قانون موازنة تونسية يعكس الارتهان للمؤسسات المانحة

اعتبر خبراء اقتصاد في تونس أن مشروع قانون الموازنة للعام المالي المقبل لن يخرج من سياق الارتهان للمؤسسات الأجنبية المانحة مشككين في بند عدم الرفع في الرسوم الضريبية، حيث يطرح ذلك تساؤلات حول مصادر تمويل هذه الموازنة ما لم يكن عبر قروض جديدة لاسيما في ظل الركود الاقتصادي.
تونس - فتح مشروع قانون المالية لعام 2021 جدلا واسعا نظرا لارتفاع منسوب النفقات العامة الذي لا تقابله إنتاجية، الأمر الذي اعتبره خبراء بمثابة هروب من الاحتقان الاجتماعي عبر عدم فرض الضرائب وتخيير الاستمرار في مسار القروض لتمويل النفقات.
ومن المنتظر أن ينظر مجلس نواب الشعب (البرلمان) في مشروع القانون الذي أحيل وفق الآجال الدستورية، ابتداء من الجمعة المقبل حيث يتم مناقشته وإحالته إلى لجنة المالية صلب البرلمان للتصويت عليه في الجلسة العامة.
وتقول الحكومة إن المشروع الجديد يخفف الضغوط الجبائية على المؤسسات والمواطنين، إلا أن خبراء اقتصاد اعتبروه مواصلة في نهج الحلول الترقيعية.
ويستند الخبراء في مقاربتهم إلى أن غياب الموارد لتعبئة الموازنة في ظل الركود الاقتصادي يطرح أسئلة حول مصادر التمويل التي ستعتمد عليها الدولة لتغطية نفقاتها.
ويقول خبراء إن الدولة ما لم تفرض ضرائب فهي لمحالة ستضطر إلى الاقتراض مجددا للتغطية النفقات، ما يعني المزيد من ارتباك التوازنات المالية وتغذية العجز في الموازنة.وقدّر مشروع القانون موازنة الدولة بمبلغ 52.6 مليار دينار، أي بزيادة بنحو 4 في المئة، مسجلا بذلك عجزا بنسبة 14 في المئة، في حين لم يتضمن المشروع زيادة ضريبية ولا ضرائب جديدة.
وقال الخبير الاقتصادي معز الجودي لـ”العرب”، إن “تمويل الموازنة سيتم عبر الجباية دون زيادة جديدة، لكن بمديونية مرتفعة ستصل إلى 20 مليار دينار على كامل السنة”.
وأضاف الجودي “سيقع تمويل جزء كبير من النفقات من موارد السوق المالية الداخلية عبر آلية سندات الخزينة التي ستشريها البنوك وبضخ السيولة من البنك المركزي الذي طالب بالمشاركة بعملية التمويل عبر شرائه لسندات الخزينة لتوفير السيولة لأزمة التمويل”.
وأوضح الخبير أن “قانون الموازنة قائم على المديونية بالأساس”. محذرا من أن “حجم العجز سيكون في حدود 8 مليارات دينار أي في حدود 7 في المئة من الناتج الداخلي الخام لسنة 2021”.
وتابع بأنها ستكون “موازنة بعجز كبير وحجم مخيف للمديونية”. ولفت إلى أن “المديونية من الخارج ستكون أصعب في السنة القادمة بسبب نسب الفائدة العالية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعيات الوباء”.
ويعتقد الجودي أن الحكومة التجأت إلى الحلول السهلة بتعويلها على سياسة المديونية والاقتراض، فيما لم يقع تنشيط الاقتصاد. واستغرب الخبير من تراجع الاستثمارات حيث لم يخصص القانون غير 1.5 مليار دينار فقط للاستثمار المباشر وهو رقم ضعيف.
من جهة أخرى يتساءل الخبراء عن كيفية توفير الحكومة لنفقاتها في الميزانية الجديدة بعد أن قامت بالترفيع فيها، وتعني الزيادة في النفقات بالضرورة الزيادة في الموارد. ويرى هؤلاء أن عدم التعويل على الضرائب يعني الالتجاء إلى سياسة الاقتراض والرضوخ لمطالب المانحين الدوليين.
