فنان مصري يوثق العمارة التراثية في القرى المصرية قبل زوالها

ما بين العمارة والفن التشكيلي علاقة وثيقة للغاية، فمن الأزقة والمباني القديمة والتاريخية أبدع الفنانون التشكيليون أعمالا فنية كثيرة، وإن كان بعضها يصنف بالانطباعي، فإن البعض الآخر وخاصة اليوم يمكن اعتباره توثيقيا بالدرجة الأولى، إذ يتجاوز الفنان من خلاله الجماليات الفنية إلى التوثيق التاريخي مقاومة للنسيان والزوال.
القاهرة - محمد دسوقي فنان تشكيلي مصري عاشق للتراث والعمارة القديمة في قرى مصر، وخاصة القرى التاريخية المتاخمة لتلك الآثار الخالدة التي شيدها حكام مصر القديمة في الأقصر وأسوان، وغير ذلك من قرى مصرية ارتبطت بحرف وصناعات تراثية مثل قرية “البلاص” التي تعد مركزا لصناعة الفخار في محافظة قنا.
وقد احتلت قرية القرنة الواقعة في البر الغربي لمدينة الأقصر التاريخية بصعيد مصر مساحة كبيرة في أعمال الفنان دسوقي، الذي أولى اهتماما كبيرا أيضا لمساكن النوبة التراثية في أسوان.
حول تجربته في رسم معالم القرى وعمارتها التراثية وبيوتها القديمة المشيدة من الطين والطوب اللبن والتي تنتمي لما يعرف بالعمارة البيئية، المشيدة بمواد من البيئة المحيطة بها، وذلك قبل أن تنتقل إليها المباني الخرسانية، يقول الفنان دسوقي في مقابلة معه إنه اتخذ من العمارة التراثية مشروعا فنيا خاصا له منذ عقود مضت، حيث رسم المئات من اللوحات التي توثق البيوت القديمة وكل معالم العمارة التراثية في القرى المصرية التي تكررت زياراته لها على مدار سنوات طوال.
توثيق القرنة
ويشير دسوقي إلى أن قرية القرنة التي تقع بها جبانة طيبة - عاصمة مصر القديمة - والتي تضم بين جنباتها المئات من المقابر والعشرات من المعابد التي شيدها ملوك وملكات ونبلاء ونبيلات مصر القديمة، كانت التجربة الأكبر في مشروعه لتوثيق العمارة التراثية المصرية، والبيوت الطينية، حيث أقام 20 معرضا تشكيليا دارت جميعها في فلك القرنة وعمارتها التراثية وبيوتها الطينية، التي بنيت فوق مقابر الفراعنة، وكان أول معرض يضم لوحاته التي رسمها لعمارة وبيوت القرنة بعنوان "من وحي القرنة".
وقد تمكن الفنان بحسب قوله من توثيق كل نجوع القرنة وبيوتها الطينية ومظاهر عمارتها التراثية، وذلك قبل أن تتم إزالتها من فوق المقابر الفرعونية ونقل سكانها إلى قرية جديدة، بهدف حماية المقابر الفرعونية من التلف والانهيار.
وأضاف دسوقي بأن علاقته بقرية القرنة بدأت في تسعينات القرن الماضي، وامتدت حتى اليوم، ولم يكتف خلالها برسم وتوثيق عمارة القرنة وبيوتها قبل أن تتم إزالتها ونقل سكانها لمساكن بديلة، بل رسم أيضا معابد القرنة وآثارها القديمة، مثل تمثالي ممنون الشهيرين.
ومن المعروف أن القرنة هي إحدى أكبر وأهم المناطق الأثرية المصرية، وذلك لما تحويه بين جنباتها من أعداد كبيرة من المقابر والمعابد الفرعونية، مثل مقابر وادي الملوك ووادي الملكات، ودير المدينة، والعساسيف، وذراع أبوالنجا، ومعابد حتشبسوت، وهابو، والرامسيوم، وسيتي الأول، وامنحتب الثالث الذي يتصدر واجهته تمثالا ممنون، وغير ذلك من المعابد الجنائزية التي أقامها ملوك مصر القديمة.
موسوعة للعمارة
يلفت الفنان دسوقي إلى أن مشروعه لتوثيق العمارة التراثية والمساكن الطينية امتد من القرنة إلى قرى النوبة في أسوان، مثل غرب سهيل، وإلى قنا حيث أديرة نقادة، وصناعة الفخار في قرية البلاص، وإلى قوص في شرق قنا، وإلى منطقة بني حسن الأثرية في محافظة المنيا، وقرية القصر في الوادي الجديد، وفي الوجه البحري، وثق أيضا عمارة وبيوت قليوب، مسقط رأسه، والقناطر الخيرية، وشبين القناطر، وأبوكبير، وأبوحمص وغيرها.
ويضيف دسوقي أنه مهتم على مدار أكثر من ثلاثة عقود مضت بتوثيق معالم ما أسماه بالعمارة البيئية التراثية والطينية المشيدة من مواد من البيئة المحيطة بها، ودوما ما يكون مسحورا بمشاهد البيوت القديمة والضوء الخافت المتسرب من أسفل بواباتها، وأنه مهتم على الدوام في كل لوحاته بالكتلة والظل والنور.
ويعبّر عن أمله في استكمال مشروعه الخاص بعمل موسوعة للعمارة التراثية والبيئية في القرى المصرية، وأن يمتد عمل تلك الموسوعة لتشمل العمارة التراثية العربية في اليمن وتونس وغيرهما من بلدان الوطن العربي.
