قيادة جبهة التحرير الجزائرية تكسب جولة أمام المتمردين

الجزائر - كسبت قيادة حزب جبهة التحرير الوطني الحائز على الأغلبية في البرلمان الجزائري، جولة حاسمة ضد خصومها الذين قادوا حملة تمرد خلال الأسابيع الماضية، من أجل الإطاحة بالأمين العام أبوالفضل بعجي، وتنصيب قيادة انتقالية تحضر للمؤتمر القادم.
وأدان قضاء العاصمة، نحو عشرين شخصا ممن قادوا الاحتجاج الذي استهدف المقر المركزي للحزب بالعاصمة بداية شهر سبتمبر الماضي، بإصدار أحكام متفاوتة، كان أهمها إيداع من يعرف بالمنسق الوطني للحزب محمد يسعد السجن المؤقت، ووضع أربعين آخرين تحت الرقابة القضائية.
واستمعت المحكمة الثلاثاء إلى الأمين العام للحزب أبوالفضل بعجي، الأمر الذي أثار جدلا، اضطرت القيادة إلى إصدار بيان أوضحت فيه، بأن “الاستماع إلى الأمين العام كان كضحية”، وهو ما تأكد خلال صدور الأحكام في ساعة متأخرة من مساء أول أمس.
وكان خصوم بعجي، قد نظموا احتجاجا في التاسع من سبتمبر الماضي، انتهى باقتحام مبنى المقر المركزي، وأعلن عن سحب اللجنة المركزية للحزب الثقة من الأمين العام، وتنصيب قيادة انتقالية يرأسها محمد يسعد، لتسيير شؤون الحزب حتى تنظيم المؤتمر الحادي عشر.
وسادت الأربعاء، أجواء من الارتياح لدى موظفي المبنى والمسؤولين الذين ترددوا على المقر المركزي، لأن الحكم القضائي كان بمثابة رسالة قوية من السلطة للمعارضين، مضمونها الرضا والتمسك بالقيادة الحالية، وقطع الشكوك التي راجت حول رغبة السلطة في التخلي عن بعجي.
وحافظ حزب جبهة التحرير على الأغلبية في الانتخابات التشريعية الأخيرة، بعد حصوله على 105 نائب في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، ويستعد لخوض الانتخابات المحلية على أمل الحفاظ على صدارة المشهد السياسي في البلاد.
غير أن الحزب الذي ظل لعقدين يمثل الذراع السياسية الأولى للرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، ونصبه رئيسا شرفيا له، كان محل غضب المحتجين في الحراك الشعبي، وذهبت بعض الأصوات إلى المطالبة بتطبيق العزل السياسي عليه، ولم يشفع له موقفه المؤيد للسلطة الجديدة في البلاد، من الحفاظ على مواقعه المتقدمة، إذ لم يحز إلا على حقيبتين في حكومة أيمن بن عبدالرحمن.
وكان غالبية أعضاء اللجنة المركزية قد أعلنوا عن سحب الثقة من بعجي، بحسب ما أورده بيان هيئة التنسيق، غير أن الشكوى التي تقدم بها الرجل للمصالح المختصة، تضمنت أوصاف “المنحرفين والبلطجية” على الذين اقتحموا المقر المركزي، كما أعقبه بوقفة وصفت بـ”النوعية” للعشرات من الكوادر والمناضلين والأنصار، الذين نظموا وقفة للتعبير عن تضامنهم مع القيادة الحالية برئاسة بعجي.
القضاء الجزائري أصدر أحكاما متفاوتة أهمها إيداع من يعرف بالمنسق الوطني للحزب محمد يسعد السجن المؤقت
ووجهت للخصوم الذين انقلبت عليهم اللعبة، تهما تدرجهم في خانة “الثورة المضادة من طرف العصابة السابقة، وأنهم أصحاب المال الفاسد الذين أقصاهم الحزب من صفوفه في أعقاب الانتخابات التشريعية الأخيرة”.
ويعتبر حزب جبهة التحرير الوطني، من أكبر القوى السياسية في البلاد، لارتباطه منذ زمن الحزب الواحد بالسلطة، وظل يوصف بـ”الجهاز السياسي”، لكنه يفتقد للانضباط والتلاحم الداخلي، فكل مؤتمر أو قيادة تفرز أجنحة مضادة لها، وكان الأمر لافتا منذ مطلع الألفية بعد احتدام الصراع بين الأمين العام السابق علي بن فليس، والرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
غير أن المواجهات القضائية في السابق لم تتطور بين المتنازعين إلى عقوبات السجن والرقابة القضائية، الأمر الذي يعتبر تحولا لافتا يضع الأجنحة المتمردة تحت ضغط النتائج غير المحمودة العواقب لأي تصرف يستهدف التشويش أو الإطاحة بقيادة الحزب.
كما تمثل الأحكام الصادرة في حق المتمردين، رسالة واضحة لتمسك السلطة بالقيادة الحالية للحزب، ودحض الحملة التي استهدفت الأمين العام خلال الأسابيع الأخيرة، وصلت إلى حد التشكيك في الماضي التاريخي لعائلته، وللتشكيك في علاقاته الخارجية، على اعتبار أن زوجته من جنسية مغربية.
ويعتبر الحزب من أكبر ضحايا التحول السياسي المسجل في البلاد، حيث تم الزج باثنين من أمنائه العامين في السجن، بتهم تتصل بالفساد المالي والسياسي، ويتعلق الأمر بكل من جمال ولد عباس ومحمد جميعي، الذي أطلق سراحه خلال الأشهر الماضية.
وخلال حديث مقتضب لبعجي مع “العرب”، في وقت سابق، فقد شدد على “ثقل المسؤولية التي حملته إياه دورة اللجنة المركزية، في دورتها الأخيرة المنعقدة في شهر ماي 2020، وأن الأبواب مفتوحة أمام جميع أبناء الحزب، غير أن الطريق سيقطع أمام ممارسات ووجوه المال السياسي الفاسد”، في إشارة إلى القيادات التي ورطت الحزب أمام الرأي العام وجعلته منبوذا من طرف الشارع.