كم يبلغ وزن كلمتك؟

المخيلة البشرية تبني مشاهدها بالتركيب، جامعة صورة من هنا وأخرى من هناك لخلق عالم لكل عقل يعيش فيه ويرى العالم على هيئته.
الجمعة 2021/08/13
الكلام يختلف باختلاف حجم الأصوات

تبني المخيلة البشرية مشاهدها بالتركيب، جامعة صورة من هنا وأخرى من هناك لخلق عالم لكل عقل يعيش فيه ويرى العالم على هيئته. وهنا تلعب لغة الإنسان بخصائصها دورها الكبير، وكلّما تضخّم قاموسه تضخم خياله لأن الأشياء كلمات في الأول والآخر.

الفقر اللغوي فقر في التصوّرات. وهذا لا يمكن حلّه بالاحتيال عليه، وإن قالت بعض النظريات إنه يمكن لغير القادرين على النطق أيضاً حيازة خيالاتهم الخاصة عن العالم، إنما هذا لا يعني أنهم لم يستعملوا الكلمات ولكن على طريقتهم الخاصة.

تيمور الذي سأشير إليه كمثال، ليس الغازي سيء الذكر تيمور لنك الذي قلب علينا الدنيا وهدم دمشق والحواضر العربية ودمّرها وأسر صناعييها وعلماءها ومهندسيها وأخذهم معه ليبنوا له مدنه في البعيد. هذا تيمور آخر. هو قط بلون الزنجبيل يسمع يعيش معنا، ويصغي طيلة النهار إلى أصوات لا يعلمها إلا الله. ومع أني أعلم أن هذا الهارون يمكنه أن يسمع أصواتا لا تلتقطها الأذن البشرية، مثله مثل الكلاب والحيوانات المختلفة، إلا أن اهتمامه بتلك الأصوات يثير الفضول لديّ أكثر من فضول القط ذاته، والفضول قتل القط كما يقول المثل الإنجليزي. فالويل للإنسان من فضوله.

إلى ماذا يصغي من يمتلكون قدرات أكبر من قدراتنا على السمع، وكيف تتم ترجمة تلك الأصوات إلى صور، وكيف سيكون العالم الجديد بهذه الطريقة.

الكون مليء بالأصوات، تخيّل لو أنك قادر على التقاط أصوات قطرات الندى وهي تهوي مع ساعات الصباح الأولى من على ورق الورد، أو صوت احتكاك أجنحة الحمام بالهواء الساكن، أو حديث النمل كما فعل سليمان، وكل تلك ستكون عناصر جديدة حية تدخل إلى عالمك الشخصي.

ولكن يا عزيزي القارئ، حين تعلم بأن الباحثين قد اكتشفوا مؤخراً أن الأصوات ليست مجرد اهتزازات وأن لها كتلة، سيتغير فهمك للعالم من حولك. انسَ ما درسته في المدرسة والجامعة. الدنيا تغيّرت. فقد نشر بحث في مجلة “فيزيكال ريفيو ليترز” يبرهن على أن الموجات الصوتية لديها كتلة، وأن الأصوات واقعة تحت التأثير المباشر للجاذبية. فـ”الفونونات” التي هي مجموعة استثارات شبيهة بالجسيمات مسؤولة عن نقل الموجات الصوتية عبر الأوساط، تحوي كمية ضئيلة من الكتلة في مجال ثقالي.

هل تعرف ماذا يعني هذا؟ يعني أنك بمجرد سماعك للأصوات تقع تحت تأثير حركة موجية هائلة من الجاذبية ولهذا فأنت لا تسمع فقط وإنما تنجذب وتتباعد وتنضغط وتتطاول في نفس الوقت. ومن جهة مقابلة، حين تصدر الأصوات عنك أنت، هل فكّرت يوماً بأن كلمتك لها وزن؟ كلمة خفيفة وأخرى ثقيلة وثالثة لا تكاد تذكر؟.

 
24