كارثة تعليمية في العراق الجديد

قرأت ما نسب إلى أحد أعضاء مجلس النواب في العراق من قول ورد في تصريح له أدلى به إلى قناة العهد، حيث وصف تصريحه هذا بأنه قنبلة من العيار الثقيل، إذ أشار فيه إلى أن إحدى المدارس الإعدادية في إحدى المحافظات العراقية، نال أربعمئة من طلابها معدل ثمانية وتسعين بالمئة، فكان وقع هذا التصريح عليّ كوقع الخبر الذي طوى الجزيرة وجاء إلى أبي الطيب المتنبي أيام كان في الكوفة، ففزع فيه بآماله إلى تكذيبه.
غير أن ما تضمنه هذا التصريح من معلومات، حيث وجه إصبع الاتهام إلى اللجان الامتحانية ومديرية التربية في المحافظة ووزير التربية أيضا، بل ذهب النائب في تصريحه هذا، إلى أن أساتذة اختصاص كانوا قد حلوا الأسئلة ولم يفعل الطلبة الذين نالوا هذه الدرجات سوى كتابة ما وصلهم من إجابات، عن أسئلة الامتحانات.
وجاء في النص الذي اطلعت عليه وصف لهذه السابقة، كونها خطيرة ولم تحصل في تاريخ العراق القديم، والعراق الجديد أيضا ومع هذا فقد مرت هذه السابقة الخطيرة بسلام وإن طلبة الثمانية والتسعين ينافسون الآن – أولاد الخايبة- الذين سهروا الليالي، على الكليات العلمية، بل إن طلبة الثمانية والتسعين هم الذين سيتقدمون قوائم القبول في الجامعات، ومع كل هذا لم أسارع إلى تصديق هذه المعلومات، وقلت لعلها غير صحيحة مثل الكثير مما يصلنا عبر وسائل الاتصال.
اقرأ أيضا:
اتصلت بصحافي صديق، فلم أجد لديه ما يخرجني من قلقي في قبول هذه المعلومات أو رفضها، فهاتفت أحد رجال التربية القدامى في المحافظة، وسألته إن كانت هذه الكارثة قد حدثت فعلا، فأجابني: لقد حدثت في أربع مدارس وليس في مدرسة واحدة، لكن بعد أن استمعت إلى ما قاله هذا التربوي، والذي أجابني بهدوء لفت نظري، وكأن ما حدث أمر عادي لا يستحق الاهتمام أو المتابعة أو التعليق، بقيت على غير يقين بأن هذه الكارثة التعليمية قد حدثت فعلا، رغم جميع الكوارث التي لا يمر يوم إلا وأطلت بوجهها البشع على العراق الجديد!
وبخاصة، حين لم نستمع حتى الآن، إلى رد فعل من أي جهة رسمية أو نقابية، حتى لو كان مجرد كلام أو وعد بالتحقيق الذي لن يتحقق.
لم يكن في نيتي أن أكتب عن هذه الكارثة التربوية، غير أن ما استمعت إليه من تربوي مثقف وموضوعي مازال يواصل عمله الأكاديمي، كان الدافع إلى الكتابة عنها، إذ قال “في هذه السنة حصل أكثر من 1150 من الطلبة على معدل مئة بالمئة، وهذا العدد أكبر من الطاقة الاستيعابية للمجموعة الطبّية مثلا، وإن تضخّم المعدلات بسبب تسريب الأسئلة في وضح النهار وتزوير المعدلات في الدفاتر الامتحانية وفي المركز الرئيس لمراقبة الامتحانات، ولكل درجة ثمنها، فضلا عن الغش الإلكتروني، والضحية هو الطالب الفقير المجتهد”.
وقال أيضا “حين أقدمت كليات الطب على إجراء امتحان تنافسي للمتقدمين كانت النتائج كارثية، فتدخلت ميليشيات البرلمان وألغت الامتحان التنافسي، كما تم إلغاء شرط اللغة الإنكليزية، وبهذا تسرب المزورون إلى أهم الكليات في الجامعات العراقية”.
في مثل هذا الحال، كيف يمكن أن نتصور المستوى العلمي للخريجين، وكيف سيكون أداؤهم العملي في جميع مناحي الحياة، وبخاصة في ظل التوسع العشوائي في الدراسات العليا، حيث يكون القبول فيها من دون شروط المعدل والعمر، وبعد صدور قانون التعليم الأهلي الذي سمح بتجارة جديدة واستثمار ينتفع به الساسة والمتنفذون، وبعد كل هذا الذي أشرنا إليه وهو غيض من فيض، هل يكون وصف الوضع التعليمي في العراق الجديد! بأنه كارثة، يعد مبالغة أو تجاوزا على الحقيقة.