قصواء الخلالي إعلامية مصرية تمنح الثقافة جاذبية خاصة

الإعلامية الشابة تحاور الأدباء والمفكرين من قاعدة حقّ الجمهور في المعرفة.
الثلاثاء 2022/03/15
لا يصح أن يترك الإعلام نفسه لتسوقه الشبكات الاجتماعية

وسط معاناة الإعلام المصري من غياب الجرعة الثقافية وتركيز أغلب البرامج على القضايا الاجتماعية والرياضية والترفيهية منحت الإعلامية قصواء الخلالي الثقافة جاذبية من نوع آخر، وصار لها جمهورها الخاص، حيث استطاعت أن تظهر الجوانب الثقافية والحضارية الغائبة عن الشخصية المصرية.

أظهرت الفقرات الثقافية التي تقدمها في برنامجها “مع قصواء” أن المجتمع مستعد للتغير والتعايش مع المواد الثقافية والقراءة والاطلاع وإدمان الأدب والتجاوب مع الفنون الراقية، لكن المعضلة في غياب من يقنعه بذلك ويقدم له المحتوى الذي يدفعه إلى الثقافة حبا وشغفا في ظل انشغال الكثير من وسائل الإعلام بالتركيز على قضايا هامشية والاهتمام بالإثارة على حساب نشر الوعي.

ويرتبط غياب البرامج الثقافية في الإعلام المصري بشكل وثيق بتراجع المستوى الثقافي عند الكثير من الوجوه الإعلامية نفسها، حيث يشعر المتابعون أن عقولهم شبه خاوية من الاهتمام بالشأن العام الثقافي، وبحاجة إلى إعادة تأهيل، وآخرون لا يعنيهم سوى تقديم وجبة تتناسب مع تلك التي تناسب جمهور شبكات التواصل الاجتماعي من أصحاب وجبات الثقافة السطحية والسريعة والمثيرة والشاذة.

نشأة الخلالي وسط بيئة صحراوية تؤمن بقيمة الثقافة بين قبائل عربية تقرض الشعر جعلتها أول مذيعة مصرية بسمات بدوية غير خافية

الجذور البدوية

يبدو تقديم برامج ثقافية في أي مجتمع باتت شريحة فيه لا تهتم بالأدب والفنون والشعر مهمة بالغة الصعوبة، إلا إذا كان من يقدمها يمتلك مهارات وخبرات تؤهله لأن يصنع الفارق، ويجذب إليه الجمهور بطريقة خاصة، مع مضمون شيق يمنح الناس الحق في المعرفة، وهي معادلة معقدة نجحت الخلالي في فك طلاسمها.

نشأت الخلالي وسط بيئة صحراوية بدوية في مدينة السلوم بمحافظة مرسى مطروح القريبة من الحدود المصرية – الليبية تؤمن بقيمة الثقافة وتأثيرها على حياة المجتمعات، بين قبائل عربية تقرض الشعر وتعرف قيمة الفنون وأهمية القراءة وتميل إلى مطالعة التاريخ، صارت أول مذيعة مصرية تبدو سماتها البدوية غير خافية.

كانت بدايتها في التلفزيون الرسمي عندما أعلن عن مسابقة لاختيار مذيعين جدد وتقدمت برفقة ثلاثمئة شاب وفتاة، واجتازت الاختبارات وتم اختيارها كمذيعة في النشرة الإخبارية، وتعرف عليها الجمهور من هنا، حيث لم تكن الفضائيات شهدت انتشارا واسعا، وكان المذيع بالتلفزيون المصري نجما وقتها.

منذ انطلاقتها الأولى كانت شغوفة بالنواحي الثقافية وحلمت مبكرا بمشروع إعلامي ثقافي يختلف عن المنابر الإعلامية الموجودة في مصر، فركزت جهودها على إثبات ذاتها وقدراتها كمذيعة للنشرة، حتى اختمرت تماما فكرة تقديم برنامج ثقافي.

