قضايا المناخ والصراعات أبرز مواضيع أول معارض بينالي الشارقة للفنون

بعد غياب دورته السابقة بسب الوضع الصحي العالمي، يعود بينالي الشارقة للفنون إلى عقد دورة جديدة بحضور العشرات من الفنانين والمتابعين من مختلف أنحاء العالم، مقدما حدثا فنيا تتكامل فيه العروض الأدائية والتشكيلية والفوتوغرافية والفنية التفاعلية بشكل عام، ما يمثل تجاور الفنون وقدرتها على خلق بيئة ثقافية وجمالية وفكرية خلاقة.
ينطلق الثلاثاء السابع من فبراير الجاري الأسبوع الافتتاحي من بينالي الشارقة للفنون في دورته الخامسة عشرة بمشاركة فنانين ونقاد ومتابعين من مختلف دول العالم.
ويستمر الأسبوع الافتتاحي من البينالي إلى غاية الثاني عشر من فبراير الجاري، على أن يتواصل الحدث بعرض مختلف الفنون التشكيلية والبصرية والأدائية والسينمائية وغيرها إلى غاية الحادي عشر من يونيو 2023.
دروة جديدة
في بداية التظاهرة رحبت الشيخة نوار القاسمي مدير مؤسسة الشارقة للفنون بالحضور، قائلة “نرحب بكم اليوم في مؤسسة الشارقة للفنون ونحن على مشارف إطلاق بينالي الشارقة الخامس عشر، وإنه ليسعدنا أن نستضيفكم هنا في رحاب هذا البيت التاريخي الذي يمثل الطراز التقليدي الأصيل للبيوت في الإمارات والذي بناه المرحوم عبيد بن عيسى الشامسي الملقب بالناوتة حوالي عام 1885”.
ها نحن نحتفي وإياكم في هذا الأجواء الحافلة بعبق التاريخ بإطلالة هذه الدورة من البينالي والتي تتزامن مع ثلاثين عاما من انطلاقته الأولى عام 1993، كما تتزامن هذه الدورة مع مرور عشرين عاما شهد فيها البينالي تطورا كبيرا وتحولا في بنيته البرامجية منذ أن تسلمت إدارته الشيخة حور القاسمي في عام 2003.
ونقف مرة أخرى أمام الدورة الجديدة بعنوان “التاريخ حاضرا” لنشهد دورة فارقة مستلهمة ملامحها وتصوراتها من رؤية الباحث والناقد الراحل أوكوي إينوزور، وما أحدثته أفكاره وتصوّراته من أثرٍ هائل على الفن المعاصر، والتي أفضت إلى صياغة مشروع فكري طموح رسَمَ معالم تطور الكثير من المؤسسات والبيناليهات حول العالم.
وبلغت المشاركات أكثر من 300 عمل بمشاركة أكثر من 150 فنانا من مختلف أنحاء العالم. سنوات من العمل الدؤوب والتجريب المتواصل لصياغة المشهد الفني، والتي أسهمت في تأسيس مؤسسة الشارقة للفنون عام 2009 واجتراح العديد من الفعاليات والعروض التي انبثقت عن الاحتياجات الإبداعية التي يتطلبها المجتمع.
بدورها قالت الشيخة حور القاسمي رئيسة مؤسسة الشارقة للفنون “مرحبا بكم في مدينة الشارقة ونحن على رحاب الدورة الخامسة عشرة من بينالي الشارقة التي عرفت بارتباطها العميق بجذورها التاريخية التي جعلت من ثيمة البينالي تتخذ دلالات أكثر عمقا واتساعا، حيث استطعنا وضع عين على التاريخ وعين على الحاضر دون أن نغفل على الاستشراف”.
أغلب الأعمال المعروضة تمثل وثائق فنية وتاريخية علاوة على أنها احتجاج سياسي واجتماعي، وهو ما يجمع معظمها
وبينت أن هذه الدورة تتيح التعرف على المدن التابعة لإمارة الشارقة سوى عبر الأعمال أو غيرها، بما يعكس توجه المؤسسة الثقافي ويشكل لزوارها وللفنانين فرصة لاستكشاف أماكن نابضة بالحياة.
وأضافت “وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الإرث الذي تركه بينالي الشارقة طيلة ثلاثين عاما من تأسيسه، والمنجز الذي استطاع تحقيقه كان عاملا ملهما للمفكر والقيّم الراحل أوكوي إينوزور لرغبته في العمل على تقديم ما يحتفل بهذا المنجز التاريخي، وقد تحول بينالي الشارقة من تظاهرة موسمية إلى مؤسسة تعمل بشكل دائم على تعزيز الحراك الثقافي في المنطقة”.
وتابعت الشيخة حور “لا شك أن أوكوي بالنموذج الذي حققته الشارقة بمختلف مكوناته الثقافية ألهمني في صياغة هذا البينالي انطلاقا من أفكاره وتصوراته العميقة وبما تقتضيه طبيعة احتياجات المنطقة التي نعمل فيها”.
الفن احتجاج وتذكر
بعد الترحيب أخذت الشيخة حور الحضور في جولة في متحف الشارقة للفنون أين تعرض منتخبات من أعمال تشكيلية وفوتوغرافية لعدد من الفنانين العرب والعالميين، مفسرة رؤية مؤسسة الشارقة للفنون لمختارات كل فنان، بينما تولى الفنانون الحديث عن أعمالهم وعن رؤاهم التي يريدون إبلاغها من خلالها والأساليب التي اتبعوها في إنشائها.
ولعل أبرز ما يلفت الانتباه في الأعمال المعروضة بمتحف الشارقة هو تكرار ثيمة الحرب عند أكثر من فنان، من أفريقيا إلى آسيا وفلسطين وغيرها، إذ تتكرر صور الجنرالات والضحايا وخاصة من السود، وتتكرر مشاهد مؤلمة من ذاكرة الصراعات والدكتاتوريات العسكرية وحروب التطهير العرقي وغيرها من مظاهر القتل والتشريد التي امتدت من أميركا الجنوبية إلى إيران وفلسطين ومزارع أفريقيا المجهولة.
ولعل أبرز الأعمال التي لفتت انتباه الحضور صور الإيراني سلماز درياني التي تحكي قصة التغير المناخي في إيران، من خلال جفاف بعض البحيرات، كما تنبئ هذه التقلبات المناخية بتقلبات أعمق اجتماعيا، من خلال استحضار الكثير من مظاهر الماضي، وهي صور تبدأ من صور جدة الفنان وهي تتذكر، واضعا بجانب صورتها سماعات لسماع غنائها، ما يجعل من مشاهدة الصورة تجربة ملموسة بكل الحواس تقريبا.
ويقحم درياني المشاهدين في أجواء إيران من خلال صوره لنساء يقرنها بالماء وبالغناء، ومن غير النساء يمكنه أن يحكي الماضي والحاضر.
إن أغلب الأعمال المعروضة تمثل وثائق فنية وتاريخية علاوة على أنها احتجاج سياسي واجتماعي، وهو ما يجمع معظمها، إذ لم تغرق في الذاتية ولم تكتف بالجمالية الفنية.