قمة جبل في أربيل منصة عراقيين للتحليق بالمظلات

أربيل (العراق)- يتحيّن حازم محمد أمين (موظف في شركة) من على مرتفعات جبل كورك على بعد 110 كيلومترات عن مدينة أربيل العراقية الفرصة المناسبة للانطلاق بمظلته الخفيفة في نشاط ترفيهي يزداد الإقبال عليه بين هواة المغامرة الخطرة.
وعند إحدى قمم هذه المرتفعات، يطلق زملاء حازم صيحات التشجيع والدعم المعنوي وهو يتأهب للطيران فوق السهول المترامية بعدما جهّز معدات التحليق في رحلة تمتد نحو ساعة.
واستنشق حازم (30 عاما) الهواء بعمق وركض نحو حافة الجرف، وانطلق انطلاقة سلسة بمظلته التي رفعته فوق السهول الوعرة والجبال الخشنة والقرى الجذابة في شمال العراق.
ويتخذ فريق نادي أربيل الجوي من مرتفعات جبل كورك بإقليم كردستان مكانا لممارسة رياضات جوية تشهد نموا وتطورا رغم غياب الدعم الرسمي. وأصبح جبل كورك منصة للتحليق في الهواء بالنسبة إلى عشاق الرياضة المكتشفة حديثا.
وقال حازم مرتديا خوذة -يضعها عادة الطيارون تفاديا لإصابات الرأس- “أشعر بسعادة كبيرة وأنا أقلع.. إن هذا النوع من الرياضات يتطلب شجاعة وقوّة بدنية وتركيزا ذهنيا عاليا، نجد فيه المغامرة الخطرة والترفيه معا”. وأضاف الشاب الثلاثيني، وقد تميز عن بقية زملائه بارتدائه بدلة طيران زرقاء، “أمارس منذ سنتين هواية الطيران بالمظلة بعدما أنهيت دورة تدريبية في تعلّم قواعده”.
وتتطلب ممارسة الرياضات الجوية اشتراطات بالنسبة إلى هواتها في ما يتعلق بالجانب البدني وقدرة التحمل والجرأة، إضافة إلى وجود أماكن مرتفعة مثل الجبال. وتأسس نادي أربيل الجوي عام 2008 بمبادرة عدد من محبي هذه الرياضات، من بينهم أمين سر النادي حيدر السعيدي. وقد أخذ رجل الأعمال على عاتقه مسؤولية تأمين متطلبات ومستلزمات هذه الرياضات ومعداتها.
والسعيدي (52 عاما) الذي بدأ ممارسة الطيران منذ عام 1994 مع نادي فرناس الجوي في العاصمة بغداد، يحلق أيضا في سماء مدينة أربيل من حين إلى آخر بواسطة البالون الحراري.
وقال الرجل الخمسيني الذي يتولى أيضا مهمة التدريب، “وجدنا عدة مقومات شجعتنا على تأسيس النادي، هناك هواة للطيران ومرتفعات جبلية وأشخاص يحبون الرياضات الجوية ويدعمونها بأموالهم الخاصة”.
وتعد منطقة جبل كورك الشهير في إقليم كردستان، المرتفعة قممه عادة ما يقارب 2000 متر عن مستوى سطح البحر، من الأماكن السياحية المحببة لسكان مدينة أربيل وبقية المناطق القريبة. ويكتسي الجبل بطبقات ثلجية تغطي المنازل الريفية الصغيرة والأشجار المحيطة بها.
ولا يتوانى الكثير من الشباب الأكراد -على الرغم من شدة برودة الطقس وتساقط الثلوج وصعوبة الوصول إلى المكان- عن المشاركة في هذا النوع من الرياضات.
ولا تقتصر ممارسة الرياضات الجوية على مهن معينة، فالمدرب محمد عباس يعمل في محل متخصص بتركيب زجاج السيارات. وقد شارك قبل خمس سنوات في إحدى دورات النادي لتعليم الطيران بالمظلات وتدرج حتى أصبح أحد المدرِبين.
