قانون المطبوعات الليبي غير قادر على تنظيم العمل الإعلامي في عصر المعلومات

محمد علي الأصفر رئيس منظمة «أكاديميون للإعلام»: الحرية المطلقة لا تصنع إعلاما مهنيا.
الخميس 2020/11/19
الصحافي الليبي يعمل في حقل من الألغام

يرصد أستاذ الإعلام بالجامعات الليبية ورئيس منظمة “أكاديميون للإعلام” محمد علي الأصفر، في حوار مع “العرب”، واقع الإعلام الليبي والصعوبات التي يواجهها الصحافيون في ظل الاستقطاب السياسي وخطاب الكراهية المتفشي في وسائل الإعلام الليبية خصوصا التي تبث من خارج البلاد.

يواجه الصحافي الليبي الخطف والاغتيال لمجرد أن لديه وجهة نظر قد لا تروق للبعض، بينما تفشى خطاب الكراهية والعنصرية ليشكل خطرا على السلم الاجتماعي، في غياب التشريعات التي تحمي العمل الصحافي وتقف عائقا أمام محاربة هذا الخطاب، بحسب ما يؤكد محمد علي الأصفر أستاذ الإعلام بالجامعات الليبية ورئيس منظمة “أكاديميون للإعلام”.

وقال الأصفر في تصريحات لـ”العرب”، “مع الأسف أغلب الوسائل الإعلامية الليبية أصبحت أداة للتفرقة والتشتت الاجتماعي بفعل نشرها لخطاب الكراهية وبذلك ساهمت في إطالة فترة عدم استقرار الدولة ونموها وتطورها وأصبح دور بعض القنوات لا يقل عن دور الميليشيات والخارجين عن القانون بفعل ما تنشره من أخبار مزيفة ومفتعلة وانحيازها لأجندات خارجية ومتورطة في الأزمة الليبية”.

ورصد المركز الليبي لحرية الصحافة القنوات الفضائية التي تتبنى خطاب الكراهية، وقد تصدرت قناة النبأ الإخبارية الأكثر ارتكابا للإخلالات المهنية، فيما جاءت قناتا ليبيا 24 و218 في المرتبة الثانية وقناة ليبيا الحدث في المرتبة الثالثة تليها ليبيا الأحرار والتناصح وليبيا روحها الوطن وبانوراما والرائد فيما خرجت قناة ليبيا الإخبارية عن الرصد لأسباب تقنية.

ونشر الأصفر عام 2014، دراسة عن دور القنوات الفضائية في الأزمة السياسية والعسكرية في ليبيا وانقسام تلك القنوات إلى مجموعتين كل مجموعة منحازة إلى طرف في الصراع، وأظهرت النتيجة أن أغلب القنوات الفضائية ساهمت بشكل كبير في الانقسام السياسي والصراع المناطقي ومن الصعب جدا التصدي لخطاب الكراهية في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في ظل الانقسام السياسي في الدولة وتعدد الحكومات والمجالس التشريعية، والأمر يتطلب توحيد الجهود وبناء دولة واحدة بمؤسسات فاعلة قادرة على السيطرة والمتابعة والمحاسبة ووضع تشريعات رادعة واتخاذ إجراءات صارمة بحق المخالفين.

وعلق “أصبح خطاب الكراهية والعنصرية من العناصر المنبوذة والمشينة في جميع المجتمعات المتحضرة والتي تتميز بحرية الرأي والتعبير واحترام الرأي الآخر، هذا الخطاب يدمر المجتمعات ويخلق الفتن والنعرات العنصرية”.

محمد علي الأصفر: لا يزال للصحافة الورقية طقسها الخاص وميزة التوثيق الورقي لا تتوفر في مواقع التواصل
محمد علي الأصفر: لا يزال للصحافة الورقية طقسها الخاص وميزة التوثيق الورقي لا تتوفر في مواقع التواصل

ووفقا للأصفر فإن مهنة الصحافة في ليبيا بخير إذا ما تم النظر إلى توافر القدرات البشرية الصحافية من كُتاب وفنيين ومخرجين ومتخصصين والعديد من خريجي الجامعات والمعاهد العليا المتخصصين في مختلف المجالات الصحافية، هذه الأعداد قادرة على خلق صحافة قوية ومنافسة استنادا على الإرث الصحافي للآباء المؤسسين للصحافة في ليبيا منذ زمن طويل”.

