فيصل الأنصاري.. صوت أوبرالي يحلق بالأغنية البحرينية والخليجية

تمتلك البحرين مواهب مهمة وكبيرة لا تزال تسعى جاهدة لرفع راية الفن وإعلائها بين بقية الحضارات والثقافات، ومن هؤلاء الفنان فيصل الأنصاري الصوت الأوبرالي الذي يمزج الفن البحريني والخليجي مع فنون العالم ليعرّف بموروث منطقة الخليج العربي ويحدث فيه تجديدا يمنحه بعدا عالميا.
المنامة - يتجسد في أداء المطرب البحريني فيصل الأنصاري مزيج من ثقافات العالم المختلفة، فعلامته الفارقة هي دمجه للألوان الغنائية ببراعة، وبمهاراته اللافتة ينطلق في عوالم الغناء بلغات عشر.
سطع نجمه في برنامج اكتشاف المواهب “ذا فويس – الصوت” على محطة “أم.بي.سي” عام 2018، حيث وصل إلى مراحل متقدمة في البرنامج وأظهر موهبته الاستثنائية. كما تميز بقدرته على تقديم الأغاني التراثية الخليجية بأسلوب أوبرالي، ما يضفي على أدائه طابعا فنيا فريدا.
تألق الأنصاري أكثر عندما غنى إلى جانب الموسيقار العالمي الهولندي أندريه ريو في أول حفل للأخير في البحرين في فبراير عام 2023، ونالت هذه التجربة صدى إيجابيا واسع الانتشار، إذ حصدت الأغنية البحرينية الوطنية الشهيرة “تبين عيني” التي قدماها سوية أكثر من ثمانية ملايين ونصف مليون مشاهدة على قناة يوتيوب الرسمية للموسيقار العالمي.
عن هذه التجربة يقول تعود “الفكرة للسيدة منى خماش، من برنامج المجتمع التابع لمهرجان ربيع الثقافي البحريني، وقام الأخ محمد الأنصاري بطرحها على الموسيقار البحريني مبارك نجم، الذي قام بدوره بالتواصل مع أندريه ريو وإرساله مجموعة من أعمالي له ليتعرف علي. ثم كانت المفاجأة السارة عندما تلقيت اتصالا هاتفيا من أندريه ريو شخصيا، أبدى فيه حماسه لأن نلتقي في هولندا للبدء في تدريبات الحفل”.
ويتابع “سافرت والفرقة البحرينية للقائه وفرقته في هولندا من أجل الاستعداد للحفل وأداء البروفات، ثم عدنا بمصاحبته وأوركسترا يوهان شتراوس إلى البحرين لتقديم الحفل.. هي تجربة لا تُنسى والأجمل أنها مستمرة، فقد أحيينا حفلين لعامين متتالين في البحرين، ونحن في طور التحضير لحفلات السنوات المقبلة في البحرين”.
بدأ الأنصاري الغناء في سن مبكرة أمام عائلته وأصدقائه، وفي المرة الأولى التي ظهرت فيها ملامح التأثر والدهشة على وجوههم، أدرك أنه بمقدور صوته أن يلامس قلوب الجمهور.
ويصف الأنصاري، الذي اشتهر بدمجه أساليب غنائية مختلفة مثل فن الصوت البحريني والغناء الأوبرالي والفلامنكو، الفنون الشعبية البحرينية بالكنز الكبير الذي يحمل إمكانيات وجملا لحنية صعبة ومميزة، “لاحظت أن غناء الفلامنكو يشبه إلى حد ما النمط الشعبي البحريني، وكذلك وجدت أن الدمج يساعد على خلق تشويق خاص للعمل الفني، ويصل بصورة أسرع إلى الجمهور من فئة الشباب، ومن هنا استوحيت دمج ألوان الفنون ببعضها بشكل جديد لتكون أقرب للذوق العام”.
وإثر سؤاله عن كيفية توحيد أساليب غنائية مختلفة مثل فن الصوت البحريني والأوبرا الإيطالية في أداء واحد، يرى أنه “لا يوجد قانون يقيد الموسيقى من إبداعها، فالموسيقى هي السماع الجميل، وتكوين شيء جميل وإبداعي غير محكوم بالضرورة بتجارب المؤلفين أو الملحنين السابقين”.
ويؤكد أنه لا يزال بمقدور الفنانين الابتكار وخلق أنواع جديدة من الموسيقى، مستشهدا بدمج الألوان، “ببساطة دمج لونين من الألوان الزيتية ينتج عنه لون جديد، ويمكن قياس الأمر نفسه على الألوان الموسيقية”.
