كورونا لم يزح السياسيين العراقيين عن صدارة المشهد الإعلامي

خبراء: تغطية فايروس كورونا أظهرت ضعف الخبرات التحريرية في صياغة الأخبار الصحية وهو جزء من ضعف وسائل الإعلام.
الأربعاء 2020/07/15
المتخصصون في المرتبة الثانية على الشاشات العراقية

عرت التغطية الإعلامية لوباء كورونا في العراق الضعف المهني لوسائل الإعلام المحلية وارتهانها للسياسيين الذين يستحوذون على المنصات ويحولونها إلى منابر للسجالات السياسية على حساب أي قضية أخرى.

بغداد – أقحمت وسائل إعلام عراقية السجالات السياسية والنقاشات الحادة في تغطيتها لأزمة وباء كورونا، ليصبح الخبراء والأطباء المتخصصون في المرتبة الثانية رغم أن العراق يحتل المرتبة الأولى عالميا في الوفيات بالنسبة لعدد الإصابات.

ووفق ما ذكر تقرير بيت الإعلام العراقي، تجاهلت العديد من وسائل الإعلام العراقية تخصيص تغطيات مناسبة لانتشار وباء كورونا منذ بداية انتشاره وصولا إلى منتصف الأزمة في البلاد في مارس الماضي، ثم بدأت بالاهتمام بالموضوع وتوسيع تغطيتها كتحصيل حاصل بعد أن أصبح الوباء القضية الأساسية في البلاد، لتنتقل من ضعف الاهتمام إلى التهويل عبر تغطيات غير رصينة ساهمت في إعطاء إشارات متضاربة إلى الجمهور والرأي العام بين الهلع وبين التجاهل وعدم أخذ الأمر بجدية.

ولاحظ التقرير أن نحو 10 في المئة من وسائل الإعلام العراقية فقط خصصت تبويبات وتغطيات خاصة حول الوباء لمساعدة الجمهور في متابعة تطورات الوباء وآخر الأخبار المتعلقة به إلى جانب طرق الوقاية، في حين تعامل الجزء الأكبر من وسائل الإعلام مع الوباء باعتباره خبرا رئيسيا فقط عبر تغطيات مكثفة بلا تنظيم، ما صعّب على الجمهور متابعة الأخبار حول الجائحة، وتشتيته في الحصول على معلومات وافية ورصينة بشأنها.

وأحد الأخطاء التي وقعت فيها وسائل الإعلام خصوصا القنوات التلفزيونية وفي برامج الـ”توك شو” الأكثر مشاهدة بين العراقيين، هو تحويل قضية الوباء وكأنها قضية سياسية عبر استضافة سياسيين ونواب لا خبرة طبية لهم لمناقشة الوباء، في حين تم تجاهل استضافة الخبراء في الشأن من الأطباء والكوادر الصحية في هذه البرامج، وتمت استضافتهم في برامج ثانوية في أوقات الصباح والظهيرة وكأن الموضوع ثانوي.

وتسبب إقحام سياسيين في مناقشة القضية بتحويل تغطيات إعلامية إلى فرصة للتسقيط السياسي عبر انتقاد المؤسسات الصحية والقائمين عليها أو انتقاد الجهات الحكومية والوزارية، فيما سمحت بعض وسائل الإعلام للترويج لتصريحات غير موفقة تتناول مفاهيم نظرية المؤامرة وغيرها مثل اتهام جهات دولية بالوقوف وراء الوباء، أو التشكيك في الأرقام المعلنة في دول أو التهويل فيها، فيما ساهمت وسائل إعلام أخرى بالترويج لرجال دين يتحدثون عن الروحانيات لمواجهة المرض، ورفض القرارات الرسمية لمنع التجمعات الدينية. وغابت القصص والتقارير الحصرية والتحقيقات الاستقصائية الصغيرة مع مرضى أصيبوا بالفايروس ومعايشة أوضاعهم خلال فترة المرض وأثناء الحجر، خصوصا الذين تم شفاؤهم من الفايروس، في حين أن مثل هذه التقارير الصحافية تعطي أفضل طرق التوعية عبر اطلاع الجمهور على ظروف المرضى به.

