كثرة أوقات فراغ الأبناء معضلة تؤرق الأسر التونسية

إجراءات مجابهة الجائحة زادت من تمطيط أوقات الفراغ.
الخميس 2021/05/27
على الآباء أن يحسنوا توجيه أبنائهم

تشتكي العديد من الأسر التونسية من كثرة أوقات الفراغ التي اكتسبها  أبناؤها نتيجة نظام الدراسة بالأفواج وغلق فضاءات الترفيه وقاعات الألعاب خوفا من تفشي فايروس كورونا. وخلقت إجراءات مجابهة الجائحة وقت فراغ كبير لدى الأطفال والمراهقين، ساهم في خلق ضغط مضاعف على الأمهات، ما جعل خبراء علم الاجتماع يدعون إلى ترشيد أوقات فراغ الأطفال وحمايتهم من السلوكيات المحفوفة بالمخاطر وتأطيرهم لاكتساب مهارات جديدة.

فرضت الدراسة بنظام الأفواج على الطلاب في تونس أن يدرسوا يوما بيوم ما جعل معدل دراسة أقسام المراحل الأولى من التعليم الابتدائي لا تتجاوز يومين في بعض الأسابيع. وأمام غلق فضاءات الترفيه توقيا من انتشار فايروس كورونا أصبح الطلاب مجبرين على البقاء في المنزل لتمضية أوقات فراغهم ما خلق لأمهاتهم المزيد من الضغوطات، وذلك بسبب انغماسهم في سلوكيات خاطئة كإدمان الألعاب الإلكترونية والولوج المستمر إلى شبكات التواصل الاجتماعي، ومشاهدة قنوات تلفزية لا تتلاءم مع أعمارهم.

وتتوجس الأمهات خيفة من تنامي الظاهرة مع قدوم العطلة الصيفية والمزيد من توسع رقعة أوقات الفراغ.

وقالت نزيهة البوغانمي أم لبنتين إنها لم تعد قادرة على التحكم في سلوكيات ابنتيها اللتين أصبح الهاتف الذكي لا يفارقهما وخاصة ابنتها الكبرى التي أصبح لديها حساب على “تيك توك” وهي لم تتجاوز بعد عمر الـ12 عاما، ما أثر على مسار تعليمها وأدى إلى تراجع نتائجها الدراسية.

وأضافت البوغانمي لـ”لعرب” أنها رغم ذلك تفضل أن تبقى ابنتاها بجانبها عن أن ترسلهما للعب مع صديقاتهن خوفا عليهما من أصدقاء السوء، مشيرة إلى أن قاعة الألعاب الرياضية التي بجوارهم أغلقت بعد أن تم تسجيل إصابة أحد المتدربين بالفايروس، وكذلك أغلقت قاعة الألعاب التي يقصدها الذكور أيضا خوفا من انتشار العدوى، ما جعلها لا تطمئن على بنتيها إذا كانتا في الشارع أو مع الأصدقاء.

وأكدت ألفة القصوري أم لولدين يبلغان من العمر 7 و9 سنوات أن كثرة أوقات الفراغ أثرت بالسلب على ابنيها وزادت من كسلهما وخمولهما وجعلتها يوميا تكرر على مسامعهما نفس الكلام “إذا أردتما النجاح فما عليكما إلا استغلال وقت الفراغ في الدراسة والمراجعة”. وقالت القصوري إن كلامها عادة ما يروح هباء نظرا لأن ابنيها يفضلان مشاهدة التلفاز والإبحار على الإنترنت ومشاهدة أفلام الفيديو على المراجعة.

وقال أحمد الأبيض المختص التونسي في علم النفس إنه كان بالإمكان إيجاد حلول لكنّ الآباء مشغولون من جهة والأبناء لديهم حلول سهلة ومغرية من جهة أخرى وهي الهواتف والشاشات الموجودة في كل المنازل تقريبا.

الأسرة مدعوة إلى أن تكون على قدر من الصلابة في تعاملاتها مع أبنائها وتجيد التحكم في أوقات فراغهم وتحسن توجيههم

وأضاف، أن ما ينغمس فيه الأطفال على الهواتف الجوالة ليست مواد علمية أو مواد تسلية ذات منفعة وإنما مواد سطحية ومغرية ما يجعلهم قابلين للتأثر والانقياد بسهولة. كما أنهم لا يدخلون في حوار لنقد تلك المضامين، وإذا طلبت منهم العائلة أن يدرسوا فإنهم لن يلبوا طلبها كما أنهم لن يكونوا على قدر كبير من المستوى المعرفي ما يجعل العائلة تدخل في صراع مع المؤسسة الدراسية.

ودعا الأبيض لأن تكون الأسرة على قدر من الصلابة في تعاملاتها مع أبنائها وتجيد التحكم في أوقات فراغهم.

