قصيدة مزورة منسوبة لأحمد شوقي تكشف عشوائية توظيف الأدب في التعليم

تكشف مناهج التعليم في العديد من الدول العربية عن خلل كبير بين الساحة الثقافية ومجال التعليم، ما يجعل التلاميذ في انفصال خطير عن واقعهم ومبدعيهم، وبالتالي في انفصال عن تاريخهم وتراثهم غير المادي ومنجزاتهم الحضارية وقواهم الناعمة، وقد يزداد الطين بلة إذا عرفنا أن ما يقدم لهؤلاء من أداء وفنون لا يعكس حقيقة الإبداع بل يشوهه.
القاهرة - كشفت واقعة نشر كتاب مدرسي للصف الرابع الابتدائي بمصر لقصيدة كتبها شاعر ينتمي لجماعة الإخوان ونسبت للشاعر الراحل أحمد شوقي، تغلغل الجماعة المحظورة قانونا في التعليم.
وعكست الواقعة التي تكشفت معالمها مؤخرا اتساع مساحة الأمية الثقافية بين موظفي الحكومة الذين انطلت عليهم نسبة القصيدة للشاعر الكبير بسبب ضعف الإلمام بالثقافة العامة والجهل بأسلوب شاعر كبير في حجم أحمد شوقي الملقب بأمير الشعراء، والمتوفي سنة 1932.
أظهرت الحكاية حجم العشوائية الحاكمة لفكرة توظيف الأدب العربي في مناهج التعليم الحديثة بمصر، إذ لا يبدو أن الأمر يخضع لقواعد تنظيمية واضحة، حيث يتم تكليف أشخاص غير مؤهلين للقيام بهذا الدور الهام.
تضمنت تفاصيل الواقعة اكتشاف الدكتور أيمن تعيلب أستاذ الأدب والنقد العربي وعميد كلية الآداب بجامعة قناة السويس السابق خلال معاونته لابنته الطالبة بالصف الرابع الابتدائي في استذكار دروس اللغة العربية قصيدة في الكتاب الخارجي بعنوان “في حب مصر” منسوبة للشاعر أحمد شوقي.
وشعر أستاذ الأدب أن الشعر المكتوب ضعيف ومغاير للأسلوب الشعري لشوقي ما دفعه إلى البحث عن أصل القصيدة ليكتشف أن كاتبها شاعر منتمي إلى جماعة الإخوان يُدعى وحيد الدهشان، له دواوين عديدة في خدمة مشروع الإسلام السياسي.
ردود فعل غاضبة
مناهج تعليم اللغة العربية في مصر تخضع لعقليات وتصورات قديمة ولا تخلق قراء منفتحين ومتنورين
أثار إعلان الواقعة ردود أفعال غاضبة لدى قطاع كبير من الشعراء والمثقفين، وسارعت وزارة التعليم المصرية إلى نفي الأمر تماما بزعم أن كتب الصف الرابع الرسمية لم تطبع بعد، وهو ما بدا غير مقنع، لأن الكتب الخارجية التي تصدر قبل بدء العام الدراسي تُطبع بإذن من الوزارة وفقا للمناهج المحددة، ما يعني أن القصيدة كانت موجودة بالفعل ضمن منهج اللغة العربية وأدى الإعلان عن وجود خطأ إلى حذفها منه.
لكن أحدا لم يعلن من المسؤول عن وضع منهج اللغة العربية وأسباب تضمينه للقصيدة أو كيفية خداع المراجعين واعتمادهم نسبة القصيدة لـ”شوقي”، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الشعور بالاستفزاز لدى جمهور الثقافة بشكل عام، فضلا عن صدمة الكثير من أولياء الأمور الذين باتوا يتشككون في تغلغل تيار الإسلام السياسي في كافة أنحاء الهيئات والمؤسسات حتى الوصول إلى عقول أبنائهم الصغار وقدرتهم على التأثير في الرأي العام.
يبدو نص القصيدة المنشورة كأنه يحمل رسالة مغلفة من الجماعة المحظورة إلى النظام السياسي في مصر إذ يقول “يا مصر حبك في الفؤاد كبيرُ/ وله أريج طيب وعبيرُ/ فيك المآذن والقباب شموخها/ يبقى وسعي المارقين يبورُ/ يا مصر يا أرض المروءة والنهي/ مهما علا واستكبر المغرور”.
يرى البعض من المثقفين أنه كان أولى بوزارة التعليم أن تحدد المسؤول عن الواقعة وتحيله إلى المحاكمة حتى يرتدع كل عابث بعقول الصغار.
وتؤكد حنان أبوالضياء الناقدة الفنية أن الأمر يبدو مقصودا وممنهجا، وأن هناك يدا عابثة للجماعة الإرهابية تعلن عن وجودها كل حين بواقعة ما، ما يستلزم مراجعة شاملة لهيمنة عناصر الإخوان المنزرعين في حقل التعليم.
وتقول لـ”العرب” إن استسهال نفي الواقعة وحذف القصيدة من الكتاب قبل طبعه ليس حلا لأنها بذلك تبقى قابلة للتكرار، فهناك ضرورة للوقوف بعمق على ظاهرة تسرب الفكر الإخواني للتعليم عبر مناهج من المفترض أنها تصب في عقول الصغار مباشرة.
