كرة النار في كركوك

في يوم تعيس، وبالذات في 4 أكتوبر 2008 استقبل نوري المالكي رئيس حكومة العراق الفيدرالي، عدداً من وجهاء ورؤساء عشائر محافظة كركوك، وقال لهم “يجب أن تكون الحلول المتعلقة بمدينة كركوك خارج إطار القانون والدستور والمادة 140”.
ذلك الكلام غير المسؤول من مسؤول من المفروض أن يكون حريصاً على تنفيذ الدستور، فاقم الانقسامات السياسية والقومية في كركوك، ودفع المواطن الكركوكي إلى التشاؤم بشأن حلّ الأزمات التي يعاني منها وبخلق الفرص المتكافئة أمامه والتوصل إلى اتفاق لتنفيذ الدستور، والتوصل إلى يقين بأن الضغوط التي تمارس على الطبقة السياسية، الرافضة للتنازل عن امتيازاتها ومصالحا وارتباطاتها الخارجية وغير المستعدة لإيجاد طريقة معقولة للخروج من المآزق طويلة الأمد في كركوك، لا تخرج عن نطاق التلويح والمجاملة وسوق التبريرات السياسية التي كثرت وتعفنت، وأن الخلافات ستبقى في سبيل احتجاز مدينته كرهينة دون مساءلة أو خشية من مواجهة العدالة.
أما الذي جاء بعده بالصدفة، أقصد حيدر العبادي، وبعد خرقه للدستور والقانون في 16 أكتوبر 2017، فقد غض الطرف عن جرائم الهدم والحرق والنسف والاغتيال والاختطاف والتعذيب والتهجير والترهيب والتعريب، وعن الكثير من الانتهاكات الصارخة المنافية للمبادئ الأساسية للقانون والدستور والمعايير الاخلاقية، واكتفى بإطلاق وعود وتعهدات جوفاء بمعاقبة الجناة، دون أيّ خطوات على أرض الواقع، ولأن الضالين في عهده كانوا يتمتعون بالحصانة المطلقة، أصبح الإفلات من العقاب سمة من سمات الوضع السياسي والإداري والأمني المفروض على كركوك.
◙ الكلام غير المسؤول من مسؤول من المفروض أن يكون حريصاً على تنفيذ الدستور، فاقم الانقسامات السياسية والقومية في كركوك، ودفع المواطن الكركوكي إلى التشاؤم بشأن حلّ الأزمات
بعد الاتفاق على تشكيل حكومة محمد شياع السوداني كان لا بد من اللجوء إلى استخدام آليات بديلة ومحايدة للتخفيف من معاناة الكركوكيين والإطاحة بالذين يتصرفون أو يدعمون التحركات التي تمنع وتعثر أو تقوض وتربك تنفيذ الدستور. ولكن دون أيّ إجراءات قانونية أو دستورية ودون مناصرة الحق، مارس بعضهم الظهور بمظهر الشوفيني والعنصري المتبجح الذي يتفوق على غيره من الشوفينيين وحاول كسب أصواتهم والظهور بمظهر المدافع عنهم، ولأنهم، أي الشوفينيين، يدركون أنهم لا يمتلكون الحق الكافي لهزيمة إرادة الكرد أو حتى المساس بها، أخذوا يلعبون على وتر المتناقضات المحلية والإقليمية ويستغلون استمرار الكرد في لعب دور الطرف الحريص الذي يحترم مصالح الجميع وينصاع إلى رغبات الساعين للوئام. فقد زجوا ببعض الغوغائيين المسلحين في اعتصام مدفوع الثمن أمام مقر قيادة كركوك للبارتي، وبعد أيام من الفوضى انتهى الاعتصام بعد أن استشهد عدد من المواطنين الكرد، وتم اعتقال عدد من المتظاهرين السلميين الكرد، أيضاً، ومحاصرة الأحياء والمناطق الكردية، فقط، بقوات وآليات عسكرية، ودون معاقبة أحد من المجرمين المعروفين، أعلنت الحكومة العراقية تشكيل لجنة تحقيقية لكشف ملابسات الحوادث المؤسفة ومعاقبة المسؤولين عنها، علماً أن جميع العراقيين يعرفون أن تشكيل اللجنة التحقيقية يعني التسويف والتماطل والتسجيل ضد مجهول.
وإذا أردنا أن نشير إلى الوسائل الكفيلة بتصحيح المسار وإنهاء الأزمات المصطنعة والمأساة المتفاقمة التي تزداد سوءاً، كل يوم، لا بد من توجيه النقد دون مواربة إلى الأحزاب الكردستانية التي خرجت عن الإجماع الكردستاني، وإلى حكومات بغداد المتعاقبة التي مارست دور المتفرج تارة ودور المثير للشغب تارة أخرى والوقوف مع طرف ضد آخر في أحايين كثيرة، ممارسات دفعت الكركوكيين الذين يعانون من كل أشكال القهر والاضطهاد والشعور بالغبن الحكومي غير المبرر، إلى الشعور بأنهم غير مشمولين بالمواطنة الحقيقية، وبأن كرة النار في مدينتهم تكبر وقد تنفجر في لحظة لا ينفع بعدها الندم.