قرابين اليمين الإسرائيلي لحل الدولتين

تصريحات نتنياهو وغالانت وسموتريتش وأشباههم كإيتمار وعميحاي الذي طالب باستهداف غزّة بقنبلة نووية تخدم القضية الفلسطينية وتثير ردّات فعل متعاطفة معها وتأتي بنتائج عكسية على حكومة الليكود.
السبت 2023/12/16
جرائم غزة أسقطت ورقة التوت عن إسرائيل

في مقال سّابق (العرب 13 ديسمبر 2023) تطرّقت لفرضية انضمام اليمين الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية وقبوله التسوية السياسية وإمكانية تحقيق المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، واليوم سأتابع الحديث لكن عن اليمين الإسرائيلي وقابليته للتغيير، وبالتالي الجلوس على طاولة المفاوضات التي ستبحث إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران للعام 1967، والتي تصدّر الخلاف بشأنها بين بنيامين نتنياهو وحكومته من جهة والرئيس جو بايدن وإدارته الأميركية من جهة أخرى، عناوين الأخبار هذه الأيام، الأمر الذي دفع الأخير إلى انتقادها علنا.

من الجلي القول إن حكومة اليمين المتطرفة الحالية تضم عقولا إرهابية من درجة السّوبر ستار، ولو أخذنا عيّنة من هذه الحكومة كوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، نجم الأبارتايد الأبرز، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش وتتبعنا بعضا من تصريحات الأخير قبل الحرب، لأدركنا أنّه مجرم برتبة وزير، فهو شخص لا يرعوي ولا يقيم أيّ وزن للرأي العام العالمي، فلم تكد تهدأ ردود الأفعال الدولية المستهجنة لتصريحاته الدّاعية لمحو بلدة حوّارة، حتى اشتعلت مرة أخرى، لعرضه خريطة تضم فلسطين والمملكة الأردنية الهاشمية ضمن حدود دولة إسرائيل المستقبلية. ومما تفوّه به سموتريتش في باريس بتاريخ 19 مارس 2023 بأنّه “لا يوجد فلسطينيون لأنه لا يوجد شعب فلسطيني”، وأضاف “بعد 2000 عام في المنفى يعود شعب إسرائيل إلى دياره”. وتابع “هناك عرب حولهم لا يحبون ذلك.. اخترعوا شعبا وهميا ويدّعون حقوقا وهمية في أرض إسرائيل فقط لمحاربة الحركة الصهيونية”.

اليمين الفلسطيني أظهر مرونة وقابلية للتغيير عبر تصريحاته وتصرفاته، وفي المقابل أظهر اليمين الإسرائيلي تعنتا بيّنا حتى في تصريحاته، وهو ما قد يؤدي إلى تقديم بن غفير وعصابته قرابين لحل الدولتين

وهنا نستحضر أيضا خطاب بنيامين نتنياهو، في العام الحالي، من أعلى منصة في الأمم المتحدة والذي قال فيه إن الفلسطينيين يشكّلون 2 في المئة من العالم العربي، مع عرضه لخريطة لا تضم فلسطين. ولا يفوتنا أيضا قول وزير الدفاع يوآف غالانت في الأيام الأولى من الحرب “نفرض حصارا كاملا على مدينة غزة، لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء مغلق، نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقا لذلك”. وردا عليه، قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية إن تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الأخيرة حول الفلسطينيين “دعوة لارتكاب جرائم حرب”.

لا غرو أن تصريحات نتنياهو وغالانت وسموتريتش وأشباههم كإيتمار بن غفير وصنوه عميحاي إلياهو وزير التراث الإسرائيلي، الذي طالب باستهداف غزّة بقنبلة نووية، تخدم القضية الفلسطينية وتثير ردود فعل متعاطفة معها، وتأتي بنتائج عكسية على حكومة الليكود، وهذا ما هو ملموس من المواقف الدّولية الرّافضة لها وحتى من أميركا نفسها الراعي الأكبر لإسرائيل، لا وبل من تصريحات الإسرائيليين أنفسهم من الواقفين بالجهة المضادة للمتطرفين، وهذا أمر لا يحتاج إلى استنتاج.

ولا غرو أيضا أنّ العنجهية الإسرائيلية في التعامل باستعلاء مع التّصريحات المنتقدة لها، تأتي أيضا بنتائج إيجابية تصب في صالح القضية الفلسطينية، كردودها المستفزّة على تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة ورئيسي وزراء إسبانيا وبلجيكا، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، وحقيقة قد دفعهم هذا التعالي ليس للتشبث بمواقفهم فقط بل وللتصعيد أيضا، وخير دليل على ذلك مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، والتزام رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز بالعمل للاعتراف بالدولة الفلسطينية، بمعزل عن قرار الاتحاد الأوروبي في حال فوز حزبه بالانتخابات المقبلة.

