قانون الإعلام الإلكتروني في الجزائر يتجاهل حقوق الصحافيين

شروط الحكومة واحدة في منح الإعلانات للمنابر الرقمية أو التقليدية.
الخميس 2020/12/10
التسوية وفق الشروط أو الحظر

خرج قانون الإعلام الإلكتروني إلى النور في الجزائر متضمنا جملة من الشروط للسماح بإنشاء مواقع إلكترونية وإمكانية استفادتها من الدعم الحكومي، في حين أنه لم يقدّم أي ضمانات للصحافيين بتحسين أوضاعهم أو توسيع هامش الحريات لديهم.

الجزائر - أصدرت الحكومة الجزائرية مرسوما تنفيذيا يحدد قواعد ممارسة الإعلام الإلكتروني في البلاد، في أول خطوة من نوعها لتنظيم القطاع، بعد سنوات من النقاشات المستمرة حول ضرورة تنظيم القطاع وضبط الفوضى من جهة، ومنح الإعلام الدعم اللازم لتطويره في ظل التحول الرقمي للصحف من جهة أخرى.

ويأتي إصدار المرسوم الجديد بينما تشهد الساحة الإعلامية الجزائرية جدلا كبيرا حول حظر المواقع الإلكترونية الذي ازداد في الأشهر الأخيرة بذرائع مختلفة، فيما تصرّ الحكومة على أنها تهدف إلى ضبط القطاع فقط ولا تريد المساس بالحريات.

المرسوم لم يتضمّن بنودا عن الحريات وحقوق العاملين في الإعلام الإلكتروني، في حين أنها أكثر ما يشغل اهتمام الصحافيين

ويخلو قانون الإعلام الجزائري الصادر عام 2012، من أي قواعد قانونية منظمة للصحافة الإلكترونية، سواء كانت مكتوبة أو سمعية بصرية، بشكل دعا السلطات إلى وضع إطار قانوني لها.

ونُشر المرسوم في الجريدة الرسمية، مساء الثلاثاء، تحت اسم “المرسوم التنفيذي المحدد لممارسة نشاط الإعلام عبر الإنترنت ونشر الرد أو التصحيح عبر الموقع الإلكتروني”.

وبدا أن المرسوم لم يتضمن أي بنود واضحة تتحدث عن ضمان الحريات أو حقوق العاملين في الإعلام الإلكتروني، في حين أن هذه البنود هي أكثر ما يشغل اهتمام الصحافيين.

ووفق المرسوم، فإن إنشاء موقع إلكتروني إخباري سواء كان مكتوبا أو للإعلام السمعي البصري، يكون من قبل ممارسي المهنة الذين لا تقل خبرتهم عن 3 سنوات، ولديهم جنسية جزائرية، ولم يسبق الحكم عليهم في قضايا قذف.

ويحرم هذا الشرط الكثير من الصحافيين الذين حوكموا بتهمة القذف من إنشاء مواقع إخبارية، إذ أن هذه التهمة كثيرا ما توجه لمن ينتقد السلطات أو يتحدث عن الفساد كما تم منع الوصول إلى العديد من المواقع الإخبارية على الإنترنت في الجزائر.

واعترفت السلطات بأنها حجبت اثنين منها على الأقل ودون إخطار مسبق، وهما “مغرب إبمرجنت” و”راديو أم بوست”، بانتظار اتخاذ “إجراءات المتابعة القضائية” ضد مدير أحدهما إحسان القاضي بسبب “القذف والذم” ضد الرئيس عبدالمجيد تبون. ولا يزال الموقعان الإخباريان محجوبيْن، ولا يمكن الوصول إليهما عبر الإنترنت في الجزائر.

ومن أهم شروط ممارسة الإعلام الإلكتروني، وفق المرسوم، أن “يكون الموقع خاضعا للقانون الجزائري، ويتم توطينه ضمن نطاق الإنترنت المحلي”، وهو أيضا ما أثار تحفظ العديد من الصحافيين والإعلاميين، ذلك أنه يشرع للسلطات حظر المواقع الإخبارية التي ينشئها جزائريون مقيمـون خارج البلاد خصوصا إذا تضمنت انتقادات  للسلطـة.

واعتبر رياض بوخدشة، رئيس المجلس الوطني للصحافيين (نقابة غير حكومية) أن شرط توطين المواقع ضمن النطاق الإلكتروني المحلي، “سيؤثر سلبا على ممارسة الإعلام الإلكتروني مستقبلا بسبب غياب الإمكانيات التقنية اللازمة لهذه العملية”.

