايين منهم، والرعاية الاجتماعية لمليون موظف.

ويوضح العلاق أنه “بناء على مؤشراتنا الأولية، سنتمكن من تغطية الديون الخارجية والرواتب”، في المقابل، سيتم تقليص الإعانات والخدمات التي “تنقصها الكفاءة الاقتصادية”.

لكن إلغاء أي منافع في وقت الانكماش الاقتصادي العالمي يمكن أن يعيد الناس إلى الشوارع بزخم أكبر وأخطر.

وفي مواجهة ذلك، يلفت العلاق إلى أن الخيارات الأخرى تشمل استعادة “تريليونات” من الدينار العراقي من الحسابات في المصارف المملوكة للدولة، حيث قامت الوزارات بتخزين سنوات من فائض الأموال، وكذلك إصدار سندات للناس وإعادة جدولة مدفوعات الديون الداخلية.

وأضاف أن محادثات جديدة جارية أيضا مع صندوق النقد الدولي، لكن مع عدم إقرار ميزانية وعدم تشكيل حكومة جديدة، يبدو أنها لن تثمر.

دفن الرأس في الرمل

علي العلاق محافظ البنك المركزي العراقي: هناك بعض القلق بسبب أسعار النفط، لكنه ليس شديدا
علي العلاق محافظ البنك المركزي العراقي: هناك بعض القلق بسبب أسعار النفط، لكنه ليس شديدا

يبني العلاق تفاؤله على أن تدفع الضغوط الحكومة إلى إدخال إصلاحات مالية طال انتظارها، قائلا إن “الضربة التي لا تكسر ظهرك، تقويك”. في المقابل، يعترف بعض المسؤولين بشكل غير علني بأنهم لا يشاركون العلاق تفاؤله.

ويصف أحد كبار المستشارين العراقيين الوضع بأنه “أزمة خطيرة”، فيما يقول آخر إنه سيكون من المستحيل تقليص الميزانية في بلد صنفته منظمة الشفافية الدولية في المرتبة السادسة عشرة في لائحة الدول الأكثر فسادا في العالم.

ويقول المستشار إن “بعض الوزراء يعارضون التخفيضات لأنها ستخترق شبكات المحسوبية الخاصة بهم”. ويضيف أن الحكومة تفترض أن أسعار النفط ستعود إلى طبيعتها خلال شهرين، وهو ما لم تتوقعه وكالة الطاقة الدولية.

ويلفت أحمد الطبقشلي، الباحث بمعهد الدراسات الإقليمية والدولية ومقره العراق، إلى أن “وضع الرأس في الرمال ليس سياسة”. وعلى الرغم من أن العراق واجه انهيارا في الأسعار في عامي 2014 و2016، إلا أنه لم يشهد التراجع الكبير الحالي في الطلب العالمي، لاسيما من الصين، المستورد الرئيسي للعراق.

والاعتماد على المجتمع الدولي أقل ديمومة مما كان عليه في العام 2014، عندما كانت القوى العالمية حريصة على مساعدة العراق في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. ويقول الطبقشلي إن العراق قد يضطر إلى اللجوء لاحتياطيات تبلغ قيمتها نحو 60 مليار دولار لتغطية العجز، لكن سيتعين عليه حتما تخفيض الرواتب وربما الاقتراض دوليا. وحتى لو استقرت الأسواق في نهاية المطاف، فإن النفط العراقي سيعاني للمنافسة مع وفرة المنتج السعودي. لذا يرى أن “هناك تعديلات مؤلمة نحتاج إلى القيام بها الآن”.

 

6