قرية عراقية لم ير سكانها من العالم سوى قاعدة عسكرية

السحل قرية منقطعة عن العالم تعاني نقص الخدمات والتهميش.
الثلاثاء 2021/10/26
بعيدا عن ضجيج العالم

بغداد - تقبع قرية السحل المنقطعة عن العالم منذ أكثر من قرن دون كهرباء ولا ماء ولا مستوصف، ويعيش سكانها الذين لا يتجاوز عددهم مئتي عائلة حياة بدائية تعتمد على الزراعة والرعي، ولم يسبق أن رأوا من العالم سوى قاعدة عسكرية.

يتطلب الوصول إلى أقرب مستشفى عن القرية الواقعة في عمق صحراء العراق مدة تقدر بحوالي نصف ساعة، وليس في هذه البقعة القاحلة المحاطة بتلال صخرية على أطراف وادي حوران في محافظة الأنبار، سوى مدرسة ابتدائية وليس فيها حلّاق حتى.

ويشهد العراق وهو ثاني مصدّر للنفط في منظمة أوبك ويدّر عليه 90 في المئة من عائداته، وضعا صعبا في ظل الفساد والأزمات المتوالية التي أهلكت بناه التحتية وخدمات الطاقة فيه، وبات ثلث سكانه الأربعين مليونا عند خط الفقر.

ويتسلل ماض بعيد إلى الأذهان عند المرور بالطريق المتعرج والوعر المؤدي إلى القرية: منازل متفرقة بسيطة بأبواب حديدية فيما اختفت الشبابيك عن أغلب جدرانها، ومشهد أطلال من الحجارة غيّر الزمن لونها. وبين الفينة والأخرى، تظهر سيارة قديمة وآليات زراعية أكل عليها الدهر وشرب.

قرية السحل تقبع منذ أكثر من قرن دون كهرباء ولا ماء ولا مستشفى، ويعيش سكانها حياة بدائية تعتمد على الزراعة والرعي

وللتواصل مع العالم الخارجي، يكتفي سكانها بهواتف جوالة قديمة، لأن شبكة الإنترنت والهواتف الذكية، لم تجد طريقها بين غبار الصحراء إليهم بعد.

يروي أبومجيد وهو من أبرز وجهاء القرية ويبلغ من العمر 70 عاما، فيما ارتدى زيا عربيا وغطى رأسه بكوفية باللونين الأبيض والأحمر، “قريتنا عمرها أكثر من مئة سنة وطوال هذه السنين وهي دون كهرباء ولا ماء ولا مركز صحي”. ويضيف وهو يشير بيده إلى الحقول القاحلة من حوله “نعيش حياة بدائية بسيطة”.

وللتزوّد بالماء، يستخدم الأهالي مضخة ديزل لسحب المياه من بئر في باطن الأرض، ويجمعونها بعد ذلك في بركة محاطة بحجر مغطى بالأسمنت. وتشرب منها أغنامهم ويحملون بعضا منها إلى منازلهم. ويقول أبومجيد “في الزراعة، نعتمد على مياه الأمطار”.

وبين منازل القرية التي تبعد أكثر من 250 كلم عن العاصمة بغداد، حظائر صغيرة لجمع الأغنام محاطة بأسوار معدنية. فيما يندر أن يتجوّل سكانها في الخارج.

ولم يذهب أبومجيد سوى مرة واحدة في حياته إلى بغداد، قبل نحو 20 عاما.

وما زالت العادات والتقاليد المحافظة حاضرة بشدة في هذه البقعة من صحراء العراق، إذ تحدثت أم مجيد مع الزوار الرجال من خلف باب منزلها، لتشكو النقص في الخدمات الطبية والكهرباء. فالقرية غير متصلة بشبكة الكهرباء التي يعدها سكانها شكلا من أشكال الرفاهية، رغم أن العراقيين عموما في أرجاء أخرى من البلاد يعانون من انقطاعها لساعات طويلة يوميا.

ويعتمد السكان على مولدات كهرباء بسيطة وقديمة للإنارة وتشغيل التلفزيون لساعات قليلة فقط. وتروي أم مجيد “أبناؤنا محرومون من الرعاية الصحية ومن التلفزيون إلا لساعة أو اثنتين من فترة إلى أخرى”.

وعلى بعد العشرات من الكيلومترات عن القرية، تقع قاعدة “عين الأسد”، أهم المقرات العسكرية العراقية التي تضم قوات أميركية في العراق، وتتعرض لهجمات صاروخية من حين إلى آخر.

وليس هناك أي تواصل بين القوات المتواجدة في القاعدة وأهالي القرية، حسبما ذكر أبومجيد الذي ولد في قرية قديمة باتت اليوم جزءا من القاعدة.

ويروي من جهته راعي الأغنام الشاب مهدي أنه في “إحدى المرات، قتلت اثنتان من أغنامي برصاص عندما كنت في مرعى مجاور للقاعدة تزامنا مع تدريب في ميدان رماية”.

حياة بدائية في بلد نفطي
حياة بدائية في بلد نفطي 

ويضيف بحسرة “لا نعرف غير الرعي والزراعة لكسب العيش”، فيما يعمل آخرون في استخراج الصخور المستخدمة في البناء.

وليساعد مهدي البالغ من العمر 17 عاما أهله في رعاية مواشيهم، ترك دراسته في المدرسة الابتدائية الوحيدة في القرية، والتي تضم ستة صفوف تكاد لا تكفي لاستقبال أطفال قرية السحل.

ويروي فيما لفّ رأسه بكوفية باللونين الأسود والبني وارتدى ملابس سميكة رغم تخطي حرارة الجو الأربعين درجة مئوية “ليس عندنا غير مدرسة ابتدائية، لا شيء غيرها”.

ويؤكد قطري كهلان العبيدي، أحد المسؤولين المحليين في ناحية البغدادي التي تتبع لها قرية السحل، أن “القرية تعاني من نقص في الخدمات”.

وتحدث العبيدي في الوقت نفسه عن وجود مشاريع من المزمع القيام بها لتأمين الكهرباء وبناء محطة تصفية مياه للقرية. ودعا في الوقت ذاته المنظمات الحكومية والإنسانية لتقديم الدعم من أجل بناء مركز صحي لأهالي قرية السحل.

ويمثل غياب الخدمات الصحية معاناة إضافية للأهالي. ويقول أبومجيد بهذا الخصوص “إذا مرض أحد (هنا) يموت، لأن نقله (إلى أقرب مستشفى) خصوصا خلال الليل ليس سهلا”.

وتحدث عن “وفاة رجل بمنتصف العمر في الثاني من أغسطس، بسبب تعرضه لأزمة صحية، وهو في الطريق إلى مستشفى ناحية البغدادي”. ويزيد غياب أي طريق معبد يصل القرية بما حولها الأمر صعوبة.

وتُضطر العائلات لنقل الحوامل قبيل موعد الولادة إلى مستشفى في البغدادي لتأمين رعايتهن قبل أن يضعن. غير أن وباء كوفيد - 19 الذي يشكل تهديدا للكثير من دول العالم، لم يعرف طريقه إلى هذه القرية الغارقة تحت وعورة التضاريس وقساوة المناخ، حسبما أكد أبومجيد، قائلا “لم تصل كورونا إلى قريتنا ولم يتلق أي فرد من قريتنا اللقاح”.

3