كثرة مكاتب الزواج تكشف صعوبة إيجاد الشريك

تؤشر الزيادة في مكاتب ووكالات الزواج على أن الزواج واختيار الشريك باتا من أكثر الخطوات صعوبة بالنسبة للشباب اليوم، ويرى مختصون أنها تدل على أن الزواج اليوم أصبح أشبه بعملية استثمارية وصارت المسألة عبارة عن تجارة وبيزنس، وانتشرت إعلانات الزواج في الصحف والمواقع الإلكترونية، ودخل الحب والزواج البورصة والسوق السوداء في عصر طغت فيه المادة على جل تفاصيل الحياة.
تتعدد العوامل التي تدفع الشباب والفتيات اليوم إلى الارتباط عن طريق مكاتب الزواج، ولكل تجربته الخاصة معها فنجد من يقولون إنهم بفضل خدمات واستشارات هذه المكاتب ووساطتها تمكنوا من إيجاد الشريك المناسب وتزوجوا وهناك من يعتبرها فاشلة في تحقيق أهدافه في الحصول على شريك يناسب طموحاته ويستجيب لشروطه ويتهمها بأنها مؤسسات تهدف فقط إلى الربح المادي.
تقول ميساء (34 سنة، موظفة) “بسبب إلحاح أمي اضطررت إلى الذهاب إلى أحد مكاتب الزواج بعد الاتصال به ومعرفة شروطه، وملأت استمارة التعارف كما يطلق عليها، وسددت مبلغا ماليا مقابل الاستمارة، وبعد حوالي شهر اتصلوا بي وحددوا لي موعدا مع شاب ولكن لم يحدث تجاوب بيننا، فطلبوا مني مبلغا آخر بانتظار توفير الشخص المناسب، وبعد أربعة أشهر ذهبت لأكتشف أنهم تركوا المكتب، لأنه عبارة عن شقة مفروشة وأن حالات كثيرة أخرى قد وقعت ضحية للنصب مثلي”.
أما محمد سليمان، والد إحدى الفتيات، فيؤكد “أثناء مطالعة صحيفتي وجدت إعلانا عن مكتب متخصص في الزواج، اتصلت به وذهبت إليه، وهناك قابلوني مقابلة رائعة، وأقنعوني برسالتهم، وطلبوا مني ملء استمارة ودفع مبلغ مالي وصورة لابنتي، لأن ذلك تم دون علمها. وبعد فترة اتصلوا بي مؤكدين أنهم وجدوا لها عريسا مناسبا وحتى لا أسبب لابنتي أي حرج، ذهبت وقابلت العريس ووجدته مناسبا لها”.
ويتابع سليمان “بسبب لهفتي على تزويج ابنتي بعد أن بلغت 40 عاما أسرعت بعقد القران، وعندما بدأنا في تجهيز الشقة تواترت الخلافات بيننا ولم نتفق، وبعد عدة محاولات ومداولات تم الاتفاق بيننا على إعطائه مبلغا مقابل طلاقها، لتتحول ابنتي العذراء من عانس إلى مطلقة”.
ويقول أحد أصحاب مكاتب الزواج إن 90 بالمئة من الحالات التي تقدمت تم زواجها فعلا، وأن جميع البيانات تحفظ في سرية تامة ولا يطلع عليها أحد إلا بعد الاتفاق على الزواج، فالسرية الكاملة هي شعار المكتب، والمقابلات تتم بمعرفة أهل الطرفين ووجودهما، ومن الحالات النادرة التي مرت عليه زواج رجل يبلغ من العمر 72 عاما من سيدة تبلغ 69 عاما وهما الآن زوجان سعيدان تخلصا من شعورهما بالوحدة بعد أن تركهما أولادهما بمفردهما.
وتعتبر أستاذة علم الاجتماع ليلى كمال أن العنوسة باتت كابوسا يطبق على الفتيات في وسط اجتماعي يجلدهن كل لحظة، سواء كان ذلك داخل البيت أو خارجه، وتدفع مثل هذه الضغوط الفتاة في بعض الأحيان إلى اللجوء لمكاتب الزواج؛ لتتزوج بأي رجل حتى ولو كان على ضرة، ولا مانع لديها أن تصبح مطلقة بدلا من عانس فذلك أهون عليها، ورغم أن تأخر سن زواج الفتاة يعود أساسا إلى عدم وجود قنوات اتصال جيدة بين الشاب والفتاة مثلما هو الحال في المناطق الريفية والشعبية، وأن الفتاة ليست وحدها المسؤولة عن هذه الظاهرة أو عن عزوف الشباب عن الزواج، إلا أنها تتحمل في أغلب الأحيان مسؤولية العنوسة.
