فن الغرافيتي يغزو جدران المدن السعودية على أيدي شباب مبتكرين

مع حالة الانفتاح الثقافي التي تشهدها السعودية في السنوات الأخيرة وتشجيعها للمواهب والفنانين على إنجاز تجاربهم في فضاءات مفتوحة، ترسّخ فن الغرافيتي في البلاد ومعه بدأ يظهر فنانون جدد، قدموا أعمالا لافتة، مستفيدين من الحرية التي بات يتمتع بها الفن السعودي في خوضه لمواضيع سياسية أو فكرية أو اجتماعية مختلفة، ومازال هذا الفن يتطور باستمرار من فنان إلى آخر.
القاهرة - قالت دراسة أكاديمية سعودية حول تحولات الفن الغرافيتي بالمملكة، إن تزايد الحراك الفني بالمشهد التشكيلي السعودي خلال الألفية الجديدة، وتزايد فرص الاحتكاك والعرض الخارجي، ساهمت في حضور عدد كبير من الفنانين التشكيليين السعوديين بأعمالهم ذات الطابع المعاصر، التي خرجت عن الصيغ التقليدية السائدة حتى منتصف التسعينات من القرن العشرين، و”أن الفنان السعودي استطاع التعبير بمساحة من الحرية عن المواضيع السياسية التي غابت في أعماله سابقا، كما عبر عن المشكلات الاجتماعية دون صدام مباشر مع المجتمع أو المشرع”.
والدراسة التي أعدتها الباحثة نوال عبيدالله العلوي، المحاضرة في مجال الرسم والتصاميم والفنون بجامعة جدة، والدكتورة مسعودة عالم جان قربان، الأكاديمية بجامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية، حملت عنوان “دراسة تحولات الفن الغرافيتي السعودي وفق نظرية جماليات العرض”، وجرى النشر العلمي لها ضمن بحوث سلسلة المؤتمرات العلمية لكلية الفنون الجميلة بجامعة الأقصر المصرية.
اتجاه معاصر خصب
أوضحت الدراسة قدرة الفنان الغرافيتي السعودي على مواكبة التطور الإبداعي والتحول الفكري، وتوظيف الفضاء في فن الشارع بأسلوب فني خاص ومبتكر، فجاءت التوصية للدراسة بالتركيز على فن الغرافيتي كونه اتجاها معاصرا خصبا قابلا لامتداد الفني فكريا وأسلوبيا وتقنيا في الساحة الفنية السعودية والعالمية.
وتناولت الدراسة أيضا بالبحث والتحليل مظاهر تحول فن الغرافيتي لدى الفنان التشكيلي السعودي، وملامح تطويعه لفن الشارع في فضاء العرض وجماليته بأساليب وصيغ وتقنيات فنية جديدة، وسلطت الضوء على تلك التحولات الفنية لذلك الفن، مستعرضة الإطار النظري لماهية فن الغرافيتي وآخر التطورات الفنية والفكرية التي طرأت عليه، كما قدمت تحليلاً لبعض الأعمال الغرافيتية لعدد من الفنانين السعوديين.
وأشارت الدراسة إلى أن الفن المعاصر “الغرافيتي” الذي برز جليا منذ ثمانينات القرن العشرين بمفاهيم غير تقليدية في الموضوع والأسلوب والأدوات حتى نال الشهرة وأصبح من الفنون الراقية بعدما كان مهمشا، ساهم في الكشف عن مضامين نقدية ساخرة تطرح قضايا المجتمع إلى جانب الجمالية والدلالات الرمزية والفكرية من خلال التصورات والرؤى الجديدة التي تفتح المجال للتجارب والممارسات الفنية المواكبة لكل التغيرات.
الباحثتان نوال عبيدالله العلوي والدكتورة مسعودة عالم جان قربان أكدتا على أنه مع الاهتمامات العالمية بالفن الغرافيتي وتحولات الساحة المحلية نحو الاهتمام بالفنون المعاصرة، وخاصة من قبل فناني جيل الشباب المهتمين بفن الشارع وقضاياه، ظهرت قدرة الفنان الغرافيتي السعودي على مواكبة التطور الإبداعي والتحول الفكري، وتوظيف طرق العرض لفن الشارع بأسلوب فني خاص ومبتكر، وأن فن الغرافيتي أصبح اتجاها معاصرا خصبا قابلا للامتداد فكريا وأسلوبيا وتقنيا في الساحة الفنية السعودية والعالمية، مما يستوجب الدراسة والاهتمام به على كافة الأصعدة، خاصة مع قلة الدراسات التي تتناول فن الغرافيتي السعودي وآخر تحولاته، وذلك بحسب نص الدراسة.
وبحسب الدراسة، فإن الفن التشكيلي يُعتبر على مستوى المملكة العربية السعودية رافداً ثقافياً ومرآة عاكسة للمجتمعات، يأخذ على عاتقه ضرورة تأصيل الهوية السعودية في الفن وذلك ليكون صورة معبرة عن المجتمع الذي أفرزه، وامتدادا حضاريا وفكريا يحكي حكاية مميزة ذات طابع فريد ومختلف.