كما أظهرت التغطية ضعف الخبرات التحريرية في صياغة الأخبار المتعلقة بالفايروس، وهو جزء من ضعف الخبرة العامة لدى وسائل الإعلام العراقية في التعاطي مع الصحافة المتخصصة وبينها الصحافة الطبية، إذ أن صياغة الأخبار بمعظمها تمت بنفس طريقة صياغة الأخبار السياسية والأمنية، ما أدى لإيصال تصورات خاطئة إلى الجمهور عبر أخبار معينة مثل وجود أدوية لمعالجة الفايروس أو لقاحات ضده، في حين كان مضمون هذه الأخبار أن مراكز أبحاث طبية دولية تجري تجارب للتوصل إلى علاجات.

رجال الدين يروجون للشعوذة على شاشات التلفزيون لمواجهة الوباء
العراق يحتل المرتبة الأولى عالميا في الوفيات بالنسبة لعدد الإصابات

وأفاد التقرير أن وسائل إعلام محدودة جدا سمحت بنشر مقالات ودراسات حول الفايروس لأطباء ومختصين في الشأن الطبي على مواقعها الإلكترونية، في حين كان الجزء الأكبر من المقالات في هذا الشأن لمحللين وخبراء سياسيين حول الفايروس تم تناولها من وجهة نظر استراتيجية، مقابل غياب المقالات الطبية المتخصصة.

ورصد التقرير التغطيات الإعلامية المحلية لوباء كورونا وكيفية تعاطي وسائل الإعلام المختلفة معه، وتشمل القنوات التلفزيونية والوكالات والمواقع الإخبارية والصحف، عبر تتبع نوعية الأخبار والتقارير والتحقيقات التي أنتجتها وسائل الإعلام حول الوباء إلى جانب تحليل نوعية هذه التقارير ومدى تلبيتها لمتطلبات الأزمة التي تمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه البلاد في الظرف الراهن بالإضافة إلى التحديات السياسية والاقتصادية الحالية.

وأصدر عدة توصيات لوسائل الإعلام شدد فيها على تجنب التورط في إقحام التغطيات الخاصة بالوباء في السجالات السياسية، وعلى وسائل الإعلام باعتبارها الجزء الأهم في التواصل مع الجمهور، المساهمة بشكل فاعل واستثنائي في التوعية من خطر فايروس كورونا، ويكون ذلك عبر إعطاء فسحة واسعة من التغطيات واستضافة ذوي الاختصاص في البرامج الحوارية والتقارير والتحقيقات في نشرات الأخبار الرئيسية والمواقع الإخبارية والصفحات الأولى للصحف.

ويجب توفير الخبرات اللازمة للكوادر الصحافية خلال التغطيات الإعلامية المتخصصة الطبية، تبدأ في طرق صياغة الأخبار الطبية، وكيفية تغطية الأوبئة إعلاميا، والوسائل المستخدمة في نشر المحتوى الخبري، وتطوير أقسام الفيديوغراف والإنفوغراف والجداول الإحصائية والرسوم البيانية لكونها الأكثر فهما في إيصال المحتوى الخبري مقارنة مع الطرق التقليدية المكتوبة.

ورغم أن أعداد الإصابات المعلنة في العراق تبدو محدودة، إلا أن نسب الوفيات إلى الإصابات حلّت في المرتبة الأولى عالميا وبنسبة تصل إلى 10 في المئة مطلع مارس الماضي وانخفضت إلى 7 في المئة منتصف الشهر نفسه، لكنها تبقى الأعلى عالميا.

لذلك من الضروري التوجه نحو إنتاج تقارير حصرية ذات صبغة استقصائية ولو صغيرة ومحدودة عبر لقاء أطباء ميدانيين ومرضى أصيبوا بالفايروس وكذلك مع عائلاتهم لإيصال تجاربهم ونصائحهم إلى الجمهور بسرعة وسهولة.

18