في وداع مكتبة

حين تنتهي عملية الاختيارات، وتذهب الكتب إلى من يمكن أن يستفيد منها، ستسأل نفسك: مكتب أنيق وغير مزدحم أم كتب تحبها؟ لا أملك الجواب بعد.
الأربعاء 2021/12/15
ماذا تبقي وماذا تعطي؟

في موجة تصليحات منزلية قبل عامين، حولت مكان المكتب. المكتب القديم كان مزدحما بشكل لا يوصف. مئات الكتب تنتشر على أرفف بعضها نظامي، والآخر كيفما اتفق. كلما احتجت أرففا، أضيفها لحين غرق المكتب بالأرفف والكتب.

المكتب الآن أوسع، وفيه أثاث أقل. الكثير من الكتب هاجرت إلى الآيباد. عندما جمعت الكتب ووضعتها في المخزن، كان هناك عدد معتبر من الصناديق. الأثاث الأقل يعني أرففا أقل. الصناديق عادت للبيت، وفيها الكثير من الكتب. لا بد من إجراء عملية غربلة والاحتفاظ بعدد أقل وإهداء البقية. وهنا تبدأ المعاناة. ماذا تبقي وماذا تعطي؟

أحب كتبي. هناك تعلق بها لأنها تروي حكايات اهتماماتي على مراحل مختلفة من الحياة. لكل كتاب قصة. الآن المطلوب الإبقاء على 20 في المئة فقط من هذه الكتب، وتجهيز البقية للإهداء لمكتبات عامة أو أصدقاء. الكتب الإنجليزية أعرف أين ستنتهي، فثمة مكتبات في بلاد عربية تحتاج لمثل هذا النوع من الكتب. الكتب العربية مكانها مكتبات الجاليات حيث يبادر أصدقاء بروح ليبرالية في جعل الكتاب نقطة لقاء، بدلا من التجمعات الدينية.

تكومت الكتب. أول مرور على ما يبقى وما يذهب كان عبثيا. ما يبقى كان أكثر. يجب إعادة المحاولة. ها هو الصندوق الأول لما يذهب صار جاهزا. ماذا عن الصناديق العشرين الأخرى؟ شيء مؤلم حقا.

هذه، بالحد الأدنى، رابع مرة أودع فيها مكتبة لي. المرات الماضية كانت بلا اختيار. في واحدة منها، وضعت صناديق الكتب في مكان رطب وتلفت. وداع مؤثر لكتب متعفنة. عندما تترك بلدك، تترك مكتبتك. تودعها على أمل اللقاء. ثم لا تراها ثانية. في يوم قررت الانتقال من بيت إلى آخر. في اللحظة الأخيرة، اكتشفنا أن الكتب لا مكان لها. تودع الصناديق، ثم تسمع تأنيبا من صديقة تحب الكتب. كيف ترمي الكتب؟ بعد سنوات عادت الصديقة وزوجها إلى بلدهما، ورميا الكثير من الكتب في لحظات المفاضلة الأخيرة بين شحن الأثاث وشحن الكتب. الدنيا دوارة.

ميزة هذا الوداع أنه يتم بلا استعجال. سآخذ وقتي في الاختيارات. كل وداع مؤلم. ولكن إذا تم على مراحل، ربما يكون أقل ألما. تتصفح الكتاب لتسترجع ما قرأته في حينه. ثم تقرر: هل سأستخدمه أو أقرأه ثانية؟ هل يفيد غيري؟ تتجلد وتقول: دس على قلبك وقل لهذا الكتاب وداعا!

حين تنتهي عملية الاختيارات، وتذهب الكتب إلى من يمكن أن يستفيد منها، ستسأل نفسك: مكتب أنيق وغير مزدحم أم كتب تحبها؟ لا أملك الجواب بعد.

20