فنان ألماني يبدع أعمالا من الغرافيتي المعكوس باستخدام المياه

لضمان ألا تذهب الرسومات أدراج الرياح إلى الأبد، يسجل داوفن رسومات الغرافيتي التي يرسمها بصور فوتوغرافية، ويتم بعد ذلك تجميعها في أعمال منظمة أرشيفية.
الاثنين 2021/11/29
أعمال تزول ولا يزول تأثيرها

كروزاو (ألمانيا) – آخر أعمال الفنان الألماني كلاوس داوفن، هو أكبرها على الإطلاق حتى الآن، قام بحفره على جسم سد ويمتد على طول ما يوازي ستة أو سبعة ملاعب لكرة القدم.

وأخذ العمل من وقت الفنان كلاوس داوفن (55 عاما) وفريقه ثمانية أسابيع كاملة، من بينها استخدام 2500 نقطة مرجعية بالليزر لتحديد الرسومات في إقليم فوغلانس الفرنسي.

وقد تمكن الفنان من إنهاء العمل رغم أنه توقف عنه لمدة أسبوعين في يوليو الماضي بسبب هبوب عواصف.

ويقول داوفن “بعد توقف الأمطار كان علينا أن نبدأ من جديد مرة أخرى، ولكن تم الآن الانتهاء من العمل الفني المسمى ‘الغابة‘”.

ومع ذلك لم يستخدم داوفن أي طلاء في تنفيذ عمله الفني، وبدلا منه استخدم الأشياء التي كانت موجودة بالفعل على أرض الواقع قبل بدء العمل الفني، وهذا الفنان -وقد عاد سالما إلى بلده ألمانيا- يعد رائدا في نوع جديد من الفن يطلق عليه اسم “الغرافيتي العكسي”. ويقول “أعمالي الفنية أحيانا يكون حجمها كبيرا جدا”.

وبدأ داوفن مسيرته بالفن الكلاسيكي لا كفنان لرسومات الشوارع، ولكنه الآن يقتفي أثر تراث الفنان هارالد ناجيلي المعروف بلقب رشاش زيوريخ، نظرا إلى استخدامه عبوات رش الطلاء في أعماله الفنية، وهو فنان تلقى دورات تدريبية في الفن الكلاسيكي، واشتهر برسومات الغرافيتي على جدران هذه المدينة السويسرية.

غير أنه كان له أسلوبه الخاص، وفن الغرافيتي العكسي لا يتعلق بالرسم وإنما باستخدام دفقات الماء قوية الاندفاع لإزالة طبقات الأقذار والزيوت التي تراكمت لعقود على سطح الجدار، وبدلا من علب الرش أو فرش الطلاء يستخدم داوفن أجهزة تنظيف تعمل بالضغط لإبداع أعماله التي تبدو مثل الصور الظلية التي تلوح كبيرة في الأفق.

ويقر داوفن بأنه لم يخترع الغرافيتي العكسي، ويقول إن “الفنان الإنجليزي بول موسي كورتيس هو الذي جاء بالفكرة بشكل مستقل عني، في ذات التوقيت تقريبا”، وكان ذلك عام 1977 عندما كان داوفن يدرس الفن في دوسلدورف ومونستر وجاءته هذه الفكرة كالعصف الذهني.

الفنان لا يستخدم الطلاء بل يرسم عبر أجهزة تنظيف تعمل بالضغط لإبداع أعماله التي تبدو مثل الصور الظلية
الفنان لا يستخدم الطلاء بل يرسم عبر أجهزة تنظيف تعمل بالضغط لإبداع أعماله التي تبدو مثل الصور الظلية

وفي ذلك الوقت كان يعمل على لفائف من الورق مساحتها أربعة أمتار مربعة، ومغطاة برماد الفحم.

ويقول “تم تدمير الرسم، ولكن بعد أن امتصصت الرماد بمكنسة كهربائية طرحت الفكرة نفسها”. ومنذ ذلك الحين أخذ هذا الشكل الفني يحظى بالاعتراف.

ويقول الباحث في مجال الفن غريغور يانسن، رئيس متحف دسلدورف كونستاله للفن، إن “الغرافيتي العكسي هو من الناحية النظرية، وأيضا في أعين صاحب المبنى الذي سينفذ فيه العمل، أكثر أشكال الغرافيتي الذي يمكن تحمله”.

ويضيف “بفضل تأثير الرسم السلبي وإزالة الأتربة من أرضية العمل يتم إحداث نقلة، والرسالة المرئية يتم طرحها بشكل واضح”، ومن هذا المنظور الذي يطرحه يعد الغرافيتي العكسي نسخة أكثر إثارة للاهتمام من الشكلين الفنيين.

ولأن فن داوفن يعتمد على تكثيف الزمن ومن الصعب بيعه فهو يتطلب عادة الدعم من الرعاة لكي يظهر؛ فعلى سبيل المثال يقوم منتج ألماني لآلات التنظيف ذات الضغط العالي بدعمه عندما يعمل، ومثلما كان عليه الحال وهو في فرنسا يقوم بتزويده بفريق من المتسلقين يعملون في مجال الصناعة، وأيضا يبعث إليه بالعديد من المساعدين وبخرطوم مياه يبلغ طوله 100 متر.

وبالرغم من كل العقبات استطاع هذا الفنان الألماني أن ينتج أعمالا بارزة في فرنسا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، وأبدع صورته على الجسور والسدود وحواجز الأمواج، ورسم نباتات وحيوانات ووجوها، ويقول إن اختياره لموضوع ما يتم استلهامه عادة من المنطقة المحيطة بالمبنى الذي يعتزم العمل به.

ويمكن أن يكون عمل داوفن عابرا وقابلا للزوال، ويتوقف ذلك على ظروف الطقس التي يتعرّض لها.

Thumbnail

ويقول “يعتمد ذلك على الجدران والاتجاه الذي يواجهني والطقس، ففي اليابان ذهب رسم -نفذته على سد- أدراج الرياح تماما بعد عامين من تنفيذه، وفي إقليم إيفل على الحدود الفرنسية الألمانية استمر عمل آخر لمدة تتراوح بين خمسة وستة أعوام”.

وهناك أيضا عمل فني بمدينة كولونيا الألمانية تعرض للزوال، غير أن داوفن يشير إلى أنه ليس من تنفيذه، ولكنه قطعة من الغرافيتي العكسي نفذها فنان يعمل تحت اسم سيليسي (التي تعني التزم الهدوء).

ولضمان ألا تذهب الرسومات أدراج الرياح إلى الأبد، يسجل داوفن رسومات الغرافيتي التي يرسمها بصور فوتوغرافية، ويتم بعد ذلك تجميعها في أعمال منظمة أرشيفية.

وهناك عامل مهم آخر يفصل عمله عن الغرافيتي، وهو حجم القبول الذي يتلقاه. ويقول “إن العمل يروق أيضا للناس الذين لا يتذوقون الفن كثيرا، وهم لا يكنون لي مشاعر العداء”.

12