"كتابات اليوم للغد" يعرض التحولات العميقة في المجتمع المعاصر

فن الصين المعاصر يقدم لأول مرّة لجمهور المملكة العربية السعودية.
الجمعة 2025/01/10
"أشيائي" للفنان هونغ هاو

منذ السابع والعشرين من سبتمبر الماضي وحتى الثامن عشر من يناير الجاري، تقدم هيئة المتاحف السعودية معرضا فنيا متميّزا تحت عنوان “كتابات اليوم للغد”، وذلك في المتحف السعودي للفن المعاصر في حي جاكس، وتشرف عليه مارتينا كوبن يانغ.

أكثر من مئة يوم تجمع جمهور الفن التشكيلي في المملكة بصحبة فنون بلاد السور العظيم كما وصفها البوستر الخاص بهذا المعرض، حيث يقدم فن الصين المعاصر لأول مرّة لجمهور المملكة، وحيث يجمع هذا الحدث الفني أكثر من 30 فنانا معاصرا من أصل صيني ليقدّموا مجموعة من الأعمال الفنية التي ترصد التحولات الكبرى في المجتمع.

وهذه المبادرة الأولى من نوعها داخل السعودية وتهدف إلى اكتشاف التشابه بين الثقافتين العربية والصينية من خلال التركيز على عنصرين أساسيين مشتركين بينهما هما الخط والحديقة، إذ يسلط المعرض الضوء على أهمية الكتابة والخط كممارسة ثقافية واجتماعية عند العرب والصينيين. وفي كلتا الثقافتين تؤدي الكتابة دورا محوريا ليس فقط كوسيلة للتواصل بل أيضا كممارسة روحية وفنية.

المعرض فرصة لاستكشاف إبداعات نفذها فنانون صينيون في المملكة ملتزمون بتطبيق التقاليد الصينية
المعرض فرصة لاستكشاف إبداعات نفذها فنانون صينيون في المملكة ملتزمون بتطبيق التقاليد الصينية

ويقول بيان المتحف إن “من الناحية الموضوعية، يستكشف المعرض مفاهيم تدفق الطاقة والتآزر، مع إعادة تصور الكتابة باعتبارها أثرا لفعل ذي مغزى من المشاركة والتواصل”.

وقد يخيل لقارئ العنوان “كتابات اليوم للغد” أن المعرض هو عبارة عن استشراف للمستقبل فقط، لكنه في الحقيقة يعرض أيضا أعمالا أنجزها الفنانون الصينيون في فترات ماضية، وكانت بمثابة قراءات منهم لمستقبل التطور الاجتماعي في وطنهم، إلى جانب أعمال أنجزت في المملكة خاصة بالمعرض وتعكس أفكارهم وقراءتهم للتحول في المجتمعين الصيني والسعودي وأوجه التشابه والاختلاف.

ويتيح المعرض للزوار فرصة لاستكشاف مجموعة فنية فريدة من إبداعات نفّذها فنانون صينيون في المملكة ملتزمون بتطبيق التقاليد الصينية في إنتاج أعمال فنية في الحدائق أو الأماكن ذات المناظر الخلابة. وتستكشف الأعمال الفنية التفاعل بين الحضور والغياب، والفعل والتأمل، والذاكرة والخيال، الحضور والغياب والذاكرة.

ومن هؤلاء الفنانين تيان ديكسي الذي مهد للمعرض بأن صنع أعمالا فنية من المواد المتاحة في المكان المحاط بالمعرض ومن عناصر مرتبطة بالبيئة والثقافة السعودية كالحجارة والتراب والعشب وبعض المواد التي أخذها من القمامة ليخلق منها أعمالا فنية معاصرة ومبهرة. وهذا الفنان المولود في عام 1979 في مقاطعة شاندونغ بالصين، يعرف بأنه يشتغل على الشعر والطبيعة اللذين يعدان جوهر أعماله الفنية. وبالنسبة للفنان ديكسي يتجلى الفن في كل مكان في الحياة، فهو يجمع بيده الأشياء البالية والتي لا يظن الإنسان أنه يمكن أن تكون أعمالا فنية ليحولها إلى أشكال فنية مليئة بالفكاهة والشدة والغموض.

