كاتبة لبنانية تختص في تأليف المعاجم إنصافا للنساء

المعاجم لها أدوار كبرى في تعليم اللغة ونشرها والحفاظ عليها، وهذا ما آمن به العرب مبكرا فتعددت معاجمهم، وصولا إلى معاجم حديثة، لكن ما يعوزها اليوم هو التخصص أكثر في ظل واقع يمتاز بالسرعة، وهذا ما تحاول تلافيه الكاتبة والباحثة اللبنانية – السورية غريد الشيخ محمد التي كان لـ“العرب” معها هذا الحوار.
الكاتبة المعجمية غريد الشيخ محمد لبنانية من أصل سوري. شخصية فريدة في عالم الأدب واللغة، لمعت في سماء الأدب العربي وأثرت مكتباتنا بكتاباتها القيمة، وعملت بجد على إثراء معاجم اللغة العربية، مما ساهم في توثيق وصون لغتنا الجميلة.
غريد الشيخ محمد ليست فقط كاتبة مبدعة، بل هي أيضا معجمية قديرة، استطاعت أن تعبر بقلمها عن أعمق المعاني وأن تفتح لنا أبوابا جديدة لفهم لغتنا وتذوق جمالياتها.
جهد لغوي كبير
تسألها “العرب” بداية من هي غريد الشيخ محمد، لتجيبنا “أنا امرأة أنتمي إلى هذا العالم الكبير، العالم الذي يقدر الإنسان بالدرجة الأولى دون الاهتمام بجنسه أو لونه أو طائفته، ولدت ونشأت في بيت نبذ العنصرية والطائفية فأصبحت أنا غريد الشيخ”.
وحول دوافعها لكتابة معاجم تركز على المرأة واللغة العربية تقول “دراستي هي تحقيق المخطوطات وهي التي دفعتني للاهتمام بالمعاجم، فالتحقيق يعتمد بالدرجة الأولى على المعجمات بأنواعها المختلفة، وأثناء عملي في تحقيق مخطوط اعتلال القلوب للحصول على درجة الماجستير، لاحظت الهوة الكبيرة بين المعاجم وعصر السرعة والتكنولوجيا الذي نعيشه، فالطالب اليوم لا يستطيع أن يعود إلى لسان العرب أو غيره للحصول على معنى كلمة ويغوص في عائلة الكلمة”.
وتضيف الكاتبة “معجم ‘أعلام النساء‘ هو معجم تراجم وقد أصدرت جزأين: معجم أعلام النساء في المملكة العربية السعودية، ومعجم أعلام النساء الفلسطينيات. أما معجم المرأة فهو معجم لغوي اعتمدت فيه على معجمي الكبير واستخرجت كل الألفاظ الخاصة بالمرأة خَلْقيا وخُلُقيا، محاسن أخلاق المرأة، الألفاظ الدالة على علاقتها بالرجل، الطفل والأم، معاني أسماء النساء، عطور المرأة ومكوناتها، أسماء الحلي والمعادن التي تصْنع منها، أسماء مراكب النساء، أسماء الملابس، جماليات اللغة العربية في وصف المرأة والمجازات التي تميز هذه اللغة عن غيرها من اللغات، المصطلحات والمفاهيم، القواعد اللغوية التي تخص الأنثى، مثل: الحامل: الحبلى (نعت لا يكون إلا للمؤنث)، جمعه حوامل، أما إذا حملت شيئا على رأسها أو ظهرها فهي حاملة وجمعها: حاملات”.
وعن سبب اختيارها هذا المجال تقول الشيخ محمد “نحن لا نختار أقدارنا، قدري أن ولدت في عائلة تعشق الكتاب، ودراستي أهلتني لأسير في هذا الطريق الجميل، والمعاجم اللغوية تهتم بالمرأة وما يخصها كاهتمامها بالرجل والحياة عامة، فتذكر صفات المرأة وصفات الرجل، مع أنها تذكر الصفة التي تدل على الذكر وتقول: ومؤنثه كذا، مثل: الأحول: من كان بعيْنه حول، وهو اختلاف محْوري العينيْن، مؤنثه: حوْلاء”.