ولكن في المقابل كم خدمت تصريحات ساذجة من بعض القادة في منطقتنا شبيهة بتصريحات سموتريتش، إسرائيل، وكم أثارت من ردّات فعل متعاطفة مع الإسرائيليين على مستوى العالم. تلك التصريحات التي كانت توصف بالنّارية على شاشات التلفزيونات العربية والإسلامية، من منّا لا يتذكر تصريحات الرّئيس الإيراني السّابق أحمدي نجاد بخصوص إزالة إسرائيل عن الخريطة وردود الفعل الدّولية المنددة بها؟

وبالتركيز على الخطاب الذي يتحدث به غُلاة التطرف الديني في إسرائيل والجهر بأفكارهم وأحقادهم، نصل إلى نتيجة مفادها أنه من المحال تغيير هذه العقلية المنغلقة أو تطويعها أو تطويرها، ولهذا نأى الرئيس الأميركي جو بايدن بنفسه وبإدارته عنهم، حين قال مؤخرا “بن غفير ورفاقه يريدون فقط الانتقام من الفلسطينيين، ولا يريدون أي شيء له علاقة بحل الدّولتين”. فمن الواضح أنّ هوّة الخلاف بخصوص الحل السّياسي تتسع بين أميركا وإسرائيل ويقابله توافق تام من ناحية الحل العسكري، بإنهاء حكم حماس في القطاع واستعادة الرهائن، ولهذا طالب الرئيس الأميركي من بيبي تغيير الحكومة الإسرائيلية المتطرفة “لإيجاد حل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي”.

حكومة اليمين المتطرفة الحالية تضم عقولا إرهابية، ولو أخذنا عيّنة من هذه الحكومة كوزير المالية بتسلئيل سموتريتش وتتبعنا بعضا من تصريحات الأخير قبل الحرب، لأدركنا أنّه مجرم برتبة وزير

وفي سياق متصل، رد وزيران إسرائيليان وهما وزير الاتصالات شلومو كرعي والوزير بالكابينت جدعون ساعر، على تصريحات الرئيس الأميركي، وقالا “إن تل أبيب لن تسمح أبدا بإقامة دولة أخرى بين نهر الأردن والبحر، لن نعود إلى أوسلو”.

وهذا يعبّر بجلاء عن أن الإدارة الأميركية وصلت إلى طريق مسدود مع بن غفير ورفاقه وضاقت بهم ذرعا ولم تعتد تحتمل المزيد من تعنتهم السّياسي. مع الأخذ بالحسبان التعاطف الدّولي المتزايد مع ضرورة وقف إطلاق النّار في غزّة، والذي بدا في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12- 12 – 2023 في دورتها الاستثنائية الخاصة على مشروع قرار تقدمت به المجموعة العربية ومنظمة التّعاون الإسلامي تحت عنوان “حماية السّكان المدنيين والالتزام بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني”، بغالبية 153 صوتا.

وللأمانة، لا بد من لفت الانتباه لمسألة مهمّة، وهي أنّ غالبية دول العالم المتقدم تكرر بشكل مستمر عبارة تقول إن “إسرائيل هي واحة للديمقراطية في منطقة يسودها القمع والاستبداد”، طبعا لا لوم على الغرب المتحضر لاستخدامه هذه العبارة وتصديعه لرؤوسنا بها، والتي يبرر بها معاملته لإسرائيل معاملة تختلف كليا عن باقي دول المنطقة، فهي رغم بلطجة حكومة الليكود، تظلّ بنظره التلميذ اللطيف والنجيب الوحيد في مدرسة الشرق الأوسط، ولكن لو كانت باقي الدّول في المنطقة تطبّق معايير ديمقراطية ولو بالحد الأدنى كما تفعل إسرائيل، لفقدت هذه العبارة معناها ولم تعد تملك أيّ قيمة نهائيا، ولصمت الغرب عن هذه الأسطوانة المشروخة على الأقل في يوميات الإبادة الجماعية في قطاع غزّة المكلوم، وسقطت ورقة التوت عن إسرائيل، وانتهت المعاملة المدللة التي تميز التعامل معها والتي اتخذتها منطلقا لمجازرها المتتابعة ضد الفلسطينيين وكأنها دولة فوق القانون.

لذلك نجد أن اليمين الفلسطيني أظهر مرونة وقابلية للتغيير عبر تصريحاته وتصرفاته، وفي المقابل أظهر اليمين الإسرائيلي تعنتا بيّنا حتى في تصريحاته، وهو ما قد يؤدي إلى تقديم بن غفير وعصابته قرابين لحل الدولتين.

8