من جانبه يصف الخبير الاقتصادي حسين الديماسي قانون الموازنة الجديد بـ”المتناقض تماما”. وتابع في تصريح لـ”لعرب”، “من ناحية لا يعول القانون كثيرا على الموارد الذاتية للميزانية التي ستشهد تقلصا بسبب الوباء وهو ما سيؤثر على الموارد المـتأتية من الأداء على الأرباح ومن ناحية أخرى فإن النفقات تتصاعد بشكل كبير وهذا يؤدي إلى انغماس خيالي وغير منطقي في الاقتراض وخاصة الاقتراض الخارجي”.
ويتوقع الديماسي أن “يتضاعف الاقتراض الخارجي مقارنة بقانون المالية للعام الجاري بنسبة 20 في المئة وهي نسبة غير مسبوقة في تاريخ الاقتصاد التونسي”. مضيفا أنه “لم يسبق أن تضاعف اقتراض الموازنة بهذا الشكل”.
وأكد أن “سياسة الاقتراض ستكون موجعة على اقتصاد البلاد وستدفع تكلفته باهظا في المستقبل خاصة وأن القروض التي تتأتى من السوق العالمية تخضع لشروط قاسية وستؤثر سلبا على اقتصاد البلاد في السنوات المقبلة”.
وتقدر قيمة النفقات المبرمجة في مشروع قانون الموازنة بـنحو 30 مليار دينار (10.9 مليار دولار) مقابل تخصيص 7 مليارات دينار (2.1 مليار دولار) فقط للتنمية و15.7 مليار (5.7 مليار دولار) خدمة للدين العمومي.
وتم إعداد هذا المشروع بتحديد سعر برميل النفط بقيمة 45 دولارا، مع توقع أن تكون جملة المداخيل الجبائية بـ30 مليار دينار، فيما تفوق نفقات التصرف 30 مليار دينار، أما خدمة الدين العمومي، فإن نفقاتها ستناهز الـ15 مليار دينار، وبهذه المعطيات يكون عجز الميزانية في حدود 20 مليار دينار.
وتقول الحكومة إن مقترحات مشروع الموازنة تأتي في إطار مواصلة الإصلاح الجبائي والإنصاف في الحسابات وخفض الإنفاق.
وقدرت حكومة هشام المشيشي تسجيل انخفاض في الموارد الضريبية بنحو 6 مليارات دينار. وينص أوّل إجراء في قانون الموازنة الجديد على توحيد نسب الضريبة على الشركات بحذف نسب الضريبة المحددة بحوالي 25 في المئة و20 في المئة و13.5 في المئة وضبطها في مستوى 18 في المئة.
وتهدف الخطوة حسب الحكومة إلى إصلاح المنظومة الجبائية وتخفيف العبء الجبائي على المؤسسات وتفادي تعدد نسب الضريبة. على أن تطبق نسبة 18 في المئة على الأرباح المحققة ابتداء من السنة القادمة.
وكانت تونس تتوقع اقتراض 12 مليار دينار (4.36 مليار دولار) في 2020، لكن احتياجاتها زادت بشكل كبير بسبب أزمة فايروس كورونا. وحجم الاقتراض الجديد للعام الجاري غير معروف بعد، لكنّ مسؤولين آخرين يقولون إنه من المحتمل أن يتخطى 21 مليار دينار.
وتسببت أزمة فايروس كورونا في ركود تاريخي للاقتصاد التونسي. وانكمش الاقتصاد بحوالي 21.6 في المئة في الربع الثاني من 2020 مقارنة مع مستواه قبل عام.
وعلى الرغم من مساعي الحكومة النهوض بالاقتصاد المتعثر وخفض عجز الموازنة إلى 7.3 في المئة إلا أن الضغوط المالية والاقتصادية المستمرة تصعّب عليها ذلك.