وأوضح عباس (35 عاما) أن “فترات التدريب تستمر لأكثر من ثلاثين يوما، تبدأ بأسس التدريب الأرضي تليها تدريبات التلال ثم التدريب الجبلي وهو الأصعب، أي التحليق مع المتدرب، وبعد اكتساب المتدرب القدرة على التحليق منفردا يقوم بالمهمة وحده”.
وعادة ما تجري تدريبات ودورات التعليم خصوصا في مراحلها الأخيرة، فوق المسطحات المائية أو البحيرات تفادياً لحوادث السقوط. ويتلقى نادي أربيل الجوي طلبات متزايدة من النساء اللاتي يردن الانتساب إلى الدورات التدريبية لتعلم الطيران بالمظلات، وتوجد حالياً أربع فتيات متدربات.
ومن بين هؤلاء المعلمة راويز مصطفى التي تواصل تعلم هذه الرياضة بعدما قامت بأربع محاولات تحليق. وقالت راويز (27 عاما) “أحببت هذه الرياضة منذ طفولتي، كنت أحلم بها وأحلم بالتحليق في السماء والاستمتاع بالمناظر الجميلة، والآن تحقق ذلك”.
ولا تخف الشابة رغبتها في أن “يشهد النادي إقبال المزيد من الفتيات”. ويمتلك نادي أربيل الجوي 30 مظلة طيران مع كامل معداتها، ويضم أكثر من أربعين عضوا ما بين متدرب وطيار، علاوة على رياضيين متخصصين بطيران المظلات باستخدام المحرك (باراموتور).
وتصل تكلفة معدات الطيران بالمظلات (باراغلايدر) إلى خمسة آلاف دولار، وتضم الجناح المصنوع من طبقتين من القماش السميك تمتلئ الفجوة بينهما بالهواء، ومظلة هبوط اضطراري ومكان جلوس الطيار ومعدات الاتصال.
وقال علي الأتروشي، رئيس النادي، “نتطلع إلى ازدهار الرياضات الجوية في أندية الإقليم”، مضيفا أنه لا يوجد “أي دعم من السلطات” التي اقتصر دورها على منح إجازة النشاط.
وقاد النمو المطّرد للنادي وازدياد أنشطته إلى تأسيس أندية مماثلة في مدن دهوك والسليمانية وحلبجة. ويفخر الأتروشي بأن “نادي أربيل في مقدمة الأندية الآن في الإقليم بفضل مثابرة الطيارين المدربين والمتدربين”.
وفي الوقت الذي تشهد فيه الرياضات الجوية ازدهارا وتطورا في نادي أربيل وأندية أخرى في إقليم كردستان، يعاني نادي فرناس الجوي الأقدم في العراق من تراجع بسبب الإهمال.
وتأسس نادي فرناس الجوي في الثمانينات من القرن الماضي وضم فرق قفز بالمظلات وطيرانا شراعيا وأنشطة أخرى، ويرتبط حاليا بالاتحاد العراقي للرياضات الجوية إلى جانب نادي الصقور في الموصل. ويسعى الاتحاد العراقي للرياضات الجوية إلى المحافظة على الناديين وإرثهما التاريخي الذي تأثر نتيجة غياب اهتمام وزارة الشباب والرياضة.
واعتبر أحمد شاكر، أمين سر الاتحاد العراقي للرياضات الجوية، أن “النمو السريع والتطور اللافت لهذه الرياضات في إقليم كردستان سيعززان مسيرتها ومشوارها، كما يساعدان على تشكيل فرق رياضية عراقية تشارك في مناسبات خارجية”.
وأضاف “بفضل أندية إقليم كردستان وفي مقدمتها نادي أربيل شاركنا في بطولة العرب بالمغرب عام 2018 وحصلنا على المركز الثالث في الطيران المظلي (باراغلايدر) وسباقات الطيران المظلي باستخدام المحرك (باراموتور)”.