وتؤكد أن نص القصيدة نفسه ركيك ثقافيا، وهي أقرب للنظم الحماسي منه إلى الشعر ولا تتضمن صورا بلاغية يمكن تقديمها للطلبة باعتبارها وسيلة شرح لأساليب البلاغة.
ودللت ممارسات مشابهة شهدتها بعض القطاعات الأخرى خارج نطاق التعليم عن وجود عناصر مستترة تتعمد تقويض توجهات تحديث أو تنمية لتشتيت جهود الدولة في مشروعات البناء والتحديث.
وأقر مجلس النواب المصري مؤخرا تشريعا جديدا يسمح بفصل مَن يطلق عليهم بالخلايا النائمة للإخوان في مختلف قطاعات الجهاز الإداري للدولة.
أمية ثقافية

تفتح القضية ضعف مستوى الثقافة لدى قطاعات مراجعة المناهج، والتي لم يكتشف أي من كوادرها أن القصيدة المنسوبة لشاعر معروف مثل شوقي لا تخصه، كما أن “التعريف المنشور عن أمير الشعراء نفسه بائس ولا يقدم صورة حقيقية للشاعر العظيم”، على حد تعبير الشاعر المصري فتحي عبدالسميع، رغم أنه كان بمثابة بداية مرحلة جديدة للشعر العربي، وكان يمكن الإشارة إلى قصائده الخالدة في التاريخ والزعماء والأحداث الجسيمة.
وتطرح القضية أيضا إشكاليات عديدة تحكم قضية توظيف الأدب في مناهج التعليم، وتؤكد ضرورة إعادة النظر في الفلسفة الحاكمة لعلوم اللغة والعلوم الإنسانية عموما في مناهج التعليم.
ويوضح الروائي المصري صبحي موسى أن واقعة القصيدة المزورة تكشف بوضوح خللا جسيما يحكم فكرة توظيف الأدب في مناهج التعليم في مصر.
ويشير في تصريح لـ”العرب” إلى أنه لا يمكن دراسة اللغة دون معرفة عيون الأدب بما يضمن سلامة لغة المتعلم ومعرفته بأساليب البيان والبلاغة، لكن جرت العادة أن يتم استخدام مقالات وقصائد ركيكة وضعيفة البنية ولا تنطوي على ذوق في منهج اللغة العربية في كافة المراحل.
ويتم تدريس الأدب في المدارس وفقا لتقسيم واحد قديم هو تقسيم الراحل الدكتور شوقي ضيف، ومع أهميته لا يتماشى مع تطورات الحركة الأدبية الحديثة، حيث يدرس الطلبة الشعر الجاهلي ثم الأموي والعباسي، وفي الصف الأخير يدرسون الشعر الحديث الذي ينتهي بمدرسة أبولو والديوان وشعراء المهجر، ليتخرج الطالب وهو منقطع الصلة عن الواقع الأدبي المعاصر.
ويرى الروائي المصري صبحي موسى أن ذلك يؤدي لتنفير الأجيال الجديدة من الفنون والآداب وتصويرها كأمور منقطعة الصلة بالواقع المعاش.
وبدا ذلك صحيحا لكاتب هذه السطور، إذ فوجئ من خلال مناقشة مع أحد الطلبة في الصف الثالث الإعدادي بأنه لا يعرف شيئا عن رموز الإبداع العربي من جيل الثمانينات أو ما بعده في الرواية أو القصة أو المسرحية أو الشعر.
ويؤدي ذلك إلى حواجز فعلية بين الأجيال الحديثة وحركة الابداع الحقيقية، وهو ما يصب مباشرة في صالح تيارات التلقين وجماعات السمع والطاعة التي مهما تراجعت سياسيا لا تتلاشى ولا يتوقف تأثيرها الثقافي.
يرى البعض من الخبراء أن مناهج التعليم تبقى دائما مسرحا لعمليات استقطاب ديني في دول عربية تتعامل حكوماتها بحسن نية أو عدم اكتراث بما يمكن صبه من أفكار بطرق غير مباشرة في عقول طلبة المدارس، لذلك فالعقلية الحاكمة للتعليم في حاجة إلى تعليم حضاري يتقبل الاختلاف في الرأي ويؤمن بالتعددية وأهمية الحوار والانفتاح على الآخر.
ويقول ص. ر، موجه تعليم بالقاهرة، اعتذر عن نشر اسمه، لـ”العرب” إن مناهج اللغة العربية والتاريخ والعقيدة الإسلامية في مصر تخضع لتفسيرات وتصورات عقليات سلفية تعادي التحضر وتنظر بريبة وتشكك تجاه كل حضارة أخرى.
وشدد على صعوبة تطوير التعليم بالاعتماد على النظم التكنولوجية الحديثة فقط، وإذا كانت هناك سياسة قوية لتحويل نظم التعليم إلى التفكير والتحليل والاستنباط بدلا من التلقين والحفظ من الضروري إجراء تغييرات حازمة في مناهج التعليم في المراحل المختلفة بمصر.