قطر تدعو لفك عزلتها بدافع القلق من تعقّد أوضاعها

الخارجية القطرية تدعو إلى استثمار  جائحة كورونا لتحقيق تقارب يُفضي إلى حلّ ما يسميه الخطاب السياسي والإعلامي القطري بـ"الأزمة الخليجية".
الأربعاء 2020/04/15
كلام الخاطر ليس مجرد توارد خواطر

تواتر دعوات قطر لفكّ عزلتها في هذا الظرف المتميّز بانتشار فايروس كورونا، بعد أن كانت تروّج لعدم اكتراثها بالمقاطعة المفروضة عليها من قبل أربع دول عربية، يلفت الانتباه إلى حالة القلق الاستثنائية التي تعيشها في ظل الوضع غير الطبيعي الذي أحدثته الجائحة والذي يتوقّع أن تكون تبعاته أشد على الدوحة.

الدوحة- كثّفت قطر من محاولاتها استغلال الأوضاع الاستثنائية التي أحدثها انتشار فايروس كورونا في العالم بما في ذلك منطقة الخليج للخلاص من عزلتها التي انساقت إليها بفعل سياساتها المضادة لأمن المنطقة واستقرارها، وبسبب انحيازها للحركات المتشدّدة والتنظيمات الإرهابية، ما اضطر أربعا من الدول العربية لمقاطعتها مشترطة تراجعها عن تلك السياسات لإنهاء حالة المقاطعة المفروضة منذ قرابة الثلاث سنوات.

وتسلك الدوحة في محاولاتها تلك طريقين، يقوم الأول على توجيه الدعوات المباشرة لإنهاء المقاطعة، من جهة، ويقوم الثاني على تحفيز الحالة العاطفية التي أنشأتها جائحة كورونا بين الشعوب والمجتمعات للترويج لحالة “المظلومية” التي كثيرا ما استخدمتها الدوحة في محاولة خلق حالة من التعاطف الإقليمي والدولي معها.

ودعت الخارجية القطرية، الاثنين، صراحة لاستثمار جائحة كورونا، لتحقيق تقارب يُفضي إلى حلّ ما يسميه الخطاب السياسي والإعلامي القطري بـ”الأزمة الخليجية”.

ومنذ يونيو 2017، قطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر داعية إياها إلى التراجع عن سياساتها المضادة للاستقرار وقطع صلاتها بالتشدّد والإرهاب لإعادة العلاقات معها إلى سالف طبيعتها، وهو ما أقرّته الدوحة أولا وتراجعت عنه لاحقا محاولة التعويض عن خسارتها للحاضنة الخليجية والعربية بتمتين علاقاتها بكلّ من إيران وتركيا رغم اعتراضات داخلية أقامها أصحابها على مخاطر التعرض للابتزاز والاستغلال الإيراني والتركي في غياب السند الخليجي لقطر.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية القطرية، لولوة الخاطر، في مقابلة تلفزيونية إن الدوحة “لا ترى مؤشرات على ذوبان الجليد في الأزمة الخليجية، رغم كورونا”، داعية إلى اتخاذ الأزمات فرصة للتقارب المنشود لحل الأزمة.

وكأغلب بلدان العالم، تأثرت بلدان الخليج الست بجائحة كورونا، لكن محللّي الشؤون الخليجية توقّعوا أن يكون وقع الجائحة أشدّ على قطر بفعل عزلتها وبفعل مراهنتها في فكّ تلك العزلة على كلّ من تركيا وإيران، بينما قللت عملية الإغلاق الشامل التي لجأت إليها الدول لمحاصرة الفايروس ومن ضمنها إغلاق المطارات والحدّ من حركة الطائرات، من فرص قطر للاستفادة من علاقاتها مع الدولتين، خصوصا وأن الجائحة طالتهما بقوة وأثّرت على اقتصادهما.

أزمة خانقة
أزمة خانقة

وقد سجّلت تقارير إعلامية دولية بشكل متواتر حالة الإرباك القطرية في مواجهة الفايروس والتي تجلّت في فشل الدوحة في معالجة ملف العمّال الوافدين المشاركين في بناء منشآت مونديال 2022 والبالغ عددهم بضع مئات من الآلاف ويُخشى أن تتحوّل مقرّات إقامتهم الجماعية المفتقرة لوسائل النظافة والحماية إلى قنبلة موقوتة وبؤرة لانتشار الفايروس.

ومن هذا المنظور تغدو الدعوة التي وجهتها المسؤولة القطرية بشأن إنهاء الدول الأربع لمقاطعتها بمثابة رسالة رسمية ومحاولة للفت نظر البلدان المقاطعة لقطر واختبار مدى إصرارها على شروطها لإنهاء المقاطعة.

ويستند أصحاب هذا الطرح إلى أنّ دعوة الخاطر ليست الأولى من نوعها، إذ سبق أن وجّه الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء القطري الأسبق دعوة مماثلة إلى دول مجلس التعاون الثلاث المشترِكة مع مصر في مقاطعة بلاده. وأقام الشيخ حمد، دعوَته تلك على الظرف الاستثنائي الذي تعيشه المنطقة والعالم بفعل انتشار فايروس كورونا وتأثيراته الخطرة على صحة وسلامة المجتمعات، فضلا عن تبعاته المالية والاقتصادية الثقيلة.

وتوقّعت مصادر خليجية أن يكون دافع رئيس الوزراء القطري الأسبق المعروف بحدّة خطابه تجاه الدول المقاطعة لبلاده لتوجيهه هذه الدعوة في هذا الظرف بالذات، المصاعب الاستثنائية التي تواجهها قطر في مواجهة انتشار الفايروس في ظل العزلة التي تشهدها.

ودعا الشيخ حمد بن جاسم دول مجلس التعاون الخليجي لوضع خلافاتهم جانبا وسط الأوضاع التي فرضها انتشار فايروس كورونا في المنطقة والعالم.

الارتباك القطري أمام الجائحة تجلى في فشل الدوحة في معالجة ملف العمال الأجانب المشتغلين في مشاريع كأس العالم

وقال في تغريدات نشرها في وقت سابق على موقعه في تويتر “لا أحد منا يستطيع تحديد الوقت الذي ستتم فيه السيطرة على هذا الوباء الذي يجتاح العالم. ولكن الأمر المؤكد أنه ستكون هناك عواقب ونتائج صحية واقتصادية وسياسية واجتماعية لهذه الجائحة على العالم بأسره، وسيتحدث المؤرخون والدارسون عما قبل كورونا وما بعده، تماما مثلما أصبحنا نقول ما قبل 11 سبتمبر وما بعده”.

وأضاف في تغريداته "ما أتمناه ويتمناه كل العرب أن يستخلص قادتنا في عالمنا العربي والخليجي بالذات العبر والدروس، ويعرفوا ضخامة المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقهم".

وتقول قطر إنّها نجحت في تجاوز تبعات المقاطعة المفروضة عليها، لكن متابعين للشأن القطري يقولون إنّ الدوحة تظل في حاجة ماسّة لحاضنتها العربية والخليجية، خصوصا وأنّها قدمت تنازلات كبيرة ودفعت أثمانا مالية باهظة لقاء توطيد علاقاتها مع تركيا على وجه الخصوص، وهي علاقات غير مضمونة العواقب في ظل ما هو معروف من تقلّب السياسة التركية وانتهازية الرئيس رجب طيب أردوغان الذي لن يتوانى على استغلال أوضاع قطر و"شراكته" غير المتكافئة معها لاستغلال ثروتها المالية المتأتية من الغاز الطبيعي.

3