لكن، ووفقا لما جاء في الدراسة فإن رؤية الواقع الحالي تُظهر أن التصوير التشكيلي أصبح في عصر العولمة متداخلا ومتشابكا بصورة لا مثيل لها في التاريخ، مما جعل دراسة الظواهر التشكيلية بمعزل عن الامتدادات والتفاعلات الخارجية وفق طابع محلي بحت أمراً غير ممكن.
وأوضحت الدراسة أن ظهور ظاهرة ممارسة الشباب السعودي للفن الغرافيتي من خلال الرسم والكتابة على الجدران في أماكن مختلفة مثل: جدة، والرياض، والأحساء، جاءت كنتيجة لتأثرهم بثقافة ذلك الفن الذي يأخذ طابعا معاصرا ومنطلقا فكريا، يوظف لغة الشارع بصورة جديدة تتواكب مع ثقافة المكان، حيث نفذت العديد من الكتابات ورسوم الجدران في البداية كممارسة للهوايات، أما اليوم فأصبح هناك تقنين لمشاركات الفنانين والتنفيس عن فنونهم من خلال تنفيذ العديد من البرامج والأنشطة والمسابقات، وأصبح يوجد مضمون ورسالة مرتبطة بقضايا المجتمع المحلي والعالمي، وذلك بحسب ما ذهبت إليه الدراسة.
فن مؤثر
ألقت دراسة “تحولات الفن الغرافيتي السعودي وفق نظرية جماليات العرض”، الضوء على أبرز الغرافيتيين السعوديين الذين يتواجدون على الساحة الفنية مثل: مازن الشمراني، وضياء رامبو، وفؤاد الغريب، وطلال الزيد، ونورة السعيدان، ومريم أبوشال، ومضاوي الباز، وكذلك جماعة الفن الغرافيتي السعودية (الهنجر) الذين قاموا بمشروعهم الغرافيتي في عدد من المباني الواقعة في منطقة البلد في مدينة جدة.
وكما تقول الدراسة فقد كوّنَ هؤلاء الرسامون المفاهيميون أشكالا جدارية متعددة بأساليب مختلفة، لاجئين إلى المساحات الواسعة لتقسيم موضوعاتهم.
وقد خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج منها: أن الفن الغرافيتي مؤثر قوي في طرح الموضوعات التي تتناول قضايا المجتمع ومشكلاته، ومحفز للفنان المعاصر نحو استحداث الجديد في كيفية العرض والأسلوب والتقنية للعمل الفني، وأن الفن الغرافيتي السعودي يعيش حالة من التطور، حيث تشهد الساحة الفنية تطورا فكريا وأسلوبيا وتقنيا يشار إليه بالبنان، كما بينت أن الفنان الغرافيتي السعودي لديه القدرة على مواكبة التطور الإبداعي وتوظيف طرق العرض وجمالياته بأسلوب فني خاص ومبتكر.
فنانو الغرافيتي السعوديون يواكبون التطور الإبداعي والتحولات الفكرية ويوظفون طرق العرض لفن الشارع
وأوصت الدراسة بضرورة التوعية بأهمية الفن الغرافيتي كلغة بصرية مؤثرة تمثل الواجهة الحضارية والثقافية لأي بلد في العالم، إدراج الغرافيتي ضمن المناهج الدراسية في التعليم العام، وخاصة المراحل التي تخص المراهقين كمجال جديد وأسلوب فني مغاير للمنهجية التقليدية المقررة في مادة التربية الفنية، واستثمار الفن الغرافيتي لاستيعاب طاقات الشباب والتحفيز على الابتكار والإبداع في رؤية قضايا المجتمع والتعبير عنها وإيجاد الحلول للمشكلات والبعد عن التخريب والتشويه، وإقامة أكاديميات على الصعيد المحلي تتخصص في تعليم الغرافيتي وأساليبه وتقنياته لاسيما أنه فن له أثر على مجال التنمية البشرية بما يتيح من فرص للعمل لدى الشباب، وإجراء البحوث والدراسات على الفن الغرافيتي وتطوراته بالطرق العلمية من قبل الأطراف المعنية بتدريس الفنون التشكيلية بما فيهم الأستاذة والمختصين.
ويُذكر أن “الغرافيتي” أو الكتابة على الجدران هو فن ظهر لأول مرة في مصر القديمة، ثم مر بمراحل متعددة جعلته ضمن قائمة الفنون التشكيلية الأكثر انتشاراً بالعالم.
ومع التحولات الفكرية والفنية فإن الكتابة على الجدران صارت أحد الفنون التشكيلية التي تعبر عن رؤى وأفكار يتجاوز فيها الفنان مسائل الجمالية إلى مسائل أكثر تعبيرا موجودة في محيط الفن، وخاصة فنون ومدارس اتجاهات ما بعد الحداثة والفن المفاهيمي، مما يؤكد ارتباط الكتابة على الجدران بما يسمى بـ”فنون الجداريات” وهو الرسم على الجدار بمسافات ممتدة وطولية، يقوم بها الفنانون بعد تخطيط معين للموضوع المراد رسمه وتوضيحه للناس.