ما ساعدها على النجاح في هذه المهمة الصعبة أنها تقدم المعلومات الثقافية والأدبية بشكل مبسط وسهل، باعتبار أن أغلبية الجمهور لا تستهويه الثقافة، وهناك شريحة كبيرة لا تجيد القراءة والكتابة، وأكثر من نصف المصريين من فئة الشباب لديهم شواغل بعيدة عن الثقافة ومطالعة التاريخ وسير الأدباء والشعراء.

صدمات ثقافية

الإعلام السياسي والأمني مجال تبرع فيه الخلالي التي عملت محاضرة بأكاديمية الشرطة
الإعلام السياسي والأمني مجال تبرع فيه الخلالي التي عملت محاضرة بأكاديمية الشرطة

لجأت إلى تقديم جرعات ثقافية في صورة كبسولات بسيطة من خلال تلخيص الكتب الشهيرة لتضعها أمام الجمهور على هيئة قصة قصيرة بطريقة شيقة لتناسب العقليات المختلفة التي تشاهدها، وخاطبت الصغير والكبير، والمثقف والأمي، والرجل والمرأة، وصارت مختلفة عن الآخرين في هذا الجانب.

ميزة الخلالي أنها متحدثة لبقة، وخطابها مقبول لدى عموم الناس، وتفهم جيدا ما تقول، وتتكلم بطبيعتها دون تصنع، وتختار المصطلحات البسيطة لإقناع الجمهور بمضمون الكتاب الذي تتحدث عنه أو الرواية التي تقوم بشرحها، وحين تشعر أن جمهورها بدأ يمل الحديث عن جزئية ثقافية بعينها تقدم إليه جرعة مختلفة.

برنامجها ليس ثقافيا بالمعنى الحرفي، لكنه فني ثقافي أدبي علمي، تبدأه بتناول كتاب تاريخي لأديب أو شاعر، ثم تستضيف فنانا أو روائيا، وتتحدث عن قصة لها علاقة بالأطفال والتربية والأسرة، وتتطرق إلى مسيرة عالم أو أديب، ولا تمانع أن تتعرض بالرأي والتحليل لظاهرة أو قضية مرتبطة بالثقافة والفنون والفكر والإبداع.

نجحت بهذه الخلطة الثقافية في أن تقدم للجمهور وجبة دسمة وتعكف على صناعة حالة وعي متقن من منظور أدبي، وساعدها في ذلك أسلوبها القائم على السهولة، فهي تتحدث للناس وعنهم بطريقة بسيطة كأنها تخاطب جمهور المقهى، وتنزل إلى مستوى أقل عقلية بالمجتمع لتأخذها في طريقها إلى عالم الأدب والثقافة.

ترفض فكرة استمرار المذيع على وتيرة واحدة طوال البرنامج، لأن ذلك يدفع الجمهور إلى الملل والنفور، واعتادت أن تقدم في برنامجها بأي قناة عملت فيها فقرات متعددة.

اعتادت الخلالي ألا تكتفي بتغذية الجانب الثقافي عند الجمهور، وحمّلت نفسها مسؤولية الكشف عن الكتب المزيفة التي تم التسويق لها عبر التاريخ باعتبارها مقدسة، منها كتاب ذائع الصيت بعنوان “شمس المعارف” وأكدت بالأدلة القاطعة أنه أكذوبة.

أثبتت أن كتاب “تفسير الأحلام لابن سيرين” تجارة باطلة يتم توظيفها لاستقطاب الباحثين عن تفسير أحلامهم من قبل محتالين، وهي التي قادت وزارة الأوقاف المصرية إلى مراجعة الكتاب والبحث في خلفياته وخرجت الوزارة لتؤكد أنه خرافات، وأن ابن سيرين لم يقدم هذا المؤلّف.

كان ذلك الكتاب يتم استغلاله من جانب منابر إعلامية كثيرة تستضيف شيوخا للاستناد إليه في شرح وتفسير الأحلام للجمهور، ونجحت الخلالي في نسفه من قاموس الدعاة والإعلاميين، لكونها تعادي كل ما هو دخيل على الثقافة والآداب، وتتمسك بأن تكشف حقيقته، طالما يتم توظيفه للتربح المالي والنصب على المواطنين باسم التثقيف.

