قمصان قوم عند قوم..

لا تستغرب إن اكتشفت أن كلمة "السوريّة" تعني ببساطة القميص أي قطعة الملابس هذه التي لها أزرار وياقة يمكن تطويقها بربطة عنق.
الثلاثاء 2021/08/31
متاهة اللهجات

عزيزي العربي القادم إلى تونس لأول مرّة، إذا سألك أحدهم يوما إن كنت “تتكلّم بالسوري” فإنه لا يقصد اللهجة السورية طبعا، وإنما اللغة الفرنسية على وجه التحديد.

 وتنسحب تسمية “سوري” على كل أنماط الحياة الإفرنجية الحديثة فتنقسم الأمور إلى ثنائية سوري ـ عربي أي إما حديث ومعاصر من جهة أو محلي تقليدي من جهة ثانية.

ولا تستغرب إن اكتشفت أن كلمة “السوريّة” تعني ببساطة القميص أي قطعة الملابس هذه التي لها أزرار وياقة يمكن تطويقها بربطة عنق.

مهلا، لا تستغرب عزيزي العربي إطنابي في الشرح والتوصيف، ذلك أن “القميص” عند التونسيين، لا يعني ما أسلفت ذكره، وإنما الثوب الأفغاني الذي دأب المتشددون على ارتدائه في سنوات ما بعد الحرب الأفغانية.

والسرّ وراء إصرار التونسيين على ربط كل ما هو عصري وحديث بـ”السوري” هو أن الاستعمار الفرنسي قد دخل تونس في أواخر القرن التاسع عشر عن طريق بوابتين: الأولى كولونيالية تقليدية جاءت من أوروبا، والثانية شرق أوسطية تأثرت بحركة محمد علي التحديثية في مصر، وشملت نشاطات رجال الأعمال والمبشرين والصحافيين والمترجمين السوريين، الأمر الذي جعل كلمة “سوري” تعني إلى اليوم كل ما هو عصري. وكان القميص الذي نلبسه اليوم واحدا من مفردات هذه الحضارة التي نقلها السوريون إلى التونسيين فنسبت إليهم بعد أن كان أهل البلد متمسكين بأزيائهم التقليدية.

وفي هذا الصدد تُروى حكاية طريفة، مفادها أن محافظ مدينة تونس كان في روما لحضور مؤتمر المدن العالمية، وصادف أن محافظ مدينة دمشق فقد أمتعته بعد وصوله إلى مطار روما، فقال المحافظ التونسي لصديقه السوري وهو يعرض عليه خدماته إن في حقيبته الكثير من الملابس ولوازم السفر الضرورية، وخاطبه إن لديه “سورية” بيضاء ناصعة وجميلة وهو يقدمها إليه، فاستشاط السوري غضباً وخرج عن طوره، لولا أن وجد من يشرح له في آخر لحظة، ويعلمه أن كلمة “سوريّة” في تونس تعني قميصًا، وهنا هدأت ثورة غضب المحافظ السوري وشكر صاحبه على ضيافته العربية الأصيلة.

أما عن “الشاميّة” في تونس فهي ليست إلا الحلاوة الطحينية، ذات المذاق الآسر، والتي لا يستطيع صديقي “حمود” ابن البادية أن ينام وعند رأسه سطل منها. وسبب هذه التسمية هو أن مؤسس أول مصنع لها في تونس كان شاميا، بدليل أنه تجرأ ووضع على قائمة المكونات في العلبة كلمة “طحين” التي يستبعدها التونسيون من أحاديثهم لارتباطها بأشنع السلوكيات البشرية. وتلك قصة أخرى عن متاهة اللهجات العربية، وحيائي الخاص الذي يمنعني من وضع معجم بشرح الألفاظ النابية لدى أبناء عمومة لغة الضاد والأضداد.

24