وأشار إلى أنه إذا لم يراجع الأطفال المواد التي درسوها فإنهم سيفقدون المهارات التي تعلموها سابقا، كما سيتضاءل مستوى قدراتهم على قراءة النصوص مثلا. هذا إضافة إلى أنهم إذا نزلوا إلى الشارع فإنهم سيحتكون بأبناء الجيران وأصدقاء السوء ما يخلق الخصومات والمشاكل ويؤهلهم لأن يكونون منحرفين.

وأكد الصحبي بن منصور أستاذ الحضارة بجامعة الزيتونة بتونس، أن الفراغ أنواع فمنه ما هو أوقات راحة للتلاميذ والطلبة، ومنه ما هو وقت ضائع يتسرب من العمر في عطالة لا منفعة من ورائها، سواء في التحصيل المعرفي أو في التكوين المهني أو في خدمة الأسرة والمجتمع.

وقال لـ”العرب” لهذا يعاني الأولياء من تحول أوقات الفراغ التي تنامت بسبب الحجر الصحي الجزئي والشامل وكذلك بسبب تخفيف جداول التدريس، مشيرا إلى أن الأخطر على الصحة الجسدية والوجدانية والذهنية للأجيال الصاعدة هو اندماجها المرضي مع عوالم الإنترنت بسلبياتها التي لا تحصى ولا تعد.

وتابع “الأصل هو أن الحياة كفاح علمي ومهني وبذل في سبيل بناء الذات وتكوين الأسرة الصالحة وخدمة المجتمع أما الراحة فهي الاستثناء، لكن يبدو أن قيم الحياة قد تغيرت في عصر الاستهلاك الذي عوضت فيه المكننة الإنسان في العمل، وصار المطلوب هو حث الناس على الاستهلاك، والتمتع بالحياة خلال العطل وأوقات الراحة الممططة، خلافا لعصر الإنتاج الذي كان الجمع فيه بين الدراسة والعمل، وكانت أوقات الراحة تمضى في تغذية العقول وشحذ الهمم والتفاني في كل ما ينفع الأسرة ويحسن من وضعها الاجتماعي”.

ودعا بن منصور إلى ضرورة سد الفراغ الكبير الذي خلفته إجراءات مجابهة جائحة كورونا على الأطفال.

Thumbnail

ويرى خبراء علم الاجتماع أن سد هذا الفراغ الكبير، بالوسائل الخاطئة يعد من أخطر الأمور على حاضر الشباب ومستقبلهم. ومن البديهي أن يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى انحراف السبل بهذه الفئة التي يقع على عاتقها الارتقاء بالمجتمع والرقي به نحو الحضارة والتقدم، مشيرين إلى دور الأسرة والحي والمدرسة، وجميع مؤسسات الدولة، الحكومية منها والأهلية، في مساعدة الشباب على السير في الطريق السليم حتى لا يكونوا عالة على المجتمع، وأن يملأ هؤلاء الشباب وقت فراغهم بما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالنفع العام.

ويشير الخبراء إلى أن الأطفال لا يقضون أوقاتهم فقط في اللهو واللعب والعراك مع إخوانهم وأبناء الجيران. بل إن المشكلة تفاقمت فأصبح طفل اليوم يقضي معظم وقته تحت تأثير البرامج الإعلامية والأفكار الهدامة التي تأتيه من كل جهة.

بدورهم أشار عدد من الشبان إلى معاناتهم من وقت الفراغ فكانت آراء نسبة كبيرة منهم تجمع على وجود إهدار للوقت في غالبية الأحيان، وأنه يضيع منهم دون أن يستفيدوا منه مما جعل هذا الوقت يشكل إلى حد ما عبئا عليهم، وذكروا أنه لا يوجد نشاط معين يستهويهم، فبعضهم يقرأ ولكن لا يمكنه أن يفعل ذلك كل يوم، لأنه سيمل من القراءة. أما بعضهم الآخر فذكر أنه يتبادل الزيارات مع الأقارب والأصدقاء والجيران، ولكن هذا أيضا برأيهم ليس متاحا دائما بسبب إجراءات الغلق، وباختصار فإنهم جميعا يواجهون تلك المشكلة ويقترحون إنشاء مؤسسة صغيرة تتولى تنسيق جميع من يتقدمون بطلبات لشغل وقت فراغ لديهم، فتقوم هذه المؤسسة بتوجيههم نحو حرف معينة أو ممارسة أنشطة أو أشغال تعود عليهم بالفائدة وتعود على المجتمع بالخير والتقدم.

ويرى خبراء علم النفس أن اللعب من أكثر الأمور التي يمكن أن تملأ أوقات الطفل مثل لعبة الغناء للأطفال بواسطة الكاريوكي.

كما يحتل ركوب الدراجات عند الأطفال المرتبة الأولى سواءً الأولاد أو البنات وينصحون الأهل باقتنائها.

21