فضائح النشر

برامج الخلالي تظهر أن المجتمع المصري مستعد للتعايش مع القراءة والأدب والفنون
برامج الخلالي تظهر أن المجتمع المصري مستعد للتعايش مع القراءة والأدب والفنون

كانت الإعلامية الوحيدة التي فتحت ملف فساد بعض دور نشر الكتب والدوريات، وتسببت حلقاتها في إغلاقها بعدما كشفتها على حقيقتها وأظهرت أن هناك دورا تتقدم للحصول على جوائز من الدولة على تأليف كتب بعينها يتبين أنها مسروقة من مؤلفين.

في إحدى المرات تدخلت وزارة الثقافة لسحب الجائزة من دار نشر قدمت الخلالي ما يثبت أنها محتالة، حيث سرقت مجهود غيرها إلى درجة أنها كانت السبب في غلق هذه الدار، ومراجعة كتب باقي دور النشر المزيفة.

تقبل المعرفة المرتبطة بالثقافة والفنون والآداب والشعر والتاريخ وتعرضها بعدما تقضي أياما في قراءتها وتلخيصها والبحث في خلفياتها لتقدمها في صورة قصص شيقة، وتدرك جيدا أن الأهم في إقناع الجمهور كيفية تقديم المادة الثقافية إليه وتذكيره بالأمور المنسية حتى يبدأ في الاقتراب منها، ولو من باب حب الاستطلاع.

الخلالي تقدم المعلومات الثقافية والأدبية بشكل مبسط وسهل، باعتبار أن أغلبية الجمهور لا تستهويه الثقافة، وهناك شريحة كبيرة لا تجيد القراءة والكتابة أصلاً، وأكثر من نصف الشبان المصريين لديهم شواغل بعيدة عن الثقافة

كانت صاحبة المقدمة الشهيرة والأغرب في البرامج التلفزيونية غير الدينية، حيث تبدأ برنامجها بعبارة “اللهم صلّ وبارك على نبينا محمد”، ما عرضها لانتقادات، وقالت إنها تبتدع مقدمات تحمل صبغة دينية للعب على وتر التدين الشعبي، لكن في الحقيقة هي صوفية.

لم يغير الانفتاح الفكري والثقافي من كونها امرأة تربت في بيئة بدوية، لكنها في الوقت ذاته متحضّرة عندما تتطرق لمناقشة قضايا دينية، وقدمت من قبل برنامجا باسم “أحاديث الفتنة” ركز على تصحيح الأحاديث النبوية المغلوطة والمنسوبة إلى النبي محمد كذبا، بغرض تبرئة الإسلام من النصوص الدخيلة عليه التي تروج للتطرف.

كان لافتا خلال تنقلاتها بين القنوات المصرية المختلفة أن برنامجها يحظى بنسب مشاهدات عالية، ما برهن على أن الجمهور يبحث عن القيمة والهدف ولا يمانع التثقيف شريطة أن يبادر الإعلام بذلك، وإن كانت مقتنعة بأن الترفيه مطلوب، لكن يجب ألا تسير القنوات بمبدأ ما يطلبه الجمهور، ولو كان سطحيا وساذجا.

تبحث دائما عن إقناع الجمهور بأن الثقافة ممتعة وليست معقدة أو جامدة، وتناسب كل الفئات والشرائح من دون اقتصارها على الأدباء والمثقفين ومن غيرها لا يستقيم الإنسان في حياته وسلوكياته وطباعه، ونجحت في توصيل هذه الرسائل بطريقة سهلة وجذابة وأقنعت شريحة واسعة من جمهورها بذلك وصار ينتقل خلفها بين القنوات.

عندما أرادت استقطاب الصغار والمراهقين من خلال برنامجها “مع قصواء” خصصت لهم فقرة استعانت فيها بمجموعة من الكتاب يتحدثون بطريقة الحدوتة عن كتب ومؤلفات عديدة واستعرضوها بطريقة دفعت الأطفال إلى الجلوس أمام الشاشة لمشاهدتها كي تحثهم على القراءة من تلقاء أنفسهم.

