قيس سعيد يرد على حملات أنصار التحالف الحاكم: أنا موجود

الترويكا الحاكمة توظف الاحتجاجات لإضعاف شعبية الرئيس.
الخميس 2020/12/03
حملات ممنهجة

تونس - رد الرئيس التونسي قيس سعيد على حملات يقودها أنصار التحالف الحاكم ضده، والتي تعمل على استثمار ورقة الاحتجاجات لتحجيم حضوره أمام الرأي العام وتوريطه، عبر إطلاقها مزاعم تدعي وقوف الرئيس وراء تنسيقيات تقود "حراكا جديدا" وتتعمد تعطيل الإنتاج بهدف تغيير نظام الحكم بتفويض من الشارع نفسه.

وكشف سعيّد خلال استقباله رئيس الحكومة هشام المشيشي الأربعاء بقصر الرئاسة بقرطاج عن محاولة ابتزاز، ومحاولات من بعض الأطراف لضرب الدولة في وجودها وضرب مرافقها العمومية ومحاولات لاستدراج الرئاسة إلى مستنقعاتها حسب تعبيره، في تصريحات فسرها مراقبون باتهامات صريحة للترويكا الحاكمة التي تريد توريط الرئيس وإظهار قصوره في معالجة الأوضاع، كما تستهدف مشروعه السياسي الذي سبق وكشف عنه وهو تغيير النظام القائم من برلماني إلى رئاسي، بتفويض شعبي للحصول على صلاحيات أوسع ما يسمح له بتقليص نفوذ الأحزاب في المشهد السياسي.

وقال سعيّد في فيديو نشرته رئاسة الجمهورية بصفحتها على موقع فايسبوك ”هناك محاولات للابتزاز ستتكسر على حائط الإرادة الوطنية الصادقة… للأسف هناك محاولات من بعض الأطراف لضرب الدولة في وجودها وضرب مرافقها العمومية… سنتصدى لها بأكثر مما يتصورون وبأكثر مما يحتملون وليعلم الجميع أن كرسي الرئاسة ليس بالشاذ”.

وشدد سعيد على وحدة الدولة ومواجهة “المجرمين الذين يحاولون تفكيكها”. وأظهر حرصه على “مواجهة المجرمين الذين يحاولون تفكيك الدولة، والمس من حقوق المواطنين وضروريات عيشهم”.

ولم يوضح سعيد من يقصد بـ”المجرمين”، لكن تصريحاته تأتي مع تفاقم أزمة فقدان قوارير الغاز السائل، بسبب تواصل غلق المنطقة الصناعية بمحافظة قابس (جنوب) من قبل محتجين.

محمد عمار:  سعيد أدرك أن الوضع من الصعب أن يتغير
محمد عمار: سعيد أدرك أن الوضع من الصعب أن يتغير

ومنذ أكثر من أسبوع أغلق محتجو “تنسيقية الصمود 2” مدخل المجمع الكيميائي التونسي بقابس (شركة حكومية) بالمنطقة الصناعية، ما أدى إلى أزمة شعر بها المواطنون.

وانتقد نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي تصريحات سعيد التي برأيهم مكررة وغير كافية لمعالجة الأوضاع الاجتماعية المتردية، حيث حان الوقت للمرور من دائرة الأقوال إلى الأفعال. كما طالبوا الرئيس بالقطع مع التصريحات الغامضة. وتحرج هذه الانتقادات الرئيس عشية الاحتفال بالذكرى العاشرة لاندلاع الثورة قبل عشر سنوات، حيث ظلت مطالب الشارع مجرد حبر على ورق.

وعلى غرار اتهام حزب ائتلاف الكرامة المشارك في الحكم سعيّد بتوظيف الشارع لصالحه، ألمح الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي، في تصريحات سابقة، إلى أن الاحتجاجات التي اندلعت في العديد من المناطق مخطط لها وأن خطابات التنسيقيات أو ما يسمى باللجان الشعبية توحي بأن أطرافا سياسية وراءها، في إشارة إلى سعيّد الذي يدعم فكرة الديمقراطية الشعبية، ما يربك أكثر موقف الرئيس.