ومن أبرز الأعمال المعروضة ضمن معرض “كتابات اليوم للغد”، عمل تركيبي على هيئة شلال بعنوان “الفناء الداخلي” للفنان تشنغ كواجو الذي شكله من مخطوطات كتبت بأيدي أفراد من المجتمع الصيني حيث طلب الفنان بشكل عشوائي من المارة في الشارع أن يكتبوا هذه المخطوطات، وصنع منها شلالا موظفا مادة الشمع، مما أضفى على العمل طابعا فريدا وغير تقليدي.

تشنغ كواجو الذي يعد أحد رواد الفن الصيني المعاصر، يشارك أيضا بلوحة بعنوان “أنا ومعلمي” التي تعد واحدة من أبرز أعماله حيث تعكس بعمق فلسفته الفنية. في هذا العمل، قضى الفنان ستة أشهر مع مشرد يعاني من إعاقة ذهنية في شوارع يانغجيانغ، ملتقطا صورا توثّق تفاصيل الحياة اليومية لهذا الشخص الذي اعتبره معلما له رأى بعينيه الحياة من زاوية نظر مختلفة.

Thumbnail

يقول الفنان إن أكثر ما أثار دهشته هو “رؤية هذا الشاب المشرد للعالم من حوله؛ نظرة غير متحيزة ومتحررة من القيود التقليدية والرغبات المادية.”

ألهمت الأوقات مع المتشرد الفنان ليتخذه معلما له، ويقدم من خلال توثيق اللحظات التي جمعتهما معا في الشوارع طرحا بديلا للخطاب السائد حول أيديولوجية التنمية الاقتصادية غير المقيدة، ويؤكد أهمية الحفاظ على الثقافات الإقليمية.

ويشارك الفنان هوانغ يونغ بينغ بعرض نماذج مصغرة ورسومات ضمن مشروعه الفني “إمبراطوريات” لمونومنتا 2016، والذي يركز فيه عبر أعمال تركيبية ولوحات على التطورات الاقتصادية والاجتماعية في عالمنا اليوم. ومن بين أعماله لوحة بعنوان “الأحصنة التسعة” وتظهر ثلاثة أزواج من الخيول، كل منها يحمل في فمه أعلاما تستحضر ثلاثة جوانب من العلاقة الوثيقة بين الخيول والبشر ودورها في إنشاء الإمبراطوريات. تُظهر كل مجموعة حضور الحصان في الثقافة الصينية والعربية ومدى الاعتماد عليه ودوره الرئيسي في تاريخ الحضارات.

كما يقدم المعرض نظرة على أعمال الفنان هونغ هاو الذي يعرف بأعماله التركيبية التي تجمع بين صور وخرائط ومذكرات تصور أفكاره عن الصين المعاصرة وصعودها العالمي. ولوحته “أشيائي 6” المعروضة في “كتابات اليوم للغد” هي جزء من مشروع فني بعنوان “أشيائي” بدأه في عام 2001، وهو سلسلة من المطبوعات الفوتوغرافية لممتلكاته التي تجمع في لوحات تصور “أشياء” هونغ، جمعها في تركيبات مذهلة ومعقدة شكليا ولونيا، هي صور للفنان نفسه وللمجتمع الرأسمالي الشيوعي الذي ينتقده في جميع أعماله.

هناك أيضا عمل بعنوان “الأوضاع” للفنان وانغ دو، وهو عبارة عن ثلاثة تماثيل برونزية مصنوعة من الفولاذ الأبيض تبدو أشبه بثلاث صحف مجعدة يعبّر بها عن “ما بعد الواقع” والأفكار التي تتأرجح بين العالم الحقيقي والافتراضي. وهو واحد من أعماله الفنية التي يقوم الفنان الصيني بصنعها من خلال ماسح ضوئي ثلاثي الأبعاد.

14