مشروع وطني

تؤمن الخلالي بأنها تشارك في مشروع وطني أطلقه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يرتبط ببناء الإنسان من خلال تقديم ثقافة وتاريخ وعلوم إنسانية، هي إعلامية تتعامل مع مهنتها كرسالة وليست وظيفة.

أصبحت متعبة لأي قناة تعمل بها لأنها ترفض بشكل مطلق أن تتحكم الإعلانات في برنامجها مهما كانت القيمة المادية التي ستتحصل عليها القناة، وأعلنت رفضها تدخل الجهات المعلنة في برامجها، ولو جلست في بيتها سنوات بلا عمل.

الدولة بريئة، حسب الخلالي، من السطحية التي صارت عليها بعض البرامج

لدى الخلالي رؤية خاصة حول تراجع الدور التثقيفي للإعلام، فهي تعتبر أن الدولة بريئة من السطحية التي صارت عليها بعض البرامج وانشغالها بأمور بعيدة عن متطلبات الشارع، وأن كل قناة تتعامل مع ما تقدمه حسب رؤيتها للدولة، وهذا خطر بالغ في المفهوم، لأن الدولة ليست بحاجة إلى ترفيه بقدر حاجتها إلى التثقيف.

وإذا كانت منصات التواصل الاجتماعي في مصر صارت المحرك الأساسي للإعلام، فإن الخلالي تنظر إلى ذلك بامتعاض بالغ لأنه لا يصح أن يترك الإعلام نفسه لتسوقه الشبكات الاجتماعية، وعليه أن يرفع من شأن المجتمع ويقدم خطابا ينتشل الناس من قاع الانفلات إلى قمة الوعي، ولن يتحقق ذلك إلا إذا هزم الإعلام المنصات غير الجادة.

وتشكلت هذه القناعات في شخصيتها خلال مسيرة إعلامية اكتسبت خلالها الكثير من الخبرات التي جعلتها مختلفة عن أغلب أبناء المهنة، حيث عملت في العديد من التخصصات الإعلامية من مقدمة نشرة “صباح الخير يا مصر” على شاشة الفضائية المصرية إلى تقديم برامج سياسية بنفس القناة بينها “على اسم مصر”، ثم عملت مراسلة للتلفزيون المصري في رئاسة الجمهورية لنقل الأحداث المهمة واختيرت أكثر من مرة لتغطية الزيارات الرئاسية التي كان يقوم بها زعماء دوليون إلى مصر.

خاضت تجربة العمل بقناة “دريم” وقت أن كانت هذه المحطة في أوج شهرتها، واختيرت لتقديم البرنامج الصباحي الشهير “صباح دريم”، وبعدها حولت وجهة عملها إلى الراديو لتقديم برنامج “قهوة المثقفين”، ما دفع الكثير من الصحف والمجلات المصرية إلى الاستعانة بها لكتابة مقالات حول الشأن السياسي والثقافي، بينها مجلة نصف الدنيا وصحف الجمهورية والدستور واليوم السابع والمصري اليوم.

وسبق لها العمل كمحاضرة في الإعلام الأمني بأكاديمية الشرطة ومحاضرة في الإعلام السياسي بعدد من الجامعات المصرية، حتى قدمت برنامج “المساء مع قصواء” على فضائية “تن” قبل أن تتركها وتستقر حاليا في قناة “سي.بي.سي”.

حجزت الخلالي لنفسها مكانة في الإعلام وعند الجمهور بحكم الخبرات التي اكتسبتها وأصبحت تعرف جيدا كيف تكون مختلفة ومتنوعة وجريئة في اختيار اللون الإعلامي الذي يجعلها متميزة عن باقي أبناء المهنة، فاختارت الثقافة رغم صعوبة إقناع الجمهور بها ووصلت إلى مرحلة من التفوق المهني جعلت الكثير من المثقفين والمفكرين والكتاب والفنانين يطلبون الظهور في برنامجها، لا أن تعرض عليهم بنفسها أن يظهروا معها، وقالت عن ذلك في إحدى المناسبات “الآن أدركت أن المجتمع المصري عاشق للثقافة، لكنه يحتاج إلى من يمد إليه يد العون”.

12