كورونا تفرض الصمت والهوس أيضا

في ظل طفرة الهوس التي ضربت جل النشاطات الرياضية في العالم، يغيب الخطاب المطمئن ويكاد ينحسر كليّا.
السبت 2020/03/14
قطاع الرياضة بات تحت المجهر بين الإلغاء والتأجيل والتعليق

كورونا فايروس العدوى القاتلة لكنه فايروس الصمت المطبق على الملاعب الرياضية والهوس المفرط أيضا. كما فعل هذا المرض المُعدي فِعلته في الأنشطة الاقتصادية والتعليمية وشلّ حركة التجارة والنقل بأصنافه بين الدول في مختلف أرجاء العالم، ها هو يفرض حظرا شاملا على الأنشطة الرياضية بأنواعها، المحلية والإقليمية والدولية.

قطاع الرياضة ذو القاعدة الجماهيرية الواسعة في أوروبا وآسيا وأفريقيا بات تحت المجهر. بين الإلغاء والتأجيل والتعليق يعدّل المنظمون روزنامة بياناتهم كل ساعة ودقيقة وحسب المستجد من الأمور يوميا. يتابعون بهوس شديد الأخبار القادمة من هذا البلد أو ذاك للوقوف على آخر المعطيات بخصوص مباريات تفرض التنقل بين دول التكتل.

عربيا لا يختلف الأمر عن أوروبا وآسيا، حيث اللعب دون حضور جمهور سيّد الموقف لجل المنافسات الرياضية توقّيا وحماية للاعبين والجماهير على حد سواء. في السعودية كما الإمارات والأردن ولبنان وأيضا في تونس والجزائر والمغرب. جلّ هذه الدول تقريبا تقرّر فيها خوض المباريات خلف أبواب موصدة.

هكذا هو الهوس عندما يبلغ مداه وتصبح العدوى من انتقال الفايروس بين الجمهور الرياضي في المدرجات وحتى بين اللاعبين أنفسهم دعوة صريحة للهروب من واقع مرّ يفرضه “كوفيد-19” على المهووسين برياضات مختلفة تتباين في أنشطتها لكنها تجتمع حول تزايد أعداد المولعين بها يوميا بين هذا البلد وذاك وحتى داخل البلد نفسه.

بين دوري كرة السلة الأميركي للمحترفين “أن.بي.أي” الذي تم تعليقه حتى إشعار آخر، إلى مختلف الدوريات الأوروبية بدءا بإيطاليا البلد الأكثر تضررا من انتشار الوباء، وتوقفت فيها جميع مباريات “السيري أ” حتى الثالث من أبريل القادم، فإسبانيا التي قررت الأربعاء تعليق نشاط الدوري لمدة أسبوعين، إلى فرنسا التي أوقفت الجمعة جل الأنشطة الرياضية وإنجلترا التي علقت مباريات بانتظار فرض الحظر على أخرى، إلى مباريات مسابقتي دوري الأبطال والدوري الأوروبي التي لن تلعب جميعها الأسبوع المقبل بقرار من الاتحاد الأوروبي للعبة، يسود صمت مطبق بسبب كورونا “العنيد” الذي أثار الرعب في قلوب الجميع ودفع إلى حظر شامل لجميع الرياضات دون استثناء.

عمليا تبدو المسألة شديدة الخطورة تفترض آليا الحذر والتوقي خوفا على صحة الناس. لكن تطبيقيا فإن قرار التعليق أو الإلغاء يلوح جريئا خصوصا لبطولات كبرى على غرار مسابقة دوري أبطال أوروبا التي يتابعها الآلاف بل الملايين من عشاق كرة القدم حول العالم.

الأزمة باتت شاملة ولا تتهدد نشاطا رياضيا بعينه. مختلف الرياضات باتت مهددة بالتأجيل أو الإلغاء. هناك دعوات صريحة يوميا لإلغاء جميع التظاهرات الرياضية التي تستقطب أعدادا كبيرة من الجماهير. الجانب الوقائي هو الأساس في هكذا ظروف طارئة ولا تستدعي التأجيل. هذا معلوم لكن المعلوم أيضا أن هذا سيبعثر روزنامة الأحداث في قادم الأيام ويخلف ارتباكا كبيرا لدى المنظمين خصوصا أن الموسم الرياضي دخل انعطافة المراحل النهائية.

في ظل طفرة الهوس التي ضربت جل النشاطات الرياضية في العالم، يغيب الخطاب المطمئن ويكاد ينحسر كليّا. الكل مهووس بمتابعة أخبار “كوفيد19-” ووقعه على العالم برياضييه وسواهم من عامة البشر. تناسى الجميع أنه فايروس كغيره من الفايروسات. صحيح أنه يختلف في مكوناته وتركيبته المتحولة وعدواه الشديدة، لكن فرص التعافي منه قائمة بنسبة كبيرة. لمَ الهوس إذن؟

الإجابة تقدمها معطيات منظمة الصحة العالمية التي أعلنت الأربعاء تصنيف الفايروس وباء عالميا، قياسا بحجم الأضرار التي خلفها إلى حد الآن وعدد المتوفين الذين راحوا ضحيته من كبار السن أساسا. أما الرياضيين، وإلى الآن فلا توجد معطيات أو معلومات عن وفاة أحدهم، فقط سجلت إصابة مدافع يوفنتوس الإيطالي دانييلي روجاني بالعدوى لكنه خرج مطمئنا لعشاقه وشاكرا لكافة الأطقم الطبية التي تقدم له العون والمساعدة على التعافي.

فعل فايروس كورونا فعلته بالبشر في مختلف بقاع العالم، لكن ما فعله بالرياضة والرياضيين لا يمكن تخيّل تبعاته ووقعه على نفوس اللاعبين قبل المدربين ورؤساء الأندية حتى. يتجلى هذا المظهر في أبهى صوره في تعليق لنجم كرة السلة الأميركي ولاعب فريق لوس أنجلس ليكرز العملاق ليبرون جيمس الذي كتب على تويتر يقول “نلغي الأحداث الرياضية، المدارس، العمل، أشياء أخرى. ما نحتاجه بحق هو إلغاء عام 2020، اللعنة. كانوا ثلاثة أشهر في غاية الصعوبة”.

رغم أنه يصعب التكهن بمآلات الأمور في قادم الأيام في ظل الانتشار الواسع لهلع كورونا وما خلفه من ارتدادات في نفوس البشرية من حيطة وتوقّ، لكن الأكيد أن مختبرات البحث الطبية لا يهدأ لها جفن من أجل إيجاد اللقاح المناسب لـ”كوفيد19-” الذي أثار حيرة العالم. بانتظار الخبر اليقين يظل الوضع على ما هو عليه، فيما الرسالة الواجب استحضارها في هكذا أوضاع أنه “بكورونا أو غيره: العمر واحد والعداد لن يخطئ الرقم أبدا”!

23