وعما إذا كان تجديد التراث الموسيقي يؤدي إلى طمس هويته الأصلية، فإن الفنان البحريني لا يتفق مع هذا الرأي، معللا أن “التراث قد تم توثيقه بالفعل وهو موجود بنسخ مسجلة، في حين أن إعادة تجديده تعتبر تسويقا للمنتج الأصلي، وقد يكون عنصر جذب للمستمع، لاسيما من فئة الشباب”.
ويوضح “يعتقد البعض أن التجديد في الموسيقى مغامرة بحكم اعتياد الناس على سماع أنواع معينة من الموسيقى، لكني أرى العكس، فكل نجاح اليوم لا بد أن تكون له بداية غير مسبوقة. شخصيا أفضل أن أكون مبتكرا ومبدعا بدلا من أن أكون تابعا أو مقلدا للسابقين في المجال”، في نفي ضمني لتحديات قد واجهها عند دمجه لأساليب غنائية مختلفة.
لا يزال الأنصاري في رحلة تعلم مستمرة للفنون الغنائية العالمية وحتى العربية، على الرغم من إجادته الغناء بعشر لغات حتى اليوم، وهي المهارة التي اكتسبها فترة دراسته في المعهد العالي للفنون الموسيقية في الكويت، متخصصا في الأصوات وحاصدا المركز الأول على دفعته.
وفي ظل غياب معهد رسمي أكاديمي للموسيقى في البحرين، اتجه عام 2017 إلى تأسيس معهد “فاصول”، الذي يصفه بحاضنة للموسيقيين في البحرين لصقل مواهبهم بتوجيه خاص من المختصين ومن قبله شخصيا. ويهدف إلى أن يتحول مكانه الصغير، الذي استغرق عشر سنوات من الإعداد وتجهيز المناهج، إلى أكاديمية موسيقية بحرينية تخرج أجيالا جديدة من الفنانين.
الأنصاري في رحلة تعلم مستمرة للفنون الغنائية العالمية وحتى العربية، على الرغم من إجادته الغناء بعشر لغات حتى اليوم
وعن الخطط المستقبلية لتوسعة نطاق المعهد والبرامج التي يقدمها، قام بالاتفاق مع جهات خارجية لتنفيذ ورش ودورات موسيقية، وعمل على تفعيل التعاون مع مراكز شبابية بحرينية وتوفير مساحة أكبر لاحتضان هؤلاء الموسيقيين الشباب. ويقول “وفقت في بعض المحاولات، وما زلت أسعى لإيجاد المزيد من الفرص والمرافق للموسيقيين في البحرين. كما نبادر دائما في المشاركات الفنية”.
ولعل الإنجاز الملفت للمعهد هو تأسيسه لأول فرقة أكابيلا بحرينية تحمل اسم “فاصول”، وهو فن استعراض سمعي يستغني عن المصاحبة الموسيقية بالآلات، ويستعين بدلا منها بالصوت البشري من كل الطبقات، الأمر الذي يتطلب دراسة معمقة لعلم الأصوات البشرية وعلم التأليف الموسيقي.
وفيما يرى أن المشهد الموسيقي في منطقة الخليج جيد لكنه يحتاج إلى المزيد من التنويع والتجديد، يقترح الأنصاري مجموعة من المبادرات التي من شأنها أن تسهم في أن يصل الغناء الشعبي المحلي إلى جمهور أوسع دوليا، من بينها تقديم حفلات غنائية حول العالم تضم الفنون الشعبية، واستقطاب فرق وفنانين عالميين وتعريفهم بالفنون الشعبية البحرينية ومشاركتهم في أدائها داخل وخارج البحرين، فضلا عن تأسيس جيل فني من الشباب الواعي بأهمية التراث والحفاظ عليه.
ويطمح الفنان البحريني لأن يجوب العالم في رحلة فنية لتبادل الثقافات وخوض تجارب جديدة، مشيرا إلى أن أسلوبه الفني هو حصيلة ثقافات متعددة من أنحاء العالم قام بدمجها لتكون نمطا غنائيا جديدا.
ويشارك الأنصاري في الدورة الرابعة والعشرين للمهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون، المقام في تونس في يونيو المقبل، وهو الفنان الخليجي الوحيد الذي سيغني في المهرجان، وسيقدم أغنيات مشتركة مع فنانين عرب بالإضافة إلى أغنيات من الموروث الفني البحريني.