كوابيس كورونا تقلب موازين السياحة التونسية

قلبت كوابيس كورونا موازين السياحة التونسية في أعقاب إجراءات عالمية مشددة على حركة السفر وأنشطة المطارات، ما دفع الحكومة إلى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي لتعبئة موارد مالية، إضافية إلى مواجهة الوباء الذي شطب الآلاف من الوظائف وهدد بقطع أحد أهم شرايين الاقتصاد.
تونس - لجأت الحكومة إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض لمواجهة جبل من الخسائر لأحد أعمدة الاقتصاد التونسي وهو القطاع السياحي، مما أجج مؤشرات الانكماش وهدد التوازنات المالية العامة وخزان النقد الأجنبي.
وأظهرت رسالة رسمية أرسلتها السلطات التونسية إلى صندوق النقد أن قطاع السياحة الحيوي مهدد بخسائر قد تصل إلى أربعة مليارات دينار (حوالي 1.4 مليار دولار) وفقدان 400 ألف وظيفة بسبب تداعيات أزمة فايروس كورونا بينما تسعى الحكومة لضمان قرض من دول شريكة لإصدار سندات هذا العام.
وجاء في الرسالة التي وقعها محافظ البنك المركزي مروان العباسي ووزير المالية نزار يعيش أن الحكومة تتوقع أن ينكمش الاقتصاد بأكثر من 4.3 في المئة هذا العام في أسوأ ركود منذ استقلال البلاد في 1956.
وقال الخبير الاقتصادي نادر حداد في تصريح خاص لـ”العرب”، “تونس لا تستطيع الخروج إلى الأسواق المالية العالمية في ظل هذه الظرفية الاقتصادية الصعبة التي يعيشها العالم خصوصا في سوق السندات”.
وشطب الفايروس الوظائف المرتبطة بقطاع السياحة مثل العمالة في مجال المهن الحرفية. وتساءل الخبير الاقتصادي “عما إذا كانت الحكومة التونسية تنوي إسناد حزمة إجراءات تحفيزية للقطاع السياحي كالإجراءات التي أقرتها سابقا عام 2015”.
وكانت الحكومة قد أقرت عام 2015 حزمة حوافز لفائدة القطاع السياحي لتخفيف تداعيات الهجمات الإرهابية الكبيرة التي كلفت القطاع السياحي خسائر كبيرة جراء عزوف السياح عن القدوم إلى تونس خلال تلك الفترة.
وقال صندوق النقد الدولي، الذي كان قد أقرض تونس الأسبوع الماضي نحو 745 مليون دولار لمعالجة آثار أزمة كورونا “إن برنامج تمويل جديدا مع تونس قد يبدأ في النصف الثاني من العام الحالي”.
ويُفترض أن ينتهي البرنامج القديم الموقع في 2016 بقيمة 2.8 مليار دولار في أبريل الحالي لكن السلطات التونسية طلبت وقفه تحت ضغط تفشي فايروس كورونا.
واتفقت تونس والصندوق على بدء برنامج جديد لم يجر تحديد قيمته حتى الآن. وفرضت تونس إغلاقا عاما وتسبب الإغلاق الذي شمل أغلب بلدان العالم في شلل كلي لقطاع السياحة الرئيسي في تونس والذي يمثل حوالي 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وهو ثاني أكبر قطاع مشغل للأيدي العاملة بعد الزراعة.
وتعد صناعة السياحة في تونس مصدرا رئيسيا لجلب العملة الأجنبية، واستقبلت البلاد العام الماضي لأول مرة تسعة ملايين سائح وحققت إيرادات وصلت إلى حوالي ملياري دولار.
وقال الخبير إن “مخزون تونس من العملة الصعبة سيشهد تراجعا كبيرا مع تراجع السياحة بعد تسجيل أرقام قياسية العام الماضي، وهو ما يفسر خروج تونس إلى السوق المالية العالمية“.
وسجلت تونس طفرة في النقد الأجنبي العام الماضي حيث سجل القطاع السياحي عوائد بلغت 2 مليار دولار حسب البيانات الرسمية للمصرف المركزي.
وقال صندوق النقد إن من المتوقع أن يرتفع العجز المالي لتونس من 2.8 في المئة في 2020 إلى 4.3 في المئة مع توقع زيادة الإنفاق والاقتراض بسبب الأزمة الحالية.
وفي الرسالة، تعهدت السلطات التونسية بحزمة إصلاحات تشمل تخفيض دعم الطاقة على غرار الكهرباء والغاز الطبيعي باستثناء غاز الطهي، إضافة إلى إصلاح المؤسسات العامة والسيطرة على فاتورة الأجور. وتضمنت ميزانية 2020 خطة لإصدار سندات بقيمة تصل إلى 877 مليون دولار، لكن المسؤولين لم يحددوا أي موعد لإصدارها حتى الآن.
وقالت السلطات ضمن الرسالة إنها تعمل مع حكومات شريكة للحصول على ضمان قرض لإصدار سندات لاحقا.
السلطات التونسية تعمل مع حكومات شريكة للحصول على ضمان قرض لإصدار سندات
وقال الصندوق إن تونس تبحث مع إحدى دول مجموعة السبع الحصول على هذا الضمان.
وفي هذا السياق قال الخبير الاقتصادي نادر حداد إن “تونس لا تملك ترقيما سياديا يمكنها من الخروج إلى سوق السندات في ظل هذه الأجواء المشحونة، مما يجبرها على طلب ضمان من دول مجموعة السبع مع امتداد عواقب الفايروس وتأثيرها الكلي على حركة المطارات وغلق الحدود وتراجع الاقتصاد العالمي، خصوصا بالنسبة للدول الشريكة لتونس تجاريا واقتصاديا”.
وامتدت انعكاسات كورونا إلى مختلف مفاصل الاقتصاد في البلد حيث تسبّبت في ركود نشاط السفن البحرية ونشاطات التصدير والاستيراد وكبلت حركة المسافرين والسياح وأحدثت عطبا في محركات النمو إضافة إلى تراجع الاستهلاك.
ولم يخف رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ توقعاته بانخفاض مؤشرات النمو، حيث صرّح بأن “حكومته خفضت توقعات النمو الاقتصادي إلى واحد في المئة من 2.7 في المئة”، مشيرا إلى أن فايروس كورونا من بين أسباب التراجع المتوقع.
وقارن الخبير نادر حداد بين الخسائر في تونس ولبنان موضحا أن “الخسائر ستكون كبيرة في كل البلدان العربية حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، ولكن في تونس ستكون أقل من لبنان الذي تصل الخسائر فيه إلى 12 في المئة مقارنة بنحو 4.3 في المئة تراجع في معدل الناتج المحلي الخام“.
وفي ظل توقعات استمرار القيود على السفر والمخاوف العالمية مع تواصل حصد الوباء للأرواح ستكون تونس حسب المؤشرات في مواجهة انهيار اقتصادي كبير.
ورغم الأزمة حاولت الحكومة الحديثة تخفيف وطأة الفايروس على المتضررين من أفراد وشركات بصرف حوالي 70 دولارا بالنسبة للأسر وتأجيل سداد قروض وتسهيلات ائتمانية للشركات الصغيرة والمتوسطة في مختلف المجالات.