وعن التحديات التي واجهتها أثناء تطوير المعاجم تقول “خلال عملي بمعجم المرأة لاحظت أن المعجمات القديمة مازالت تستخدم بعض الألفاظ الخاصة بالمرأة التي اتخذت في العصور الحديثة معنى آخر وأصبحت تعتبر مصطلحا، مثلا لفظ ‘الجارية‘ مازال يستخدم للدلالة على الطفلة أو الشابة الفتية علما أنه أصبح يدل على الأمة، وقد سألت أصدقاء لي في كل الدول العربية وتأكدت أن اللفظ لا يستعمل على الدلالة على الفتاة الحرة، فاستبدلت لفظ الجارية بكلمة مناسبة إلا إن كان يراد بها الأمة أو المملوكة”.
وعن رأيها في مدى تأثير اللغة على التصورات الاجتماعية والثقافية للمرأة في العالم العربي تقول “اللغة أساس التعامل والتفاهم بين الشعوب، وبقدر غنى هذه اللغة وتطورها مع الزمن يستطيع الإنسان أن يخدم وطنه، واللغة العربية من أغنى اللغات وأكثرها قدرة على مواكبة الحياة الثقافية”.
أما عن مدى انعكاس المعاجم لدور المرأة في الأدب والثقافة العربية، فتقول “يستطيع الرجل والمرأة العودة إلى المعاجم التي أؤلفها فهي تضم مفردات اللغة العربية التي يحتاجها كل إنسان وكل باحث، وأظن أن تخصيص الموضوعات في المعاجم يسهل على الباحث الوصول إلى ما يحتاجه بسهولة”.
أدوار المعاجم
تسأل “العرب” الشيخ محمد كيف تعتقد أن معاجمها يمكن أن تساهم في تعزيز المساواة بين الجنسين أو تغيير التصورات الاجتماعية حول المرأة؟ فتجيبنا “نحن متساوون أصلا، خلقنا الله كذلك، أنا أقوم بعملي المعجمي من الناحية اللغوية أو من خلال تأليف كتب التراجم التي أبرز فيها دور المرأة على مر العصور”.
وتضيف “أقول دائما: الثمرة تدل على الشجرة، وعمل الإنسان يدل عليه، ومعاجمي وكتبي تدل علي، وتثبت أن المرأة قادرة أن تقوم بكل الأعمال طالما هي تمتلك القدرة العقلية والعلمية والأدوات لتحقق ذاتها، وأنا أرى فخر السيدات اللواتي يحصلن على كتبي وكذلك فخر الرجال”.
وعن الدور الذي يمكن أن تلعبه معاجم اللغة في تعزيز التعليم والوعي حول قضايا المرأة تقول “المعاجم بأنواعها ضرورية في التعليم بشكل عام ولكن للأسف الأجيال الجديدة تبتعد شيئا فشيئا عنها، حتى أن كثيرا من الكتاب والإعلاميين وغيرهم لا يعودون إلى المعجم إلا نادرا”.
وتضيف “عندما نقرأ عن صفات المرأة الخلقية نفهم الصفات التي أحبها العرب في المرأة ومنها الحياء والعقل والتفكر والشهامة وهي الصفات المحببة عند الرجل أيضا، وكذلك بالنسبة إلى الصفات المذمومة، فالذي يقرأ الصفات يسعى ليمتلك الصفات الحسنة”.
وحول سؤال كونها رائدة عربية بامتياز في المعاجم، أين غريد في القصة والرواية؟ تقول “أنا أكتب القصة القصيرة والخواطر، أما الرواية فقد تخللت مجموعة كتبي ‘أيام معهم‘ وهي مع شعراء، بطريقة قصصية متكاملة من حيث أشخاص القصة والأحداث والأماكن والهدف، وقد لاقت قبولا كبيرا لدى القراء”.
وتختم “العرب” الحديث مع غريد الشيخ محمد بسؤال باعتبارها صاحبة دار النخبة للنشر في بيروت، حول أهمية الدار للكاتب والباحث، تقول “عندما أنشأت دار النخبة للتأليف والترجمة والنشر عام 2007 كنت أريد نشر كتبي، ولكن الدار توسعت وصِرت أطبع لكتاب آخرين، وما يميز الدار أننا نهتم بالكتاب لغويا فيخرج خاليا من الأخطاء التي نراها في الكتب المطبوعة للأسف. الكتابة والتأليف عملي الذي أحبه”.