المحكمة الاتحادية وتركمان كردستان

المفارقة المضحكة - المبكية أن الذين رفضوا القانون الحالي المعدل ست مرات بالاعتماد على الشرعية القانونية والبرلمانية ووصفوه بالقديم ولا يناسب متغيرات الحياة سيتعاملون مع قانون قديم شرع عام 1992.
الخميس 2023/10/26
برلمان يحتاج إلى جماليات التنويع

خلال انتخابات برلمان كردستان في أيلول – سبتمبر 2018 فاز الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) بالأكثرية، وكان ذلك أمرا متوقعا بالنسبة إلى الكردستانيين، وكذلك للآخرين الذين يراقبون وضع الإقليم، فمسيرته الطويلة وإنجازاته التي ارتكزت على الأولويات المهمة، وانتهاجه مسارا حكيما في التعامل مع مختلف الأطياف من قوميات وإثنيات تعيش على أرض كردستان، منحه الأحقية في قيادة الإقليم ورسم سياسته ورعاية مصالحه، ودفع الناخب الكردستاني إلى اختياره والتصويت له.

أما الأحزاب الأخرى التي حصلت على مقاعد أقل من توقعاتها، أو بالأحرى التي تراجعت ونالت ما تستحق من مقاعد برلمانية، فقد بادرت بإلقاء اللوم على قانون ومفوضية انتخابات الإقليم وساهمت بعضها في تلبيد الأجواء والتخندق خلف ستار التضليل والتشويه والتشبث بأفكار عفا عليها الزمن، كي تستغلها كذريعة للمطالبة بامتيازات خاصة وصل بعضها إلى درجة المستحيل في ظل القانون. وخلال الدورة البرلمانية الخامسة التي بدأت في 2018 واستمرت إلى غاية 2023، طالبت بعض الأحزاب بتعديل قانون الانتخابات، ووصفت القانون الانتخابي بأنه “قديم جدا وفقد روحه، ولم يعد نافعا في الوقت الحالي، ولا يتناسب مع متغيرات الحياة السياسية”، على الرغم من تعديله من قبل برلمان كردستان، ووصفه من قبل فقهاء القانون بأنه قانون مكتمل ليست فيه أي ثغرات قانونية.

مع ذلك جرت مداولات ومناقشات مستفيضة وتوافقات وطنية وسياسية لإعادة النظر في القانون المذكور وتعديله، ولكن وجود النوايا المبيتة التي كانت تهدف إلى تأخير الحسم فيه إلى حين انتهاء الدورة البرلمانية، ومحاولات اغتيال الحقيقة خوفا من النتائج المتوقعة في ظل أزمة المصداقية والانهيار الذي كانت تعيشه بعض الأحزاب نتيجة لأخطائها الفادحة التي اقترفتها، حال دون ذلك، وبقي القانون مركونا على رفوف البرلمان الكردستاني لنحو سنتين كاملتين. ولم يتم إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري. وهذا ما حدا برئاسة الإقليم إلى تأجيل موعد الانتخابات لعام كامل وتحديد موعد جديد.

◙ خلال الدورة البرلمانية الخامسة التي بدأت في 2018 واستمرت إلى غاية 2023، طالبت بعض الأحزاب بتعديل قانون الانتخابات، ووصفت القانون الانتخابي بأنه “قديم جدا وفقد روحه، ولم يعد نافعا في الوقت الحالي

وخلال ذلك، لم يحاول بعضهم التعاطي مع التحديات القائمة بحكمة إلى حين انتهاء العواصف، وطرحوا مطالب لا تخلو من التراجع إلى الوراء في المجالات التي تتعلق بمبادئ الديمقراطية والحقوق المدنية والحريات العامة والاستحقاق المكوناتي في سبيل استثمار المواقف سياسيا وشعبيا، ورفعوا سقف مطالبهم عاليا على غرار دعوتهم إلى طاولة المشاورات في مسارات معينة كان من أولوياتها إعاقة إجراء الانتخابات بكل الوسائل، وبعثرة أصوات البارتي والعصف بحقوق المكونات التركمانية والمسيحية والبحث عن تصورات جديدة لتقليل عدد مقاعدهم في الكوتا، أو توزيعها على الجغرافيا الكردستانية.

وعوضا عن تناول الأمور بوعي ورؤية واقعية واضحة، والتصرف بعقلانية، وتهربا من مأزق الانتخابات، وتغطية للخلافات الناشبة بين صفوفهم، لجأ البعض إلى المحكمة الاتحادية لتسجيل دعاوى تتعلق بالكوتا وقانون الانتخابات، ظنا منهم (وبعض الظن إثم) أن المحكمة ستنصرهم ما دام الطرف الآخر هو البارتي.

المحكمة الاتحادية أجلت إصدار الحكم بهذا الشأن لعدة مرات، ومن المقرر أن تعقد جلسة جديدة حول الموضوع في يوم 5 تشرين الثاني – نوفمبر 2023 لتحسم الجدل والسجال. وإذا قررت رد الدعوى، وهذا هو المتوقع لأنها على علم بأن الإقليم والعراق والمنطقة برمتها تعيش على صفيح ساخن وفي ظروف مليئة بالهموم والتنازع والتعقيد ولا تريد أن تصب الزيت على النار، سيتم إجراء الانتخابات التشريعية المزمعة في 25 من شهر شباط – فبراير المقبل وفق القانون النافذ دون توترات، أما إذا حكمت لصالح المشتكي الذي يطالب بإلغاء التعديلات وإعادة القانون إلى نسخته الأصلية، عندها تتحمل مساءلة التاريخ، وستجرى الانتخابات وفقا لقانون المجلس الوطني الكردستاني لعام 1992، ويحرم تركمان كردستان من المشاركة في البرلمان.

والمفارقة المضحكة – المبكية هنا هي أن الذين رفضوا القانون الحالي، المعدل ست مرات بالاعتماد على الشرعية القانونية والبرلمانية، ووصفوه بالقديم الفاقد للروح وغير المناسب مع متغيرات الحياة السياسية، سيتعاملون مع قانون قديم شرع في 1992 من قبل الجبهة الكردستانية بالاستناد إلى الشرعية الثورية، قانون لا يحتوي على وجود الكوتا للتركمان، ويحرم الأحزاب التي لا تفوز بأكثر من 7 في المئة من المقاعد من المشاركة في البرلمان. وهذا يعني أننا (ربما) نجد برلمانا بدون التركمان والأحزاب الإسلامية والأحزاب الصغيرة التي تضيف الثقة والجمالية للمشهد السياسي والبرلماني في الإقليم.

9