وتضيف “قد تضطر بعض الفتيات إلى أخذ زمام المبادرة فيلجأن إلى مكاتب الزواج التي يتخذ بعضها من الزواج عملية استثمارية ويحقق الأرباح الهائلة من خلال المتاجرة بمشاعر العوانس، ورغم أن الفتاة تمتلك حق القبول أو الرفض إلا أنها قد تفقد هذا الحق تحت الرغبة في التخلص من لقب عانس”.
ويرى أستاذ الأمراض النفسية يسري عبدالمحسن أن البعض استثمر مشكلة العنوسة فاتخذها كتجارة لصالحه من أجل الكسب السهل، دون مراعاة مصائر الناس، وأصبحت حرفة لمن لا حرفة له، وانتشرت مكاتب التزويج مثلها مثل مكاتب السمسرة والتسفير والعقارات والدروس الخصوصية وغيرها، ومهما كان اسم المكتب، فكثيرون يشكون من تعرضهم لعمليات احتيال حقيقي.
واستطاعت بعض المكاتب في المقابل أن توفق بين الكثير من الأزواج وأن تحقق الأمل لهؤلاء المترددين عليها، لكن عندما يتحول الزواج إلى عملية استثمارية، فالمسألة تصبح عبارة عن تجارة وبيزنس وعرض وطلب، وهكذا أصبحت هذه المكاتب تعمل بلا ضابط أو رابط، بل إن بعض راغبي المتعة السريعة من الرجال الذين يصطادون فريستهم قد يجدون هدفهم من خلال ارتدائهم ثوب الرغبة في الزواج والذهاب إلى تلك المكاتب، وقد تتحول بعض هذه المكاتب إلى عمليات سمسرة للأثرياء وتصبح بمثابة أوكار وليس مكاتب زواج.
ومن جانبها تؤكد استشارية الأمراض النفسية كريمة فهيم أن الفتاة ليست وحدها المسؤولة عن هذه الظاهرة فهي ليست من فرض العرف الاجتماعي، أو المسؤولة عن الأوهام التي تقبع في أذهان البعض عن أن الزواج هدف الحياة الأكبر أو أن الشاب حين يتزوج يفقد حريته… وغيرها من الأفكار التي تقف وراء عزوف الشبان عن الزواج وتدفع الفتيات نحو الرغبة في الزواج.
العنوسة باتت كابوسا يطبق على الفتيات في وسط اجتماعي يجلدهن كل لحظة، سواء كان ذلك داخل البيت أو خارجه
وترى فهيم أن وجود هذه المكاتب في ظل انتشار العنوسة أمر ضروري، ولكن لا بد أن تكون تابعة لمؤسسات رسمية حتى يضمن كافة الأفراد صدق وأمانة العملية، أما المكاتب المنتشرة الآن فهي تسعى إلى الربح المادي قبل أي شيء آخر، لذلك فهي لن تحرص على تقديم الشخص المناسب ورغم أن هذا الأسلوب ليس الأمثل لتكوين العائلات، خاصة وأن معظم المترددين عليها يكونون قد يئسوا من حسن الاختيار، وربما يدفعهم ذلك لسرعة اتخاذ قرار الزواج، ثم سرعة اتخاذ قرار الطلاق أيضا، فتختفي مشكلة الفتاة كعانس وتظهر كمطلقة.
وتنصح المختصة النفسية بضرورة أن يتأكد أهل الفتاة من صدق نية الشاب المتقدم لها عن طريق المكتب، وألا يسمحوا للمكتب باستنزافهم ماديا، فالمكتب هنا يلعب دور الخاطبة والأقارب والأصدقاء علما بأن اللهفة على الزواج تؤدي إلى الخطأ في أغلب الحالات في اختيار العريس المناسب، خصوصا وأن الفتاة التي فاتها قطار الزواج تعتقد بعدم وجود من سيرضى بها، فتوافق على أي شخص حتى ولو كان متزوجا أو مطلقا. ويظل اللجوء إلى هذه المكاتب انعكاسا للواقع السيء للمجتمع ولواقع الشباب بالأخص لأن التعارف المباشر والأسري يوفر ضمانات أكثر لنجاح العلاقة الزوجية.