واستطرد “إلا أن الظروف الأمنية والسياسية التي مرت وتمر بها البلاد، ضيعت الدولة ومؤسساتها وعلى رأسها الصحافة والإعلام. وأصبحنا من ضمن التراتيب المتأخرة في حرية التعبير عند تقييم المؤسسات الدولية كمؤسسة “مراسلون بلا حدود” والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان وغيرها. كما أن أغلب المتعاقبين على الحكومات الليبية سابقا وحاليا لا يعترفون بالإعلام وأهميته فهم يضعونه في آخر اهتمامهم وتخصص له أقل الميزانيات”.

ومرت الصحافة الليبية بمراحل تاريخية متعددة فكانت بدايتها قديمة ومتقدمة عن غيرها من البلدان العربية منذ العام 1828، بظهور صحيفة المنقب إلى البداية الرسمية في العام 1868، مع صدور صحيفة طرابلس الغرب وعاشت فترة الازدهار الصحافي من 1908 إلى 1911، بصدور ما يقارب عن 8 صحف يومية وهو تقدم غير متوقع في دولة متخلفة تغلب عليها الأمية لكن صحافتها انتكست بدخول “الفاشيست” الإيطاليين، بحسب تعبير الأصفر.

وتعثرت مرة أخرى خلال فترة الانتداب لكنها عادت خلال الخمسينات والستينات وأصبح لها آباء مؤسسون فكانت توزع بعشرات الآلاف وساهمت في مناقشة الكثير من القضايا من خلال المقالات والتحقيقات ثم تراجعت خلال السبعينات والثمانينات بعد احتكارها من قبل الدولة فقلّ عدد المطبوعات.

وبعد العام 2011، شهدت الصحافة طفرة كبيرة في عدد المطبوعات حتى وصلت إلى أكثر من 400 مطبوعة دون حسيب أو رقيب إلا أنها تراجعت مرة أخرى وقل عدد المطبوعات لعدم تشجيع الحكومات المتعاقبة ودعمها للعمل الصحافي بل ساهم الانفلات الأمني في هجرة بعض الصحافيين خوفا من الخطف والتعذيب وازدياد الاعتداء على المؤسسات الإعلامية.

وكفلت مسودة مشروع الدستور حرية التعبير والنشر وحرية الصحافة والإعلام في مادتيها 37 و38 كما نصت المادة 163 على إنشاء مجلس أعلى للإعلام والصحافة.

وأوضح الأصفر أن مشروع الدستور لم يتم التصويت عليه ونص على إنشاء المجلس الأعلى للإعلام والصحافة كاسم ولم يحدد اختصاصاته ولم يفرد له مادة مستقلة. وهو متعارف عليه في العديد من الدول مثل تونس ويسمى “الهايكا”.

ومن المتوقع أن يكون المجلس الأعلى للإعلام والصحافة هيئة عليا مستقلة ومن مهامه الإشراف والمتابعة والمساهمة في تنظيم القطاع الإعلامي وإصدار التشريعات واللوائح المنظمة للقطاع بصفة عامة على أن تضم هذه التشريعات حقوق الإعلاميين وواجباتهم ومن أهم هذه الحقوق حق الوصول إلى المعلومات والأخبار وحقهم في الحماية والرعاية والضمان والصحة وغيرها، وحقهم في التدريب والتطوير وواجباتهم في المصداقية والحياد والنزاهة واحترام الخصوصية والمصداقية وعدم استغلال الوظيفة إضافة إلى الحقوق المادية والمعنوية.

الظروف الأمنية والسياسية التي مرت وتمر بها البلاد، ضيعت الدولة ومؤسساتها وعلى رأسها الصحافة والإعلام
الظروف الأمنية والسياسية التي مرت وتمر بها البلاد، ضيعت الدولة ومؤسساتها وعلى رأسها الصحافة والإعلام

ويكمن التحدي في إخضاع وسائل الإعلام التي تبث من خارج ليبيا للتشريعات الإعلامية الليبية، وبين رئيس منظمة “أكاديميون للإعلام”، أنه بعد العام 2011، انتشرت العديد من القنوات والمواقع الإلكترونية التي تبث من خارج ليبيا وتحمل شعار ليبيا وتساهم إلى حد كبير في إثارة الفتن والمشاكل ومن الصعب محاسبتها ومتابعتها أو إحالة المتورطين في خطاب الكراهية والعنصرية بها إلى العدالة بحكم وجودها خارج الوطن.