ويقول متابعون إن خصوم الرئيس، وهم الترويكا البرلمانية الحاكمة (حركة النهضة، قلب تونس، ائتلاف كرامة)، يعمدون مع كل أزمة تعصف بالبلاد إلى إظهار ضعف حضور الرئيس باستغلال صمته عن الرد على المستجدات، لكن سعيّد يعود في كل مرة ليؤكد أنه "موجود" ولا رئيس غيره، ملمحا إلى أن هذه الاتهامات تأتي في إطار الحسابات السياسية، وفي إطار تواصل معركة الصلاحيات بينه وبين رئيس البرلمان راشد الغنوشي.

وتقر أوساط سياسية بالمهمة الصعبة التي تواجه الرئيس في ظل توسع دائرة الاحتجاجات، كما تعيق معضلة الفساد المستشري مساعي الإصلاح في البلد.

كمال بن يونس: السلطات الحقيقية ليس بيد الرئيس بل بيد البرلمان والحكومة
كمال بن يونس: السلطات الحقيقية ليست بيد الرئيس بل بيد البرلمان والحكومة

ويقول محمد عمار رئيس الكتلة الديمقراطية لـ"العرب" إن "سعيد بعد سنة من الحكم أدرك أن الوضع من الصعب أن يتغير وأن هناك لوبيات نافذة وشركات لا تعمل لصالح الشعب إنما لحماية مصالحها الشخصية والحفاظ على مغانمها".

وبرأي عمار فإن تصريحات الرئيس الأخيرة يجدد فيها تأكيده على محاربة الفساد والعمل على استرجاع أموال الشعب المنهوبة. لافتا بالقول "سعيد يتمسك بعدم التحاور مع الفاسدين".

وقال "رئيس البلاد له دور كبير وكرسيه ليس شاغرا كما يدعي البعض"، مضيفا "رئيس منتخب من الشعب وله الصلاحيات كاملة، كما له الحق في التدخل وفرض القرارات المناسبة حسب ما يخول له الدستور".

ويلفت المتابعون إلى أن تصريحات سعيد الأخيرة تأتي في إطار التوافق حول إجراءات حكومة المشيشي الذي ألمح إلى استعمال القوة في مواجهة المحتجين الذين يعملون على إيقاف الإنتاج وحرمان المواطن من الخدمات اليومية، في تطاول على الدولة.

ويرى المحلل السياسي كمال بن يونس في تصريح لـ"العرب" أن "الاحتجاجات القانونية مقبولة وشرعية، كما على السلطات أن تتجاوب معها"، مستدركا "لكن حين يكون هناك توقف للإنتاج بغلق المصانع ومسالك التوزيع من واجب السلطة التنفيذية أن تتدخل وإصدار الأوامر"، مبينا أنه حسب الدستور التونسي فإن "السلطات الحقيقية ليست بيد الرئيس بل بيد البرلمان والحكومة".

وتابع بن يونس "من واجب الرئيس وهو قائد القوات المسلحة أن يتدخل حين تكون هناك جريمة تنال من الحق العام".

فريد العليبي: الترويكا البرلمانية تضغط عل الرئيس بتلك الاحتجاجات
فريد العليبي: الترويكا البرلمانية تضغط عل الرئيس بتلك الاحتجاجات

ومع عودة الاحتجاجات الاجتماعية، يجد سعيّد نفسه أمام امتحان الاستجابة لمطالب الشارع وخاصة الشباب الذين اختاروه لمنصب الرئاسة بنسبة تأييد واسعة، والمرور إلى تطبيق شعار “الشعب يريد” الذي رفعه خلال حملته الانتخابية الرئاسية موفى 2019.

 ويقول بن يونس "الاحتجاجات هي اختبار لكافة الطبقة السياسية بعد عام من الانتخابات وما تبعها من إخفاق وفشل".

ويستنتج متابعون أن التحالف الحكومي الذي يشهد بدوره تخبطا بسبب توسع دائرة الانتقادات لأدائه واتهامه بالانشغال بالمكاسب السياسية على حساب مشاغل الشارع، يحاول توريط الرئيس الذي بدوره انخرط في الصراع الدائر في الحكم وبات طرفا في الخلافات، لإضعاف شعبيته الواسعة.

ويرجح المحلل السياسي فريد العليبي في حديثه لـ"العرب" أن "الترويكا البرلمانية تضغط على الرئيس بتلك الاحتجاجات بعد إطلاقه تهديدات ضده من جهة، وتريد توريطه من جهة ثانية"، ويستنتج العليبي بالقول "فإذا تبناها ظهر كمخرب للدولة وإذا وقف ضدها كانت عزلته عن الجهات المحرومة، أي أنه خاسر في كلا الحالتين وهنا صمته الذي حسبه بعناية".