ومنح المرسوم التنفيذي مهلة 12 شهرا لأصحاب المواقع الناشطة حاليا للتكيف مع الشروط الجديدة للصحافة الإلكترونية.

وورد في المرسوم كذلك، أنه على الراغبين في ممارسة الإعلام الإلكتروني، التقدم بطلب لتسجيل مواقعهم لدى وزارة الإعلام وتكون أمامهم مهلة 60 يوما لرفض أو قبول الطلب.

وأشاد بوخدشة بالمرسوم التنفيذي لكنه أعرب عن تحفظه على بعض البنود، وأوضح أن “شرط الـ3 سنوات خبرة (التي يعتبرها قليلة) لإنشاء موقع الإلكتروني سيفتح المجال أمام أشخاص دون خبرة لممارسة التخصص رغم أهميته”.

قواعد جديدة لممارسة الإعلام الإلكتروني
قواعد جديدة لممارسة الإعلام الإلكتروني

وأضاف “المرسوم لم ينص صراحة على طريقة تقديم دعم للصحف الإلكترونية الناشئة أو استفادتها من سوق الإعلانات الحكومية”.

وفي تصريحات سابقة لوزير الإعلام عمار بلحمير، فإن المواقع التي تحصل على موافقة رسمية بالنشاط بعد دخول هذا القانون حيز التطبيق هي الوحيدة التي بإمكانها الحصول على إعلانات حكومية مدفوعة ومساعدات من صندوق دعم الصحافة لتطوير نشاطها.

كما شجع بلحيمر الصحف الورقية على تسريع تحولها إلى النشر الرقمي، قائلا إن المستقبل للإعلام الإلكتروني. وتحصي وزارة الإعلام حاليا العشرات من المواقع الإخبارية الناشطة في البلاد، وهي مسجلة لديها بطريقة مؤقتة في انتظار ترسيم وجودها بعد صدور المرسوم الجديد.

ويرى صحافيون أن واقع الأمر لن يختلف بالنسبة إلى وسائل الإعلام التقليدية أو الإلكترونية في ما يخص الدعم والإعلانات الحكومية، فالسياسة هي واحدة والمحتوى الذي يحظى برضا الحكومة هو ما سيحصل على الدعم بغض النظر عن الوسيلة المنتجة له.

رياض بوخدشة: شرط توطين المواقع ضمن النطاق الإلكتروني المحلي سيؤثر سلبا على ممارسة الإعلام الإلكتروني

وكان الرئيس تبون قد دعا الحكومة في فبراير الماضي، إلى التسريع بتسوية أوضاع المواقع الإعلامية الإلكترونية الناشطة في البلاد‎.

وفي محاولة لتهدئة الغضب المتصاعد والانتقادات التي طالت السلطة بسبب حجبها عدة مواقع إلكترونيّة عامّة في أقلّ من 24 ساعة من دون أيّ تفسير، تم الخميس رفع الحجب الذي بعضها، باستثناء موقع “قصبة تريبون” الذي أسّسه الصحافي المسجون خالد درارني.

وقال الباحث في علم الاجتماع ناصر جابي، “الجهات التي قامت بحجب المواقع الإلكترونية وصلت إلى قمة التعسف، لا تقدم شروحات أو أسباب للحجب والمنع لأنها ترى أنها غير ملزمة بذلك”.

وأكد جابي أن الحظر يفتح المجال أمام الشائعات، وتوجه المواطنين إلى وسائل الإعلام الأجنبية، خاصة في ظل الظروف السياسية الصعبة التي تمر بها البلاد من غياب للرئيس والأزمة الصحية وغيرها.

ونددت منظمة “مراسلون بلا حدود” في بيان “بالعوائق الأخيرة أمام حرية الصحافة” في الجزائر، داعية السلطات إلى “احترام التزاماتها الدولية”.

وقال صهيب خياطي، مدير مكتب شمال أفريقيا في مراسلون بلا حدود، إن “قمع الأصوات الناقدة لا ينفك يتزايد على الإنترنت وخارجها. ندعو السلطات الجزائرية إلى احترام الدستور والتزاماتها الدولية خشية رؤية البلاد تفرغ من صحافييها”.

وبحسب الترتيب الذي وضعته منظمة مراسلون بلا حدود حول احترام حرية الصحافة لسنة 2020، تحتل الجزائر المركز 146 (من بين 180 دولة)، إذ تراجعت خمسة مراكز مقارنة بسنة 2019 و27 مركزا مقارنة بسنة 2015 حيث احتلت المركز 119.

18