وأضاف “تصدر هذه القنوات وتمول من جهات خارجية بمال مشبوه وأجندات غير معروفة قد لا يهمها استقرار البلاد وأمنها وبذلك تزيد الطين بلة وتسكب الوقود على النار الملتهبة في الداخل تحقيقا لأهداف غير معروفة ونقول أغلبها وليس جميعها إذ كيف يتم إيقافها أو محاسبتها في ظل دولة مشتتة وحكومات متعددة وانقسام سياسي وصراع عسكري وتدخلات خارجية متنوعة”.

ويؤمن الأصفر بأن الحرية المطلقة لا تصنع إعلاما مهنيا في غياب تشريعات تنظم وسائل الإعلام الليبية، قائلا “الحرية بصفة عامة مطمح لكل البشر والحق في حرية الرأي والتعبير يأتي في قمة الحقوق ولقد دعت كل الدساتير والمواثيق الدول إلى حرية الرأي والتعبير كالمادة 19 من ميثاق حقوق الإنسان”.

لكن حرية الإعلام تكمن في عدم المساس بالقيم والخصوصيات وأهمية التشريعات الإعلامية هي تنظيم العمل الإعلامي وليس الحد من حرية التعبير ومن ثم نجد أن جميع التشريعات الإعلامية تؤكد على مبدأ احترام حرية الرأي والتعبير وحمايتها. وهذا يتطلب النظر في التشريعات الإعلامية الليبية التي أكل عليها الدهر وشرب فقانون المطبوعات رقم 76 لسنة 1972، لم يعد قادرا على تنظيم العمل الإعلامي في عصر المعلومات والأقمار الصناعية والقنوات الفضائية وصحافة الموبايل. التي ظهرت بعد ذلك القانون بعشرات السنين، كما أن أغلب مواده عقابية ورادعة فهو أقرب لقانون الجنايات والعقوبات ولا يضم أيّا من حقوق الإعلاميين وفيه الكثير من السلبيات.

 

الصحافي الليبي يعمل في حقل من الألغام فإذا أثنى على الحكومة سيكون في نظر الحكومة عميلا وإذا انتقد مسؤولا في حكومة سيصبح صحافيا جريئا ومرضيا عنه

وأكد أستاذ الإعلام بالجامعات الليبية أن “الصحافي الليبي يعمل في حقل من الألغام فإذا أثنى على الحكومة سيكون في نظر الحكومة عميلا وإذا انتقد مسؤولا في حكومة سيصبح صحافيا جريئا ومرضيا عنه، إضافة إلى تعرضه في بعض الحالات للخطف والقتل والتعذيب”.

ورصدت المنظمات الدولية تفاقم حالات الاعتداء على الصحافيين والمؤسسات الإعلامية، ومن بين الصعوبات التي تواجه الصحافيين عدم قدرة البعض وبخاصة في القطاع العام على توفير متطلبات الحياة لضعف الرواتب والمزايا وعدم توفير الضمان الصحي وغيرها من المتطلبات، إلى جانب عدم اهتمام الدولة بقطاع الإعلام والإعلاميين وغياب التشريعات المنظمة للعمل الإعلامي وحماية الصحافيين.

وتطرق الأصفر لأزمة الصحف الورقية في ليبيا، بالقول إن الصحافة الورقية في العالم أجمع تواجه تحديا كبيرا وليس في ليبيا فحسب، ومع ذلك لا يزال للصحافة الورقية طقسها الخاص وميزة التوثيق الورقي الملموس التي لا تتوفر في مواقع التواصل الاجتماعي والصحف الإلكترونية.

ورأى أنه عندما ظهر الراديو قيل إن الصحافة الورقية انتهت ولم يحدث ذلك. وكذلك الحال عندما ظهر التلفزيون قيل إن الراديو انتهى. وعلى العكس تماما طور الراديو من برامجه. وهذا الكلام يقال اليوم عن الصحافة الورقية ومنافسة الصحافة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي لها.

وخلص إلى أن “المنافسة قوية في الواقع. لكن جمهور الصحافة الورقية موجود ومتمسك بها وهي تقوم بتطوير نفسها من حيث جمال الألوان والطباعة وتحسين الأخبار والتحقيقات المطولة التي تتميز بها”.

18